فاجأ الطلب على العمال حول العالم نتيجة شيخوخة الموظفين ونقص العمالة الماهرة واحتفاظ الشركات بالموظفين بصموده حتى مع بدء الاقتصادات في التباطؤ.
ولا يزال معدل البطالة في الاقتصادات المتقدمة بالقرب من مستوى قياسي منخفض، وفقا للبيانات الفصلية الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأثارت عواقب تلك المرونة في ما يتعلق بتكاليف الاقتراض عمليات بيع في الأسهم والسندات هذا الأسبوع. وفي حين أن الطلب على العمال ربما تضاءل منذ الارتفاع الأوّلي بعد الوباء، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير مما توقعه الخبراء حتى الآن.
ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، توقع مكتب الميزانية التابع للكونغرس الأميركي العام الماضي أن يبلغ معدل البطالة في البلاد 5.1 في المئة بحلول الوقت الحالي، ولكنه لا يزال عند 3.9 في المئة اليوم.
ومن المقرر أن تظهر البيانات المقرر نشرها غدا الجمعة أن الاقتصاد الأميركي أضاف أكثر من 200 ألف وظيفة في مارس الماضي، وهو ضعف المستوى الذي قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إنه “مستدام”.
ونتيجة لذلك، تستمر الأسواق في إعادة صياغة أسعارها لتخفيضات الفائدة، وتراجعت احتمالات التحرك في يونيو إلى 59 في المئة. ويمكن تأجيل التوقعات مرة أخرى بعدما انخفضت إلى ما دون 50 في المئة لفترة وجيزة هذا الأسبوع بعد البيانات القوية للمصانع الأميركية.
وشهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 أسوأ يوم له منذ شهر تقريبا الثلاثاء الماضي، ولامس العائد على السندات الأميركية لأجل 10 سنوات أعلى مستوى له منذ نوفمبر، حيث بدأ المستثمرون في التأقلم مع هذا التحول.
ويقدر خبراء غولدمان ساكس أن الأمر سيستغرق زيادة قدرها 0.2 إلى 0.3 نقطة مئوية في معدل البطالة في الولايات المتحدة لتبرير ثلاثة تخفيضات متتالية هذا العام.
وهذه قصة مماثلة في أماكن أخرى، حتى في الاقتصادات التي تتباطأ، ففي أوروبا، حيث تراجع التضخم في الأشهر الأخيرة، أشارت رئيسة البنك المركزي كريستين لاغارد إلى زيادة الأجور باعتبارها واحدة من ثلاثة عوامل رئيسية تحت المراقبة.
وقام المستثمرون بتأجيل التوقعات بشأن أول خفض للفائدة إلى يونيو المقبل، بينما أشارت رهاناتهم في نهاية 2023 إلى فرصة بنسبة 50 في المئة للتحرك في مارس واليقين بأن المركزي الأوروبي سيكون قد اتخذ إجراءات تيسيرية في اجتماعه هذا الشهر.
وتوقعت منظمة العمل الدولية في تقرير نشرته قبل أسابيع أن يسجل معدل البطالة في المنطقة العربية تراجعا طفيفا ليصبح 9.8 في المئة خلال عام 2024 بعدما كان عند 9.9 في المئة العام الماضي.
ولاحظت المنظمة أن الوظائف اللائقة للقوى العاملة المتنامية ما تزال نادرة وأنه في دول الخليج ثمة انقسام بين المواطنين والمهاجرين وبين القطاعين العام والخاص.
وأشاروا إلى أن باقي دول العربية تواجه قضايا قد تؤثر على معدلا البطالة في مقدمتها عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والحروب والأزمات وضعف القطاع الخاص والضغوط الديموغرافية.
وفي كندا، التي ارتفع عدد سكانها بأكبر قدر منذ أكثر من ستة عقود في 2023، لم يتزحزح معدل البطالة إلا بالكاد مع استيعاب الشركات للعمال الجدد.
وتوقع المؤتمر السنوي للمنتدى الآسيوي لعام 2024 في تقرير نشره أواخر الشهر الماضي أن يكون نمو التوظيف بطيئا نسبيا في شرق القارة وجنوبها هذا العام، لكن معدل البطالة سيكون أقل من المستويات العالمية.
وبينما وصلت البطالة في نيوزيلندا التي دخلت في ركود مزدوج، إلى 4 في المئة فقط، أدّى الارتفاع المفاجئ للتوظيف في أستراليا خلال فبراير الماضي إلى دفع معدل البطالة للانخفاض إلى 3.7 في المئة.
وأشارت البنوك المركزية باستمرار إلى أسواق العمل الضيقة باعتبارها قوة تضخمية وواحدة من أهم اعتباراتها عند تحديد أسعار الفائدة.
وقال جيروم باول الأسبوع الماضي في حدث نظمه بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في سان فرانسيسكو إن “ظروف العمل القوية تمنح المسؤولين المزيد من الوقت للتفكير في موعد التخفيض”.
ولكي تكون الصور أكثر واقعية، يظل التضخم هو المحرك بالنسبة إلى سياسات البنوك المركزية. وقال باول أيضا مؤخرا إن “التوظيف القوي في حد ذاته لن يكون سببًا لتجنب خفض أسعار الفائدة”.
ومن المؤكد أن الوظائف تميل إلى أن تكون مؤشرا متأخرا، حيث تستغرق السياسة النقدية حوالي 18 شهرا لتتسرب إلى الاقتصاد، وبالتالي فإن الفائدة المرتفعة قد يكون لها أثرها.
وسجلت المملكة المتحدة خلال يناير الماضي أول زيادة في البطالة منذ يوليو 2023، لكن المعدل ظل أقل من 4 في المئة.
ومع اعتدال ضغوط أسعار المستهلك وعودتها نحو مناطق الراحة لدى البنوك المركزية، فإن التوقعات التي تشير إلى الحاجة إلى بطالة جماعية لخفض التضخم تبدو الآن في غير محلها.
وعادة تقوم الشركات خلال فترة طويلة من الفائدة المرتفعة بتقليص التوسعات، ويبدو ليس كذلك هذه المرة، لكن يمكن أن تظل طبيعة الوظائف أكثر تشددا لفترة أطول حيث تظل معنويات الأعمال والاستثمار المخطط لها قوية.
وقال روبرت سوكين، كبير الاقتصاديين العالميين في سيتي غروب، لوكالة بلومبرغ “من المرجح أن العديد من الشركات منخرطة في اكتناز العمالة”. وأضاف “تعرف الشركات مدى صعوبة العثور على العمال وتدريبهم، وقد لا ترغب في الخضوع لنفس العملية في عدة أرباع عندما يكون الطلب أقوى”.
وتوسع مؤشّر التصنيع العالمي جي.بي مورغان/أس آند بي مرة أخرى في مارس الماضي بأعلى قراءة منذ يوليو 2022 حيث شهدت الشركات حول العالم ارتفاعا في الطلبيات والإنتاج على نطاق واسع.
وارتفع مؤشر الرئيس التنفيذي لجمعية بيزنسز راوندتيبل التي تضم الرؤساء التنفيذيين للشركات الأميركية الرائدة إلى أعلى مستوى منذ عام 2022 في الربع الأول بسبب ارتفاع الإنفاق الرأسمالي والتوظيف وتوقعات المبيعات.
وقالت فريا بيميش، كبيرة الاقتصاديين في شركة تي إس لومبارد، “يبدو أن الفائدة المرتفعة قد دمّرت الطلب على الوظائف التي لم تكن موجودة من قبل، أي الوظائف الشاغرة”.