كانت قطر قد أعلنت قبل الأزمة الحالية عن وقف استيراد ” الحشائش” من لبنان لأسباب صحية وبيئية. اختلفت الأسباب والمنع واحد يشد الخناق على رقاب اللبنانيين ويقفل عليهم أبواب الرزق. قرار منع الاستيراد إذاً من قبل دولة قطر جاء للمحافظة على صحة مواطنيها والمقيمين فيها بعد أن تبين أن الحشائش اللبنانية التي يأكلها المواطن اللبناني على مائدته المتواضعة بشكل يومي او يكاد “يرعاها ” في الحقول بعدما لم يعد قادراً على شرائها مع وصول سعر ضمة البقدونس مثلاً الى 4000 ليرة، هي في الواقع مليئة بسموم مسرطنة.
المهندس الزراعي مروان غوش قال: ان عدة احتمالات يمكن ان تتسبب بظهور السموم و الباكتيريا في النباتات اولها استخدام المبيدات الزراعية “الجهازية” pesticide systemique التي تتسلل الى داخل النبتة أي الى عصارتها وقد بات معروفاً عالمياً أن هذا النوع من المبيدات مسرطن ولا سيما إن لم تحترم فترة “التحريم” التي تقضي ألا يتم قطف النباتات إلا بعد عشرة أو خمسة عشر يوماً من رشها بالمبيدات. وثمة أنواع أخرى من المبيدات تعرف باسم مبيدات “الملامسة” تبقى على سطح النباتات من الخارج وتكون فيها فترة السماح أقصر لا تتعدى خمسة ايام. وحين لا يتم احترام فترة الأمان لكل نوع من أنواع المبيدات ويتمّ الإسراع في قطف النباتات فقد تحمل بقايا من المبيدات على أوراقها أو في داخلها. وفي حين يمكن إزالة بقايا مبيدات “الملامسة” من النباتات عن طريق غسلها فإن ما يتسلل الى داخلها لا يزول بالغسل وحتى أنه يتفكك عند الطهي ويتحول الى مواد لا تعرف كثيراً حقيقتها.
أما السبب الثاني برأي الخبير الزراعي فيعود الى ري المزروعات في مناطق كثيرة من لبنان كما هو معروف بمياه الأنهر الملوثة بمياه المجارير الآسنة والتي تحتوي على أنواع من الباكتيريا مثل الإيكولاي وغيرها والأخطر ما تحتويه على معادن ثقيلة كالرصاص وملوثات كيميائية مسرطنة تفرزها المصانع التي تصب نفاياتها في الأنهر. وتزداد خطورة هذه المياه متى رشت على أوراق النباتات لا سيما تلك التي تؤكل نيئة مثل الحشائش على أنواعها. وتتراكم السموم الناتجة عن تناول هذه المزروعات داخل الخلايا الإنسانية وتحولها مع الوقت الى خلايا سرطانية.
يعتبر استخدام السماد الكيماوي لتغذية النباتات سبب إضافي لتلوثها وهو سماد غير عضوي مكوّن من الأملاح مثل نيترات الأمونيوم او البوتاسيوم يستعمل بشكل خاص للنباتات الخضراء لتنمو بسرعة فترتفع فيها نسبة النيترات المضرة جداً بالأجنّة الإنسانية كما تصبح نسبة الملوحة عالية في التربة هذا عدا عن استخدام المضادات الحيوية التي تعطى للنباتات لتنمو والأدوية المضادة للفطريات التي تسبب كلها ترسباً للمواد الضارة داخلها.
هذه الأسباب مجتمعة تعطينا فكرة واضحة عما يأكله اللبناني وما يصدّره. ولكن ألا تخضع الحشائش المصدرة لفحص مخبري قبل تصديرها؟ أحد المصدّرين الذي تحفظ عن ذكر اسمه قال لـ”نداء الوطن” أنه من غير الممكن فحص كل المواد المصدرة او حتى عينات منها لأن الحشائش عمرها قصير ولا بد من تصديرها جواً بعد قطفها بوقت قصير ولكن ما يتم القيام به عادة هو فحص عينات من الحقل المزروع فإذا كانت نظيفة يمكن حينها قطف المحصول وشحنه.
ابراهيم الترشيشي رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع يحاول التخفيف قدر الإمكان من تداعيات هذا القرار ويقول لـ “نداء الوطن” ان وزارة الزراعة قد باشرت اتصالاتها مع الجانب القطري وأن المعالجة انطلقت وسيتم تشكيل لجنة تشرف على التأكد من سلامة كل المنتجات الزراعية المصدرة وإجراء الفحوصات المخبرية للتأكد من خلوها من اي ترسبات غير صحية قبل شحنها الى قطر او أي بلد آخر. علماً أن كل المنتجات الزراعية تخضع للفحوص قبل تصديرها و لكن لا بد من التشدد في الرقابة وتفعيل دورها يؤكد الترشيشي.
كمية تصدير الأعشاب الى دولة قطر لا تتعدى الطن يومياً يؤكد الترشيشي ويتم شحنها طازجة جواً ويبلغ إجمالي التصدير السنوي ما بين 300 الى 400 طن من أصل 50000 طن من كمية الخضار والفاكهة التي تستوردها قطر سنوياً من لبنان. هذه الأرقام تفتح هلالين على مشكلة أدهى إذ لا يكفي اللبنانيين أنهم يستهلكون حشائش مشكوكاً بسلامتها بل يشترونها بأسعار جنونية انتفت معها مقولة” أرخص من الفجل”. نقيب تجار الخضار والفاكهة بالمفرق سهيل المعبّي يرفع الصوت عالياً ويقول ان التصدير المبالغ فيه هو الذي يرفع اسعار المنتجات الزراعية في لبنان الى درجة لم يعد المواطن اللبناني قادراً على شرائها.
أسعار الجملة ارتفعت كثيراً بسبب قلة العرض لأن معظم المنتجات الزراعية يصدر الى الخارج بحجة إدخال الفريش دولار الى لبنان ولكن هذه الدولارات تدخل الى جيوب المصدرين الذين يحصلون على مواد الرش والسماد والبذور والشتول مدعومة فيما يعاني المواطنون من ارتفاع الأسعار الجنوني للخضار والفاكهة. هذا الأمر يرفضه ابراهيم الترشيشي الذي يؤكد لـ”نداء الوطن” أنه من دون التصدير الى الخارج لا يمكن للمزارع أن يستمر، وحتى اليوم أكثر من 50% من المزارعين لم يعد بإمكانهم الاستمرار نتيجة الخسائر التي تكبدوها ولفقدانهم رأس المال الكبير للاستمرار خاصة وان عليهم الدفع نقداً لكل ما يشترونه.