أسعار الزجاج تقفز 86%

مع إعلان وقف إطلاق النار، وعودة السكان إلى الضاحية والبقاع والجنوب، دارت عجلة العمل في ورش تركيب وصيانة الزجاج، وبدأ يزداد الطلب على ألواح الزجاج المخصّصة للاستخدامات الصغيرة في المنازل والمحال، فعمد التجّار إلى رفع الأسعار لاستغلال المسألة وتحقيق المزيد من الأرباح. فورة في الطلب أظهرت التجار في موقع جاهز لتحقيق المكاسب، مهما كانت الظروف، وبمختلف أنواعها.

في كلّ حي تعرّض للقصف، ولو لمرّة واحدة، تحوّلت واجهات الزجاج في الشقق والمحالّ المحيطة إلى حطام. اليوم، الزجاج هو السلعة الأهمّ لتصبح الكثير من الوحدات السكنية صالحة للسكن مجدداً. هذا النوع من الترميم الجزئي، أو لصيانة الشبابيك وواجهات المنازل، يحتاج إلى الاستعانة بـ«القزازين، ومعلّمي الألمنيوم». المفاوضة مع هؤلاء صعبة في الأيام العادية، فكيف هي الحال الآن؟ ففي عزّ الحاجة إليهم، تصبح المفاوضات «أصعب من مفاوضات وقف إطلاق النار» على حدّ تعبير أحد القاطنين في الضاحية الجنوبية. فما يحصل يتّسم بكثير من الاستغلال، إذ يتذرّع المعلمون بصعوبة وجود السلع والمواد الأساسية لتلبية طلب الزبائن، مع الإشارة إلى ارتفاع أسعارها، ثم يرفعون أجرة التركيب بدورهم. قمّة الاستغلال هذه تحصل كـ«المعتاد» عند زيادة في الطلب، فيترافق ارتفاع الثمن مع ندرة المواد والخدمات. يروي أحد تجار الزجاج ما حصل: «في وقت سابق لانتهاء العمليات الحربية، بدأ عدد من مستوردي الزجاج بطلب الشحنات من الخارج وتخزين الكميات المتوافرة في مخازنهم. ثم تواصلوا مع عدد كبير من أصحاب ورش الزجاج الصغيرة لتسجيل الطلبيات وحجز الكميات، استعداداً لفترة ما بعد وقف إطلاق النار. وبشكل تدريجي، أوحى المستوردون بأنّ الأسعار سترتفع على كل الأصناف مثل البلّور، والمشرّط، والمضغوط… وبفعل فاعل، أصبحت الأسعار على النحو الآتي: سعر المتر المربع من الزجاج العادي المعروف بـ«البلور» ارتفع إلى 10 دولارات بدلاً من 7.5 دولارات. لكن لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ ارتفع السعر بعد ذلك إلى 14 دولاراً إن وُجد».

الزيادة في السعر التي بلغت 86% ليست مؤشّراً على توافر السلعة بهذه السهولة. فقد عمد عدد من التجار في جبل لبنان والجنوب، إلى إخفاء السلعة أو التقطير في تسليم الكميات للورش. يأتي ذلك، في ظل «توافر الكميات، التي تكفي حاجة السوق الحالية، وزيادة» وفق أحد مستوردي الزجاج. ويشير إلى أن خط الاستيراد البحري المفتوح، إذ إن التوقعات بأن تصل شحنات من الزجاج إلى لبنان بين 12 كانون الأول الجاري و18 منه، علماً أن «المستوردين سبق أن سجّلوا طلبياتهم في الخارج اعتباراً من أيلول الماضي مع بداية الحرب وقبل انطلاق أيّ مفاوضات لوقف إطلاق النار».

لذا، يصف بعض أصحاب ورش تركيب الزجاج الشحّ في السوق، بـ«المخادع»، لافتين إلى أن «السلعة متوافرة وبكثرة». وبحسب صاحب ورشة لتركيب الزجاج، محمد عسّاف، فإن «معظم التجار يلبّون زبائنهم الكبار، تاركين الورش الصغيرة بلا مواد أولية»، وحجتهم الدائمة «عدم وجود بضائع كافية». وهذا ما يدفع أصحاب الورش إلى الشراء من مصادر وسيطة تبيعهم الكميات بأسعار مضاعفة أكثر من الارتفاع المسجّل لدى المستوردين. فعلى سبيل المثال، كان «سعر المتر المربع من الزجاج المشرّط قبل الحرب، يبلغ 16 دولاراً، وخلال الحرب ورغم عدم وجود طلب وصل إلى 24 دولاراً، واليوم ارتفع مجدداً ليلامس 35 دولاراً»، يقول عسّاف.

رغم ذلك، لم يكتف التجّار. فالمصادر، تشير إلى وجود توجّه لمزيد من رفع الأسعار ربطاً باستغلال الطلب الداخلي، إذ «لا دخل لأسعار الزجاج العالمية بالأمر». ولارتفاع الأسعار حلقة يمرّ فيها. فالتاجر يستورد «صندوقاً» من الزجاج أو ما يعادل 1000 متر مربع ويبيعه بالجملة بزيادة بلغت «1.5 دولار إضافية على كلّ متر»، ثم تتضاعف هذه الزيادة في سلسلة التوريد من المستورد إلى المشتري الأخير، ليتبيّن أن سعر صندوق «البلور» بالجملة ارتفع من 7500 دولار إلى 9 آلاف دولار، أي بزيادة 1500 دولار أو 20%، ثم يباع الصندوق لأصحاب الورش بسعر يصل إلى 14 دولاراً للمتر الواحد، وبعدها يتم إدخال كلفة القصّ والتركيب بما فيها من أسعار مواد مرافقة أو طرق مستخدمة في صناعة الشبابيك والأبواب مثل الأحزمة البلاستيكية أو إطارات الألمنيوم أو سواها. عملياً، تضاعف سعر المواد وكلفة التركيب. وهذا الأمر «سيستمر لنحو خمس سنوات مقبلة، أي إلى ما بعد نهاية ورشة إعادة الإعمار، وستطرأ على هذه الأسعار زيادات إضافية»، يقول العاملون في هذا المجال. وبالاستناد إلى تجربة حرب تموز عام 2006، تحتاج «ورشة الترميم الصغيرة» إلى نحو 6 أشهر حيث سيعاد تأهيل البيوت القابلة للسكن فقط.

18 ساعة عمل يومياً

«منذ يوم الأربعاء الماضي، أي بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، أعمل لـ 18 ساعة يومياً»، بحسب محمد عسّاف صاحب إحدى ورش تفصيل الزجاج في الضاحية الجنوبية. خلال ساعات النهار، يجول عسّاف على البيوت لأخذ مقاسات الزجاج. وفي فترة ما بعد الظهر، يبدأ بالعمل في ورشته مع عاملَين اثنين لإنهاء تفصيل ألواح الزجاج، وتركيبها في اليوم التالي. ووفقاً لتقديراته، يحتاج تركيب كامل الزجاج من أبواب وشبابيك لمنزل واحد إلى يوم عمل كامل، وهذه هي القدرة القصوى للورشة الصغيرة.

1.4 مليون دولار

هي قيمة ألواح الزجاج التي يستوردها لبنان والتي تمثّل 100% من حاجات الاستهلاك المحلي، وتستحوذ الصين على 56% من قيمة الكميات المستوردة، تليها مصر بـ 22%، والهند بـ 21%، علماً أنه في 2023 بلغت الكميات المستوردة من الصين 981 طناً أو 74 ألف لوح.

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقةالنظام المالي اللبناني: أرقام ما بعد نزيف الحرب
المقالة القادمةلكل أزمة تجّارها: «تعزيز» الدولة بكسْر بُنية الاحتكار