ضاعف صندوق النقد الدولي ميزانيته للإقراض في حالات الطوارئ لتصل إلى 100 مليار دولار، لتلبية الطلب المتزايد من البلدان التي تحتاج إلى مساعدة مالية للتصدي لوباء «كوفيد – 19». وأعلنت المديرة العامة للمؤسسة، كريستالينا غورغييفا، عن التمويل الجديد أمس الخميس، بينما حذرت من أن الأسواق الناشئة والبلدان المنخفضة الدخل ستكون الأكثر تضرراً من الأزمة، مشيرة إلى أن أكثر من 170 دولة – من أصل 189 دولة عضواً في الصندوق – ستشهد انكماشاً في دخل الفرد لديها.
وأوضحت غورغييفا، في مؤتمر صحافي أمس، أن أكثر من 90 دولة طلبت المساعدة من صندوق النقد منذ انتشار الفيروس التاجي حول العالم في الأسابيع الأخيرة، مما دفع الاقتصاد العالمي إلى أعمق ركود له منذ الكساد الكبير. وقالت: «ما زلنا نواجه شكوكا استثنائية بشأن عمق هذه الأزمة ومدتها. ومع ذلك، من الواضح بالفعل أن النمو العالمي سوف يتحول إلى وضع سلبي بشكل حاد في عام 2020».
ورسمت مديرة صندوق النقد صورة أكثر قتامة للتأثير الاجتماعي والاقتصادي للفيروس التاجي الجديد مما كانت عليه قبل بضعة أسابيع، مشيرة إلى أن الحكومات قد اتخذت بالفعل تدابير تحفيز مالي بقيمة 8 تريليونات دولار، ولكن من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى المزيد. موضحة أن الصندوق لديه قدرة إقراض بقيمة تريليون دولار.
وأشارت إلى أنه على الرغم من أن الاضطراب الاقتصادي يؤثر على كل من الدول المتقدمة والناشئة، فإن الدول الأكثر فقراً ستكون الأشد معاناة، وسط هروب مبالغ كبيرة من رأس المال بما يتجاوز 100 مليار دولار على مدى الشهرين الماضيين، فضلا عن تراجع التحويلات وتراجع أسعار السلع الأساسية.
وكشفت غورغييفا أن الاستثمارات التي هربت من الأسواق الناشئة، خلال الأسابيع الماضية، تزيد بثلاث مرات على الاستثمارات التي هربت خلال الأزمة المالية العالمية 2008، وقالت: «نحن نقدر إجمالي احتياجات التمويل الخارجي للأسواق الناشئة والدول النامية بمليارات الدولارات، ولا يمكن لهذه الدول تغطية كل هذه الاحتياجات بمفردها، وسيتسبب ذلك في فجوات تمويلية تقدر بمئات المليارات من الدولارات. إنها بحاجة ماسة للمساعدة»، لافتة إلى أن الصندوق يبحث أيضا عن إجراءات أخرى لمساعدة الدول المنكوبة مالياً خلال الوباء.
وتابعت: «نحن نراجع مجموعة أدواتنا لكي نرى كيف يمكننا استخدام خطوط الائتمان الاحترازية بشكل أفضل، لتشجيع دعم السيولة الإضافي، وإنشاء خط سيولة قصير الأجل، والمساعدة في تلبية احتياجات تمويل البلدان من خلال خيارات أخرى، بما في ذلك استخدام حقوق السحب الخاصة. وقد لا نكون قادرين على الإقراض لأن ديون الدولة لا يمكن تحملها، ولكن سوف نبحث عن حلول يمكن أن تطلق العنان للتمويل الحيوي».
وقالت غورغييفا، دون أن تعرض أرقاماً محددة إن «النمو العالمي سيصبح بالضرورة سلبياً في 2020». وأضافت في كلمة ألقتها قبل اجتماعات صندوق النقد الدولي الربيعية التي ستعقد الأسبوع المقبل عبر الفيديو، «قبل ثلاثة أشهر ليس إلا، كنا نتوقع ارتفاعا في دخل الفرد في 160 من البلدان الأعضاء في خلال 2020، أما اليوم… فنحن نتوقع أن يواجه أكثر من 170 بلداً انكماشاً في دخل الفرد».
وفي حين يواصل «كوفيد – 19» الذي انطلق من الصين في أواخر عام 2019 انتشاره في جميع أنحاء العالم، قالت غورغييفا إن الدول تواجه «وضعاً استثنائياً من انعدام اليقين بشأن عمق هذه الأزمة ومدتها». ونتيجة لذلك، يتوقع الصندوق في أحسن الأحوال «تعافياً جزئياً» للاقتصاد في عام 2021 شريطة أن يتم احتواء الوباء في النصف الثاني من هذا العام، وأن يكون بالإمكان رفع تدابير العزل للسماح بإعادة فتح المتاجر والمطاعم وانتعاش السياحة والاستهلاك. وفي حال لم يحدث ذلك، قد يكون عام 2021 «أسوأ» من عام 2020 إذا استمر انتشار الوباء.
وأعلن مجلس إدارة الصندوق، في بيان أمس، أنه تم بالفعل إعطاء ضوء أخضر لتوفير تمويل طارئ لقيرغيزستان ورواندا ومدغشقر وتوغو، باعتبارها من أكثر الدول المتضررة. وتختلف التمويلات الطارئة عن برامج الإنقاذ التقليدية، حيث يمكن التفاوض على قروض الطوارئ بشكل أسرع وبشروط أقل.
ويهدف هذا التمويل إلى توفير قروض سريعة للدول للإنفاق على الرعاية الصحية والحفاظ على تدابير احتواء الفيروس، فضلاً عن تقليل الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وتجنب قيود التصدير على الإمدادات الرئيسية. وقد برزت هذه الممارسة بشدة خلال الأيام الماضية، حيث تحاول البلدان الاحتفاظ بأقنعة التنفس الخاصة بها، وأجهزة التهوية، والأثواب الواقية والأدوية لسد الاحتياجات المحلية.
ويتوقع صندوق النقد أن يشهد الاقتصاد العالمي «انتعاشاً جزئياً» العام المقبل، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مساعدات تمويلية كبيرة من الحكومات للشركات والأسر لتحقيق ذلك. وحذر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، الأسبوع الحالي، من أن التداعيات الاقتصادية لوباء «كورونا» يمكن أن تزيد من الفقر العالمي بما يصل إلى نصف مليار نسمة.