بدأ المستثمرون الأسبوع في محاولة يائسة للحصول على إجابات عن أسئلة حول المسار القريب للسياسة النقدية العالمية، بعد أن أدت الإشارات المتضاربة من الاقتصادات الرئيسية إلى قلب الأسواق رأساً على عقب.
ومن المقرر أن تجتمع البنوك المركزية الكبرى في طوكيو وواشنطن يوم الأربعاء، وفي لندن يوم الخميس، حيث يكافح المتداولون لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان بنك اليابان سيرفع أسعار الفائدة، ثم متى وبأي قدر سيخفّضها بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا.
الاحتياطي الفيدرالي
من المتوقع أن يهيئ بنك الاحتياطي الفيدرالي، هذا الأسبوع، الأرضية لخفض تكاليف الاقتراض، حيث اتخذ التضخم الأميركي منعطفاً إيجابياً، في حين استمرت سوق العمل في التباطؤ. وتستعد اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة للإبقاء على سعر الفائدة القياسي ثابتاً عند أعلى مستوى في 23 عاماً عند 5.25-5.5 في المائة، عندما ينتهي اجتماعها الذي يستمر يومين، يوم الأربعاء.
وفي حين يبدو قرار أسعار الفائدة في حد ذاته خالياً من الأحداث، فإن الاجتماع سيعمل بوصفه منصة مهمة لمزيد من التحضير لمحور السياسة النقدية، في وقت مبكر من سبتمبر (أيلول) المقبل.
ونقلت صحيفة «فاينانشال تايمز» عن بريان ساك، الرئيس السابق لمجموعة أسواق بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، والذي يشغل الآن منصب رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في صندوق التحوط «بالي آيني أسيت مانجمنت»، قوله: «إن بنك الاحتياطي الفيدرالي يقترب من خفض أسعار الفائدة، وينبغي أن تعكس اتصالاته، هذا الأسبوع، ذلك».
وما أعطى المسؤولين حرية أكبر لتبنّي فكرة خفض أسعار الفائدة بشكل أكثر مباشرة، هو الدليل الأكثر وضوحاً على أنه تجري أخيراً السيطرة على التضخم، فقد تباطأ نمو أسعار المستهلك بشكل ملموس، في الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى ترويض المخاوف التي اندلعت، في وقت سابق من هذا العام، بعد عثرة غير متوقعة. وبمجرد أن أصبحت سوق العمل من العوامل المثيرة للقلق التي تسهم في الضغوط التضخمية، دخلت أيضاً مرحلة جديدة، وتباطأ التوظيف عن وتيرته الساخنة، مما أدى إلى تباطؤ نمو الأجور.
وتزداد عمليات التسريح، مما يدفع معدل البطالة المتوسط لثلاثة أشهر إلى الارتفاع بنحو 0.43 نقطة مئوية، مقارنة بأدنى مستوى له في الأشهر الاثني عشر الماضية ــ وهو أقل قليلاً من الحد الذي يبلغ 0.5 في المائة، والذي يشكل محفزاً لقاعدة يطلَق عليها «ساهم»، والتي تمثل بداية الركود.
ومن المرجح أن يعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بهذه التطورات بشكل مباشر، يوم الأربعاء، في بيان سياسي منقّح. وخلال المؤتمر الصحافي، الذي عقده رئيس البنك، جيروم باول، في يونيو (حزيران) الماضي، كتبت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أنه لم يكن هناك سوى «تقدم متواضع» نحو هدفها المتمثل في رفع التضخم إلى 2 في المائة، وأنها «منتبهة تماماً لمخاطر التضخم». وعلاوة على ذلك، فقد قال البنك المركزي، منذ فترة طويلة، إنه لن يرى أنه من المناسب خفض أسعار الفائدة حتى «يكتسب ثقة أكبر» في أن التضخم يتحرك «بشكل مستدام» نحو هدفه.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بإحراز مزيد من التقدم. ويحوم مقياس التضخم، المفضل لدى البنك المركزي الآن، عند 2.6 في المائة، وهو أقل بكثير من ذروته في عام 2022.
وبين اجتماعات يوليو (تموز) وسبتمبر، سيتلقى «الاحتياطي الفيدرالي» مجموعتين من تقارير التضخم والوظائف، من بين تحديثات أخرى. وتشير التوقعات إلى أن المعلومات الواردة ستؤكد الحاجة إلى خفض أسعار الفائدة. ويزعم بعض خبراء الاقتصاد أن «الاحتياطي الفيدرالي» على وشك ارتكاب خطأ في تأخير خفض أسعار الفائدة حتى سبتمبر؛ نظراً للتباطؤ الجاري في الاقتصاد.
بنك إنجلترا
لقد ترك ارتفاع التضخم غير المتوقع في قطاع الخدمات بالمملكة المتحدة اجتماع بنك إنجلترا، يوم الخميس، على حافة السكين، حيث يزِن صنّاع السياسات ما إذا كانوا سيواصلون أول خفض لأسعار الفائدة منذ عام 2020.
ومع استقرار التضخم الرئيسي عند هدف 2 في المائة لمدة شهرين متتاليين، فإن لجنة السياسة النقدية لديها فرصة لتقديم خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 5 في المائة – وهو ما اقترحه محافظ بنك إنجلترا، أندرو بيلي، منذ مارس (آذار)، هذا العام. ومع ذلك كان صناع السياسات مترددين؛ لأن تضخم الخدمات – وهو مقياس رئيسي لضغوط الأسعار المحلية – تجاوز مراراً توقعات بنك إنجلترا.
وحذّر هيو بيل، كبير خبراء الاقتصاد في بنك إنجلترا، هذا الشهر، من أن المحركات الرئيسية للتضخم في المملكة المتحدة تُظهر «قوة غير مريحة»، وفق «فاينانشال تايمز».
وقالت سونالي بونهاني، الخبيرة الاقتصادية البريطانية في «بنك أوف أميركا ميريل لينش»: «لا تقدم البيانات إشارات واضحة على التغلب على استمرار التضخم». ومع ذلك أضافت أن بنك إنجلترا قد يكون على استعداد لـ«تحمل وشرح» نمو الأسعار الأقوى من المتوقع، والمُضيّ قدماً في الخفض، «خصوصاً في سياق ارتفاع التضخم بالمملكة المتحدة مرة أخرى، في وقت لاحق من العام، مما قد يجعل التواصل حول التخفيضات المستقبلية أكثر صعوبة».
كان بيلي يلوّح باحتمال خفض أسعار الفائدة، منذ أوائل هذا العام، وقد بدأ عضوان؛ نائب المحافظ ديف رامسدين، وعضو لجنة السياسة النقدية الخارجية سواتي دينغرا، التصويت بالفعل لصالح التخفيضات.
بنك اليابان
يقول مصادر ومحللون إن بنك اليابان يهيئ الأرضية لعصر من ارتفاعات أسعار الفائدة الثابتة، من خلال إعلانه النصر في معركته الطويلة مع الانكماش، في مراجعة كبرى للسياسة السابقة تشير إلى تحولات كبيرة في سلوك المستهلك، وفق «رويترز».
وستسلط النتائج الضوء على كيفية رسم البنك المركزي خطاً تحت التحفيز النقدي الجذري للمحافظ السابق، هاروهيكو كورودا، وخلق سرد جديد يبشر بالعودة إلى سياسة أكثر تقليدية تستهدف أسعار الفائدة قصيرة الأجل.
وقال بنك اليابان إن المراجعة؛ وهي المشروع الرائد للمحافظ كازو أويدا الذي ينظر في إيجابيات وسلبيات خطوات التيسير النقدي المتخَذة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، لن يكون لها أي تأثير على السياسة النقدية المستقبلية. لكن النتيجة، التي لم تُنشَر بالكامل بعد، ستقدم تحولاً نموذجياً لأفكار البنك المركزي حول التضخم.
وقال المسؤول السابق في بنك اليابان، نوبوياسو أتاجو، الذي يشغل حالياً منصب كبير خبراء الاقتصاد في معهد راكوتن للأبحاث الاقتصادية للأوراق المالية: «يستخدم بنك اليابان فكرة تغير المعايير الاجتماعية في اليابان لدعم توقعاته بأن التضخم سيصل بشكل دائم إلى 2 في المائة في السنوات المقبلة، وهو شرط أساسي لرفع أسعار الفائدة».
قال مصدران مطّلعان على تفكير بنك اليابان، إن المراجعة ستساعد البنك المركزي على إثبات أن الاقتصاد الياباني قادر على تحمل تأثير الزيادة المطردة في أسعار الفائدة الحالية القريبة من الصفر. وقال أحد المصدرين: «الرسالة الأساسية هي أن القاعدة الانكماشية في اليابان تغيرت، وهذا يعني، في الأساس، أن اليابان مستعدة لأسعار فائدة أعلى».
في ظل التحفيز الذي أطلقه كورودا في عام 2013، سعى بنك اليابان إلى صدم الجمهور وإخراجه من عقلية الانكماش، من خلال طباعة كميات ضخمة من النقود، وتحقيق هدف التضخم البالغ 2 في المائة في غضون عامين تقريباً.
لقد فشلت التجربة في تحقيق ذلك، في نهاية المطاف، بسبب عوامل خارجية؛ مثل قيود العرض الناجمة عن الوباء، والحرب في أوكرانيا، والتي دفعت تكاليف الاستيراد إلى الارتفاع، وأبقت التضخم فوق 2 في المائة لأكثر من عامين.
والآن، يشير البنك المركزي إلى التغييرات في طريقة تصرف الأُسر والشركات لشرح كيف، على حد تعبير نائب المحافظ شينيتشي أوشيدا، أن «هذه المرة مختلفة» في معركة اليابان المطوّلة مع الانكماش.