التحكم بأسعار النفط، ودفعها إلى الارتفاع، حتى وإن بدا ممكنا لبعض الوقت، لن يكون ممكنا الوقت كله. العالم يدفع باهظا على حساب اقتصادياته بسبب أزمة الطاقة، وإن كان هذا يسمح لأكبر المنتجين في أوبك+ (روسيا والمملكة العربية السعودية) بالتحكم بالأسعار فإنه قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، وفق مقال نشرته خبيرة شؤون النفط إيرينا سلاف في موقع “أويل برايس”.
في محاولتها للسيطرة على اتجاه الأسعار، تنتج أوبك نفطا أقل بسبب التخفيضات السعودية الطوعية وتعليق شحنات خام فوركادوس بسبب تسرب محتمل في محطة التصدير النيجيرية. وتختلف الأرقام حسب المصدر، وفق استطلاع لرويترز ضخت المجموعة 27.34 مليون برميل يوميا، خلال شهر أغسطس الماضي، بانخفاض 840 ألف برميل يوميا عن يونيو. ولا توجد أي إشارات حاليا على أن المواقف ستتغير قريبا.
وأصبحت النتائج واضحة بالفعل، حيث ترتفع أسعار النفط، وبلغ خام برنت 85 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الحالي، بينما قارب خام غرب تكساس الوسيط 82 دولارا للبرميل. ولكن هذا يطرح السؤال الآن عن المدى الذي ستصله مجموعة أوبك قبل أن تقرر التراجع عن التخفيضات. ويحوم السؤال الآخر حول قدرتها على زيادة الإنتاج بالسرعة الكافية إذا لزم الأمر.
وقال محللون سابقا إن المملكة العربية السعودية تحتاج إلى أن يكون النفط عند 90 دولارا للبرميل لمواصلة خطط الإنفاق العام الطموحة التي تشكل برنامج التنويع في رؤية 2030. إلى هنا تبدو الأمور إيجابية، ولكن إن ارتفعت الأسعار أكثر من اللازم سيؤدي ذلك إلى تراجع على الطلب، وبالتالي سيخلق هذا تأثيرا عكسيا لن يرغب السعوديون ولا زملاؤهم الأعضاء في أوبك في حدوثه.
إلا أن اتجاه الأسعار صعودا في الوقت الحالي، قد يكون مجرد بداية انتعاش لأن نيجيريا وأنغولا لم تتمكنا من إنتاج نفس الكمية التي تنتجها دول أوبك، بينما خفضت السعودية إنتاجها عمدا. كما تعطل الإنتاج الليبي مرة أخرى، بينما يتباطأ نمو الإنتاج في رقعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
وإذا تحققت جميع توقعات الطلب التي ساهمت في دفع هذا الارتفاع الأخير، فإن هذا يعني أن النفط قد يصل إلى 100 دولار مرة أخرى قبل نهاية العام. ويصبح هذا الاحتمال منطقيا أكثر أمام التقارير التي تفيد بأن انخفاض مخزونات النفط الخام في بعض أجزاء العالم يتواصل.
لم يكن لمستويات مخزون النفط والوقود العالمية تأثير كبير على أسعار النفط العالمية في السابق. لكن هذا لم يعد هو الحال بسبب العقوبات الغربية على روسيا، حسب تصريحات محللي “جي.بي مورغان” هذا الأسبوع. ويكمن السبب في تداول المزيد من النفط والوقود بعملات غير الدولار. ومكّن التنويع في العملات من نمو مستوى العرض الفعلي للسلع المتداولة لكونه يؤثر على الأسعار. وعاد الطلب الآن إلى دائرة تركيز المتداولين.
وتقدر منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية نمو وتيرة الطلب السنوي لعام 2023 بأكثر من مليوني برميل يوميا. وتتوقع أوبك أن تبلغ 2.4 مليون برميل يوميا، بينما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب ليصل إلى 2.2 مليون برميل يوميا، رغم أنها حذرت من أن النمط سيتباطأ “بشكل كبير” على المدى المتوسط.
وتؤكد أحدث أرقام الواردات والمخزون الصيني التنبؤات التي تقول بتزايد الطلب القوي على النفط، حيث يرى الجميع في هذا البلد أكبر محرك منفرد للطلب على الطاقة على مستوى العالم. ويتواصل تدفق الواردات بمستويات شبه قياسية، ويرتفع النفط في المخازن بسرعة. ويمكن لهذا أن يمنح الصين نفوذا على الأسعار إذا ارتفعت بشكل كبير، حيث يرى المحللون أن بكين ستبدأ في بيع النفط الخام من المخزن بمجرد أن تصبح غير قابلة بالأسعار.
وسيكون هذا على منوال قرار الرئيس الأميركي جو بايدن العام الماضي بسحب براميل نفط إضافية من الاحتياطي الإستراتيجي وضخها في السوق الأميركية لخفض أسعار الطاقة. وسيتوقف كل هذا على المدة التي ترغب السعودية خلالها في الالتزام بالتخفيضات الطوعية. وتشير أحدث بيانات الناتج المحلي الإجمالي إلى تباطؤ اقتصادها في الربع الثاني مع انخفاض أسعار النفط. لكن من المحتمل أن يتغير الأمر بعد أن عادت الأسعار إلى الارتفاع، مما يمنح الرياض سببا منطقيا لمواصلة تحديد سقف إنتاج النفط.
في الأثناء، تواصل روسيا التنقيب عن النفط عند مستويات قياسية، وفقا لبيانات بلومبرغ. وزاد عدد آبار الإنتاج الجديدة التي حفرتها في النصف الأول من العام بنسبة 6.6 في المئة أعلى مما كان مخططا له، وأكثر بنسبة 8.6 في المئة من الكمية المحفورة خلال النصف الأول من 2022.
ويجتمع وزراء من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا، أي المجموعة المعروفة باسم أوبك+، في الرابع من أغسطس. ومن الممكن أن تدعو اللجنة التي تحمل اسم لجنة المراقبة الوزارية المشتركة إلى اجتماع كامل لأوبك+ إذا اقتضى الأمر.
وقالت المصادر إن اللجنة لن تجري على الأرجح أي تغييرات في السياسة الحالية خلال اجتماع الجمعة الذي يعقد عبر الإنترنت. وأشار أحدها إلى ارتفاع أسعار النفط كسبب لعدم اتخاذ خطوة جديدة. لكن لا يمكن استبعاد حدوث مفاجأة. وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان في يوليو إن أوبك+ “ستواصل الجهود في مفاجأة الأسواق”.
كل هذا يسمح بالوصل إلى نتيجة مفادها وجود إمدادات إضافية محتملة يمكن أن تكبح الأسعار بالطريقة التي ساعدت بها صادرات النفط الروسية القياسية إلى الصين على تهدئتها خلال السنة الحالية. لكن هذا السيناريو يظل معتمدا على ما سيقرره زعيما أوبك+، روسيا والمملكة العربية السعودية.