أسبوع «الفائدة» الأول في 2023

يترقب المستثمرون والمتعاملون في الأسواق أول اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) في 2023، والتي سيتحدد على أساسها وجهة الدولار «القوي» على مدار العام، وما إذا كان سيزداد قوة أمام باقي العملات أم ستخف وتيرة صعوده، حتى تأخذ الأسواق الناشئة أنفاسها التي حبستها على مدار 2022.

سيتبع اجتماع الفيدرالي الأميركي يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، اجتماعات البنوك المركزية الخليجية، التي ترتبط عملاتها بالدولار، على أن يعقد بنك إنجلترا والبنك المركزي المصري اجتماعاتهما يوم الخميس، لتحديد أسعار الفائدة، وسط ضبابية كثيفة تحجب الرؤية الاقتصادية المستقبلية.

– {الفيدرالي} الأميركي

بالنظر إلى البيانات الاقتصادية الأميركية، التي أظهرت ضعف النشاط الاقتصادي نسبياً رغم قوة بيانات سوق العمل والإسكان، والتي جاءت بياناتهما أفضل من المتوقع، غير أن الدولار تمسك بمكاسبه المتواضعة يوم الجمعة، بعدما أظهرت بيانات تراجع إنفاق المستهلكين الأميركيين وانحسار التضخم.

وتراجع مؤشر أسعار المستهلك ليسجل في العام الماضي بأسره حتى ديسمبر (كانون الأول) 5.‏6 في المائة مقابل 9 في المائة عندما بلغ ذروته في يونيو (حزيران) الماضي.

وإذا نظرنا إلى المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم، وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، فسوف نجده ارتفع بنسبة 0.1 في المائة الشهر الماضي بعد زيادة مماثلة في نوفمبر (تشرين الثاني).

ووفق وزارة التجارة الأميركية يوم الجمعة، فإن إنفاق المستهلكين الأميركيين، الذي يشكل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأميركي، تراجع 0.2 في المائة الشهر الماضي. وتم تعديل بيانات نوفمبر لتظهر انخفاض إنفاق المستهلكين 0.1 في المائة بدلا من ارتفاعه بنفس النسبة قبل التعديل.

هذه المعطيات تفيد بأن الطريق ممهدة الآن لصناع السياسة النقدية الأميركية لكبح جماح ارتفاع أسعار الفائدة، ومع انخفاض مقدار الرفع المتوقع لأسعار الفائدة الأميركية بشكل طفيف، (0.25 – 0.50 في المائة)، ربحت سندات الخزانة الأميركية.

يدعم هذا الاتجاه المخاوف من الدخول في ركود اقتصادي، بالإضافة إلى أن الاقتصاد الأميركي سجل نموا في العام الماضي، بنسبة 2.1 في المائة، والذي يظهر وتيرة أبطأ من العام السابق عليه.

وعلى صعيد منطقة اليورو، قضت كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، على آمال الأسواق بتيسير السياسات النقدية بتصريحات واضحة بأهمية الاستمرار في رفع أسعار الفائدة للقضاء على التضخم المرتفع. وفي اليابان، أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة واستهدافه لسياسة التحكم في منحنى العائد (YCC) دون تغيير.

وعلى صعيد البنوك المركزية الخليجية، يتوقع أن تجتمع يوم الأربعاء للنظر في معدلات الفائدة، بعد صدور قرار الفيدرالي الأميركي بشأن الفائدة، وذلك لارتباط عملات دول الخليج، السعودية والإمارات والبحرين وقطر، بالدولار.

– بنك إنجلترا

من المحتمل أن تدفع مستويات التضخم المرتفعة بنك إنجلترا نحو مزيد من التشديد النقدي (رفع الفائدة) يوم الخميس المقبل، مما يفاقم الضغوط على المقترضين المتضررين بالفعل.

تعتقد الأسواق أن لجنة السياسة النقدية سترفع معدل الفائدة إلى 4 في المائة، مقارنة بـ5.‏3 في المائة حاليا. ويعتقد خبراء أنه سيتم رفع الفائدة بعد ذلك إلى 5.‏4 في المائة و25.‏4 في المائة قبل أن يتم خفضها.

ويشار إلى أن البنك يقوم برفع الفائدة منذ أكثر من عام. ففي ديسمبر الماضي كان معدل الفائدة قد سجل 1.‏0 في المائة، حيث حاول صانعو السياسات تشجيع إنفاق المستهلكين عقب أن أدى فيروس «كورونا» لتباطؤ الاقتصاد.

ولكن جهود السيطرة على التضخم، وإعادته إلى الهدف الموضوع وهو 2 في المائة أدى لتبني البنك سياسة التشديد النقدي منذ ذلك الحين. مع ذلك، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين إلى 5.‏10 في المائة في ديسمبر الماضي، مقارنة بـ7.‏10 في المائة في نوفمبر الماضي، و1.‏11 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما يشير إلى إمكانية أن يكون المؤشر قد تخطى الذروة.

– مصر بين الرفع والإبقاء

يجتمع البنك المركزي المصري يوم الخميس المقبل للنظر في أسعار الفائدة المرتفعة أساسا، لكن معدل التضخم الحالي، يضع واضعي السياسات النقدية في مصر في وضع صعب، بين استمرار زيادة أسعار الفائدة، وهو ما يهدد مناخ الاستثمار المتأثر بالفعل، والإبقاء على المعدلات الحالية عند مستوياتها المرتفعة، على أمل سحب أكبر قدر من السيولة من السوق من خلال الشهادات الادخارية ذات الفائدة العالية من أكبر بنكين تابعين للدولة، لتهدئة وتيرة التضخم.

كانت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، قد قررت في اجتماع خاص انعقد 22 ديسمبر الماضي، رفع سعر الفائدة على الودائع والإقراض لليلة واحدة بواقع 300 نقطة أساس إلى 16.25 في المائة، و17.25 في المائة بالترتيب.

أدى هذا القرار إلى تسريع وتيرة سياسة التشديد النقدي بمقدار 500 نقطة أساس في الربع الرابع من عام 2022؛ حيث رفع المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس خلال عام 2022. وفي الوقت نفسه، ارتفع التضخم إلى 21.3 في المائة في ديسمبر الماضي، بمتوسط 13.8 في المائة خلال العام الماضي بأكمله.

وبمقارنة تحركات المركزي المصري أمام تحركات الفيدرالي الأميركي خلال العام الماضي، نجد الأخير رفع أسعار الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس أمام متوسط معدل تضخم بلغ 6.5 في المائة خلال عام 2022.

أمام هذا، توقعت إدارة البحوث بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار، أن تُبقي لجنة السياسات النقدية على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماع الخميس.

وقالت هبة منير محللة قطاع البنوك والاقتصاد الكلي بشركة إتش سي للأوراق المالية والاستثمار: «نتوقع أن تُبقي لجنة السياسات النقدية على أسعار الفائدة دون تغيير للسماح للسوق باستيعاب رفع سعر الفائدة بـ300 نقطة أساس في اجتماع 2 فبراير (شباط) المقبل».

أشارت هبة إلى إعلان البنك المركزي أن الاستثمارات الأجنبية في السوق المصرية تجاوزت 925 مليون دولار في الأسبوع الذي أعقب التحرك في سعر الجنيه المصري مقابل الدولار في 11 يناير (كانون الثاني)، موضحة أن «التدفقات المستفيدة من فرق الأسعار أصبحت أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب».

وتوقعت تسارع التضخم ليصل إلى 23.5 في المائة في يوليو (تموز) المقبل، قبل أن يتراجع إلى 18.2 في المائة في ديسمبر، بمتوسط 21.5 في المائة خلال عام 2023، كما توقعت أن يبلغ «متوسط عائد أذون الخزانة لآجل عام نحو 20.6 في المائة في 2023 (باحتساب معدل ضرائب قدره 15 في المائة للمستثمرين الأميركيين والأوروبيين)، مع الأخذ في الاعتبار توقعات برفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس خلال بقية العام، مع الأخذ في الاعتبار التقلبات في مبادلة مخاطر الائتمان في مصر لعام واحد، والتي سجلت حالياً 504.7، انخفاضاً من ذروتها عند 1774 في 27 يوليو 2022، لكنها لا تزال مرتفعة مقارنة بمستوياتها القياسية المنخفضة التي بلغت 181 في 17 سبتمبر (أيلول) 2021».

انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 17 في المائة خلال الشهر الماضي، مسجلة 29.9 جنيه للدولار، نتيجة الضغوط المتراكمة على ميزان المدفوعات، والتزامات الدين الخارجي المرتفعة، رغم وجود تحسن طفيف في صافي الاحتياطي الأجنبي، وتقلص صافي مركز التزامات القطاع المصرفي من العملة الأجنبية، باستثناء البنك المركزي، بنسبة 16.7 في المائة على أساس شهري إلى 13.7 مليار دولار في نوفمبر 2022 لأول مرة منذ يوليو 2022، بينما اتسع بنسبة 93 في المائة على أساس سنوي؛ وفق هبة منير.

كذلك أوضحت أن أذون الخزانة آجل الـ12 شهراً قدمت في الطرح الأخير عائداً قدره 18.57 في المائة، والذي يترجم إلى عائد حقيقي بنسبة 0.57 في المائة بالموجب وذلك باحتساب معدل ضرائب بنسبة 15 في المائة للمستثمرين الأميركيين والأوروبيين، وبناء على توقع للتضخم بنسبة 18.0 في المائة في يناير 2024، مما يعزز توقعات «بالحاجة إلى زيادة أسعار الفائدة حتى نهاية العام».

مصدرالشرق الأوسط - صبري ناجح
المادة السابقةتوقعات بتخطي الطلب العالمي على الهيدروجين 700 مليار دولار
المقالة القادمةالوقود الروسي يواصل التدفق على أوروبا