دخلت أسواق طرابلس في غيبوبة تامّة منذ مدّة طويلة، ولم تشفع جمعة العيد، وهي آخر جُمعة تسبق عيد الأضحى، في تغيير الواقع والوضع الصعب للمدينة وأسواقها. لا زبائن ولا حركة ولا بيع ولا خِلافه.. ومن يدخل المحلّ، يسأل عن الأسعار ثم ما يلبث أن يخرج.
فعلى مسافة أيام قليلة من عيد الأضحى، بدت أسواق طرابلس أشبه بالمدن الخاوية. أعداد قليلة جداً من الزبائن تُعدّ على أصابع اليد، في طول الشارع وعرضه. يرى التجّار وأصحاب المحلّات أنّ المرحلة الحالية لا تشبه أي مرحلة سابقة مرّت بها أسواق المدينة، خصوصاً أسواق الألبسة في فترة آخر جمعة عيد.
مررنا امس بسوق شارع عزمي وقاديشا ونديم الجسر والأسواق الداخلية كالسوق العريض وغيرها. عادة، وقبل العيد ببضعة أيام، تفتح الأسواق محلاتها في محاولة لاقتناص فرصة البيع على أبواب الأعياد. لكنّ محلات تفتح أبوابها وأخرى مقفلة، ليس لأنه يوم أحد وعطلة، بل لأنّ هذه المحلات قد أقفلت نهائياً من قبل، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار الليرة، ما انعكس سلباً على قدرة التجّار على شراء البضائع، وتراجع قدرة المواطن الشرائية.
دخلت الأم فاطمة وابنتاها الى محلّ لشراء ثياب العيد، فالأسعار غير مكتوبة على الملابس كما في السابق، ولدى سؤالها عن ثمنها تكمن المفاجأة في كل سعر تسمعه، وتكون ردّة فعلها “اوفف”. يقول الحاج عامر، وهو صاحب محل ألبسة في المطران: “نحن نخجل عندما نقول للزبون عن الأسعار الحالية. نعم هي مرتفعة كثيراً قِياساً مع السابق. ولكن الآن كلّ شيء تغيّر، أصبحت البضائع أغلى بكثير علينا، وحتى الإيجارات زادت وكل شيء زاد. الغلاء في كل مكان وفي كل شيء. أكثرية الزبائن عندما يعرفون بالأسعار الحالية يخرجون ولا يشترون.. هذه الأوضاع تقلقنا كثيراً لكن ماذا عسانا نفعل؟ نحن نشتري بالغالي والبيع أصبح أقلّ بكثير، وإن شاء الله لا نضطرّ بعد جُمعة العيد إلى الإقفال النهائي”.
وتفتقد جمعة العيد إلى الجَمعة والزحمة التي كانت تتميّز بها أسواق طرابلس ومحلاتها وشوارعها. في مثل هذه الأيام من السنوات الماضية، كنت لا تستطيع أن تتحرّك ضمن الأسواق الطرابلسية بسبب زحمة الزبائن من المدينة ومن مختلف المناطق الشمالية لشراء الملبوسات والأحذية وحلويات العيد. لكنّ عائلات كثيرة فضّلت عدم الشراء، والإستعانة بثياب العيد الماضي، أو بألبسة لديها، لعدم توفر الامكانات المادية، حتى ملبوسات الأطفال أسعارها زادت أضعافاً هي الأخرى. ويؤكّد العارفون بأحوال طرابلس وأسواقها أن “ما تشهده المدينة هذه الأيام من ركود اقتصادي وفقر مُستشر، لم تعرفه حتى في أصعب الظروف”. يحصل كل ذلك وسط مؤشرات تشي بأن الحكومة قد تُقدم الأسبوع المقبل على إقفال قطاعات عدة بسبب ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس “كورونا”. يتقاطع ذلك مع معلومات عن اتّجاه ربّما، لإقفال الأسواق ومنع الإكتظاظ فيها وفي الأماكن العامة. ومن شأن ذلك إذا ما حصل هذه المرة، أن يقضي على النَفَس الذي لا يزال موجوداً في جسد هذه الأسواق لتلفظ بعدها أنفاسها الأخيرة وتتحول جميعها محلّات مقفلة على طول الصف، وكأنّها شيء لم يكن.. فإقتصاد طرابلس المُنهار أصابته الأزمات دفعة واحدة، ومن بقي من التجّار يُكافح وسط الغلاء، يُدرك أنّها مسألة وقت ليس إلّا قبل أن يُعلن استسلامه ويرفع الراية البيضاء.