لم تعرف عاصمة مصائب ومصاعب بقدر ما عرفت «ست الدنيا بيروت».. وفي كل مرة، كانت تقوم من تحت الردم أكثر إشراقا وإصرارا على الحياة.
آخر فصول أزماتها وأقساها، كان انفجار مرفأ بيروت الذي ترك وسطها التجاري أو «الداون تاون» (تسميته الرائجة) منذ ذلك اليوم المشؤوم في 4 أغسطس 2020، بلا روح وحياة.
قبل ذلك، كان ما عرف بـ «ثورة 17 تشرين» (أكتوبر) قد اتخذ من وسط بيروت ساحة لتحركاته، فقضى على الحركة التجارية في قلب العاصمة. ثم أتت أزمة كورونا فأكملت على الشلل ليبلغ المصاب ذروته في انفجار المرفأ، وتنتهي بيروت أشبه بمدينة أشباح.
وعلى رغم ما يدور في لبنان وجنوبه منذ بدء حرب غزة، ثمة أنوار بدأت تلوح في قلب بيروت وتنبئ بحركة وبركة يحتاجهما البلد مع عودة تدريجية للأسواق التجارية إلى وسط العاصمة اللبنانية.
مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة د.محمد أبو حيدر قال في حديث إلى «الأنباء» إن «90% من محال وسط بيروت التجاري قد تم تأجيرها وبعض الجهات الحاملة تراخيص امتياز تجاري (الفرانشايز) ستكون حاضرة. وأحد الفروع التابعة للفرانشايز سيكون من أكبرها في الشرق الأوسط».
وأضاف أبو حيدر «ثمة 144 محلا، سيكون جزء كبير منها جاهزا قبل عيد الميلاد وجزء آخر ربما مع بداية السنة الجديدة، وستكون هناك علامات تجارية عالمية كانت موجودة قبلا وأخرى جديدة، وهي عائدة إلى ألبسة وأحذية ومطاعم وأشياء أخرى في مختلف القطاعات، ما يعني أن التنوع سيكون سمة هذه الأسواق التي تطمح إلى أن تكون لمختلف الطبقات الاجتماعية، من المتوسطة وما فوق».
وقال إن «ثلاث علامات تجارية كانت تركت لبنان ستعود اليه، وهذه الحركة على المستوى التجاري تعكس ثقافة تعلق اللبناني بأرضه، وستثمر حركة بيع وشراء وتؤدي إلى خلق فرص عمل وتحريك العجلة الاقتصادية، مع التأكيد أن بيروت كانت ولاتزال مركز الاقتصاد الحر، وكل ما ينقص الاقتصاد اللبناني هو الاستقرار السياسي والأمني لتحريك عجلته واستقطاب المغتربين والسياح».
وأكد أبو حيدر أن «القطاع الخاص الشرعي هو العصب الأساسي للاقتصاد اللبناني، وهو لا يزال يدفع الضرائب ومؤمنا بالبلد ويستقطب المغتربين والسياح، وواجبنا أن نقف إلى جانبه ونوفر له كل التسهيلات اللازمة، لأننا لا نريده أن يقفل ويغادر لبنان».
الأمين العام للهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس تحدث من جهته إلى «الأنباء» عن «ظلم لحق بالوسط التجاري منذ نحو عشر سنوات بسبب تردي الأوضاع بشكل تدريجي»، وقال «المنعطف الكبير كان مع بداية الأزمة المالية نهاية 2019، ثم تفاقم مع كورونا بغياب أي مساعدات من الدولة خلافا للدول الأخرى، وكانت الكارثة الكبرى بانفجار مرفأ بيروت. وللتذكير لم يتم تسديد المبالغ المطلوبة لإعادة الإعمار لا من الدولة ولا من شركات التأمين بالحد الأدنى، لأنها كانت بانتظار قرار قضائي يحدد مسببات الانفجار وما إذا كان قضاء وقدرا أم عملا إرهابيا. كما أن الأموال العالقة في المصارف أخرت تمويل إعادة الإعمار».
وأكد شماس أنه «منذ ذلك الحين ووسط بيروت مدينة أشباح، وبلغت نسبة الإشغال في شارعي فوش واللنبي، وهما الشارعان الرئيسيان في الوسط التجاري، بين 10و15%».
وقال إن «روح الإقدام والمغامرة لدى التاجر اللبناني جعلت الحركة تعود تدريجيا إلى الوسط التجاري، ففتح نحو 50 محلا وكان القطاع التجاري على موعد مع فتح أكثر من 100 محل نهاية 2023 لولا حرب غزة وانعكاسها على لبنان».
وأشار شماس إلى أن جزءا من أسواق بيروت سيفتتح قبل عيد الميلاد، والعلامات التجارية الكبرى التي كانت انسحبت من وسط بيروت ولبنان عائدة بجزء منها، فيما يحتمل كثيرا أن تعود وتفتتح في الوسط فروع لسلاسل تجارية كانت أقفلت في بيروت.
وعما إذا كانت أسواق بيروت ستحاكي الطبقة الميسورة بشكل خاص، شدد شماس على أنها «ستكون بمتناول موازنات كل العائلات اللبنانية من دون تمييز. وستكون هناك مروحة من الأسعار لضمان النجاح والاستمرارية، مع تعويل على لبنانيي الانتشار والأشقاء العرب من الخليج والمحيط العربي، بحيث تؤدي الانطلاقة التجارية لوسط بيروت إلى رفد الدورة التجارية في لبنان بدم جديد».
الأكيد أن وسط بيروت التجاري هو قلب العاصمة، فإن عاد يخفق من جديد، عادت الروح إلى كل لبنان الذي ينتظر الاستقرار ليعود اليه والى أسواقه زواره من الأشقاء العرب.