خلال ثلاثة أيام فقط ارتفع بدل إيجار إحدى الفيلات في بولونيا من ثلاثة آلاف دولار أميركي في الشهر الى أربعة آلاف دولار، وهذا الارتفاع يأتي نتيجة تخوّف فئة من اللبنانيين من إمكانية اندلاع الحرب الواسعة، ما يدفعهم الى محاولة الهروب باتجاه أماكن يفترضون أنها آمنة.
عندما نتحدث عن استثمار الأزمات من قبل بعض اللبنانيين لا يكون المقصود فئة أو منطقة محددة، فهذا الجشع يتواجد في كل البيئات، حتى تلك الجنوبية التي يُفترض انها تعيش الألم نفسه، ولكن لأنّ النفس أمّارة بالسوء، ارتفعت بدلات إيجار الشقق المفروشة الى نحو غير مسبوق، وكأنّ أصحابها يُريدون تعويض غياب السياح والمستأجرين طيلة سنوات، خلال أشهر قليلة، وحجم الاستغلال لم يتوقّف عند قيمة بدلات الإيجار بل بإلزام المستأجرين بعدد أشهر كبير، وهم يعلمون أنّ من يبحث هو من يُريد السكن فيها الى حين وضوح الصورة أو انتهاء الحرب بحال حصلت.
الى جانب ارتفاع بدلات الإيجار بشكل هستيري، كان لافتاً اعتماد أصحاب الشقق على فرض شروط جديدة غير مألوفة سابقاً، كأن يُلزم المستأجر بتوقيع تعهّد يُحدّد فيه عدد أفراد العائلة التي ستسكن المنزل، وتعهّد آخر بضرورة الامتناع عن إدخال عائلة جديدة الى المكان غير تلك التي استأجرته، وبالتالي هم يعلمون أنهم يؤجّرون أناسا يحاولون الهرب من اماكن تواجدهم بسبب احتمال الحرب، ولكنهم بالوقت نفسه يُريدون منعهم من استقبال أيّ أحد من أفراد عائلاتهم عند الحاجة، وهنا تُشير معلومات “النشرة” الى أنّ بلديات دخلت على خط تنظيم عقود الإيجار وشروطه بين أصحاب الشقق والمستأجرين.
في الساعات الماضية استأجر أحد اللبنانيين شقة في المنصوريّة، يقول مشيراً الى أنها مكوّنة من 4 غرف، بمبلغ 1600 دولار أميركي للشهر، وكان المطلوب دفع 4 أشهر سلفًا، وأيضاً كان هناك شرطاً جديداً هو دفع مبلغ 1500 دولار أميركي كتأمين على “فرش المنزل”.
كل هذه الشروط جعلت من إمكانيّة الاستئجار محصورة بفئة من المقتدرين، فمن هو قادر على دفع مبالغ فوريّة تصل الى ما بين 5 و10 آلاف دولار من اجل فقط تأمين المسكن، هذا ناهيك عن المصروف وتأمين المسلتزمات الأساسيّة.
وأيضاً هناك فئة من الناس استأجرت لمدة شهرين وثلاثة أشهر، وهي أصلا تعيش في منازل مستأجرة، وبالتالي عليها اليوم دفع تكاليف الإيجار في مكانين مختلفين، وهناك سؤال أساسي لديها حول توقيت الحرب، فماذا لو لم يحصل شيئاً خلال هذه الفترة؟.
قد يقول البعض أن تهافت فئة من الناس على الشقق المفروشة من الطبيعي أن يرفع السعر، وهذا امر يتعلق بالعرض والطلب وهذا أمر صحيح، خاصة أنّ الباحثين عن هذه الشقق يبحثون عن الأمن والأمان وهذه الصفات مكلفة وعم مستعدون لدفع الكثير لاجلها، ولكن لعبة العرض والطلب لا تتضمن فرض الشروط التعجيزيّة التي تزيد الأرباح على حساب آلام الناس وبحثهم عن الأمان لأطفالهم وعائلاتهم.
فعلاً بعد سنوات الأزمة الاقتصاديّة وما مرّ على اللبنانيين من جشع واحتكار واستثمار بآلامهم وحاجاتهم، وبعد ما نعيشه حالياً في زمن الحرب، أثبتت فئة واسعة من اللبنانيين أن جيبها أهم من الوطن والمواطن والضمير والأخلاق والتضامن.