يبرّر التجّار والمستوردون عدم خفض أسعار السلع بما يتوافق مع دولار منصة صيرفة، بعد حصلولهم على دولاراتهم من مصرف لبنان وفقها، بأن المركزي لا يعطيهم كامل المبالغ المطلوبة، ولا يمكنهم تسعير البضائع وفق الاستفادة الضئيلة من الدولار المنخفض. ولذلك تنخفض أسعار السلع بنسبة قليلة جداً. وللتأكّد من التوافق بين دولار المنصة وتراجع أسعار السلع، طلبت وزارة الاقتصاد لوائح بأسماء الشركات المستفيدة من المنصة، وحجم استفادتها، ليصار إلى مطابقة الأرقام بالواقع (راجع المدن).
لوائح منقوصة
كان يفترض بالمصرف المركزي إرسال اللوائح يوم الأربعاء 8 حزيران، إلاّ أن مصادر في وزارة الاقتصاد، تشير إلى أن التحويل جرى اليوم الجمعة 10 حزيران، “وستقوم الوزارة بارسالها إلى مديرية حماية المستهلك لمباشرة التدقيق بها، وإرسال المراقبين إلى مراكز الشركات ومراكز البيع للتأكد من مطابقة الدولارات التي تصرّح عنها الشركات بتلك الواردة في اللوائح، والتأكد من تسعير المواد وفق دولار المنصة وليس دولار السوق”.
وتقول المصادر في حديث لـ”المدن”، إن ما أرسله مصرف لبنان “لا يتضمّن الشركات المستفيدة كافة. وسيرسل باقي اللوائح تباعاً، فور ورودها إليه من المصارف”. مع الإشارة إلى أن الشركات تقدّم طلباً للمصارف، للحصول على دولار صيرفة”، وتدرس المصارف الطلب وترسله إلى المركزي الذي يوافق أو يرفض ويحدّد حجم الدولارات الممنوحة. وهذا ما يفسّر دور المصارف في إعداد لوائح المستفيدين.
رقابة بلا جدوى
لم يتسنَّ للوزارة الاطّلاع على كافة التفاصيل، “لكن المعطيات الأوليّة تشير إلى استفادة شركات كبيرة من دولار صيرفة. واللافت أنّ بعضها يسعّر كافة أنواع السلع بالدولار النقدي أو بسعر صرف السوق، وتحديداً شركات استيراد الهواتف الخليوية والأدوات الكهربائية. وهذا ما يتناقض مع تسعير المواد الغذائية، بغض النظر عن نسبة الالتزام بدولار صيرفة”.
تعوِّل المصادر على اتّضاح الصورة بشكل أفضل “بدءاً من منتصف الأسبوع المقبل”. ومع ذلك، “من المستحيل إلزام الشركات ببيع كافة بضائعها وفق دولار صيرفة. كما لا يمكن إلزامها ببيع جزء منها، وإلاّ يصبح على الوزارة وضع تصوّر معيَّن للبضائع التي يجب تحديد سعرها وفق دولار صيرفة”. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شركة كبرى مثل “نسله”، لديها منتجات كثيرة، سيصار إلى الاتفاق على خفض سعر القشطة وترك النيسكافيه على حاله.
هي عملية معقّدة ومستحيلة، لذلك لا تجد وزارة الاقتصاد سبيلاً إلاّ “ضرب بعض المخالفين وإحالتهم إلى النيابة العامة المالية”. على أن هذه العملية لن تخلو من العشوائية والاستنسابية في ظل غياب معايير ثابتة لتحديد الأصناف المشتراة بدولار المنصة. فمديرية حماية المستهلك ستقوم خلال جولاتها، برقابة تقديرية تراعي تسعير المنتجات بقيمة توافقية بين سعر منصة صيرفة وسعر السوق. أما المخالفات، فتُسَجَّل بحق مَن تفوق أسعارهم دولار السوق بمعدّلات كبيرة.
وقف منصة صيرفة
إن كان التجّار لا يحصلون سوى على نسبٍ ضئيلة من دولارات المنصة، والمستهلكون لا يستفيدون من انخفاض الأسعار. فما هو جدوى المنصة؟
بالتأكيد، لا جدوى منها طالما أنها لا تؤدّي غرضها، وهو خفض معدّل الطلب على الدولار في السوق، وتوجيه الطلبات نحو مصرف لبنان، عبر المصارف. وتالياً لا تتسبَّب بخفض أسعار السلع بالتوازي مع استفادة المستوردين.
على أنّ زاوية أخرى للمشهد، تبيِّن سبب الاستمرار بالمنصة. فالمصارف والمركزي والتجّار لا ينظرون إلى المنصة من زاوية إفادة المستهلكين. فلو أن الأمر كذلك، لذهبت الدولارات مباشرة إلى المستهلكين، وهو مطلب متواصل منذ نحو سنتين ونصف، أي توجيه الدعم للعائلات بشكل مباشر، عوض دعم السلع أو الاستيراد.
وتتحرّك دولارات صيرفة من مصرف لبنان وتدخل إلى المصارف ليستفيد منها التّجار، إما بتحويلها إلى الخارج أو بسحبها. وهذه الرحلة غير قابلة للكشف عنها بشفافية. حتّى أن لوائح المركزي لا يمكن التأكّد من صحّتها. وكل ما يمكن لوزارة الاقتصاد فعله، هو مطابقة ما صُرِّحَ به في اللوائح، مع الأسعار المعلنة على رفوف المراكز التجارية أو مع فواتير المؤسسات في مكاتبها.
ما لا يقلّ عن 40 مليون دولار يومياً، كان المركزي يفرج عنها للتجّار. ومع إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنشيط العمل بالمنصة بعد الانتخابات النيابية ووصول الدولار إلى نحو 38 ألف ليرة، ارتفع معدّل التداول إلى ما بين 85 مليون و124 ألف دولار يومياً، وتراجع سعر منصة صيرفة إلى 24400 ليرة. ما يعني أن معدّل ضخ المركزي للدولارات زاد بمعدّل مرّتين إلى ثلاث مرّات، فيما الأسعار في السوق بقيت على ارتفاعها.