مع انصراف شركة “توتال” نحو التلاعب بالدولة اللبنانية، واتخاذها أسيرة بلوكات النفط والغاز في عرض البحر، فضلاً عن وضع يدها على قسم منها وتحويل “وضع اليد” إلى ما يشبه أداة ضغط وابتزاز، إلى جانب عملية التسويف والمماطلة، بات من الضروري وضع مستقبل الشركة الفرنسية في لبنان قيد البحث.
بت مصير البلوك 9
من المفترض أن ينعقد بتاريخ السابع من آذار المقبل، اجتماع عبر تقنية الفيديو بين ممثلين عن وزارة الطاقة وآخرين عن شركة “توتال” الأم. وعلم “ليبانون ديبايت” أن مدعاة عقد الإجتماع “إفتراضياً” يعود لرفض “توتال” حضور وفدها إلى بيروت متذرّعةً بـ”الوضع الأمني في لبنان والمنطقة”. جدول أعمال الإجتماع يتضمن، بحسب معلومات خاصة، بنداً واحداً وهو تسليم “توتال” نسخة عن التقرير النهائي لعمليات الحفر في موقع “قانا”، الواقع ضمن البلوك 9 إلى وزارة الطاقة، علماً أن التسليم تأخر أسابيع نتيجة المماطلة، وكان من المتوقع أن يحصل أواخر شباط الجاري، علماً أن بيروت في جو أن التقرير أنجز منذ زمن!
من جانبٍ آخر، تسعى وزارة الطاقة إلى الحصول على تقرير الحفر في موقع “قانا” لإجراء دراسات حوله، لا سيّما وأن “هيئة إدارة قطاع البترول“، تمتلك معطيات جادة تشير إلى اختراق الحفر في موقع “قانا” طبقات هيدروكربونية واعدة، إضافة إلى اكتشاف عناصر في الصخور والرمال مشابهة تقريباً للطبقات التي عُثر فيها على غاز في الحقول المجاورة داخل فلسطين المحتلة.
غير أن الإجتماع، وربطاً بالتطورات الحاصلة تحديداً في ما له صلة بالرقعتين 8 و 10، وتخلّف “توتال” عن التزاماتها لناحية توقيع عقد الإستكشاف الأولي، اللذين حصلت عليهما من خلال دورة التراخيص الثانية، وما نتج عنه من أجواء سلبية، قد يفرض نفسه بنداً على الإجتماع، في ظل اتجاه لدى الفريق اللبناني لاستطلاع مدى استعداد الشركة للإيفاء بالتزاماتها وما ترمي إليه في البلوك 9، وهو نقاش تتجنّبه “توتال” كونه يهدف إلى بتّ مصيرها باكراً.
ولا بد من الإشارة إلى أن الشركة الفرنسية، تُحصِّن نفسها بقرارٍ صادر عن مجلس الوزراء عام 2022 يتيح لها الإستمرار في أنشطتها ضمن البلوك 9 لغاية أيار 2025، تستغلّه في مجال شراء الوقت والمماطلة، متجنّبة الكشف عن خططها المستقبلية، ومدى إمكانية إبرام اتفاق مع الحكومة لحفر بئر ثانٍ (وهو أمر بديهي). وهي تتذرّع بأن قراراً في هذا الشأن يجب أن تبحثه مع شركائها في الكونسورتيوم (“إيني” وقطر للطاقة).
هل تنسحب “توتال”؟
هذا التهرّب خلق التباساً ربطاً بكون سلوك “توتال” لا يوحي بجدية أو رغبة في التعاون، وسط شكوك بأنها تنوي الإنسحاب من البلوك 9 كما فعلت في البلوك 4. لكنها تتجنّب اتخاذ أي خطوة جدية حالياً إفساحاً في المجال أمام أكبر قدر من المماطلة، وللإستفادة من وجود فريق سياسي لبناني يستميت في الدفاع عنها، وتطمح لأن تؤدي الضغوطات التي يمارسها إلى إدخال تعديلات على موقف الدولة.
في وزارة الطاقة، يسود حديث عن محاولة جارية لفتح النقاش بالنسبة إلى شكل المفاوضات مع “توتال” لرصد مدى إحتمال انسحابها أو استمرارها. وتعتقد بعض الأوساط، أن انسحاب “توتال” يتيح عرض البلوك 9 إلى جانب البلوكين 8 و 10 (وبلوكات أخرى) في دورة التراخيص الثالثة التي فتحت في 27 كانون الأول من العام الماضي، ومستمرة لغاية 31 تموز المقبل.
“أجندة” مختلفة
ثمة قناعة تولّدت لدى وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول على السواء، مفادها أن “توتال” لديها أجندة مختلفة عن الأجندة اللبنانية. فهي تريد الإستحواذ على البلوكات اللبنانية وإبقائها في عهدتها لأطول فترة ممكنة، كونها تعتبر أن أوان الإستكشافات اللبنانية لم يحن بعد. وفي تقديرها أن التنقيب عن الثروة اللبنانية لا مجال لحصوله قبل عام 2030. وهذا يرتبط في جانب منه بإتاحة الفرصة أمام “إسرائيل” لجعلها في موقع متقدم بالمنطقة. لذلك، نجد مثلاً أن الإستراتيجيات الحالية للشركة الفرنسية بالنسبة إلى البلوك 8، وضعت على أساس أن الأعمال الحقيقية تبدأ فيه عام 2028، وتُترك الأعوام السابقة إبتداءاً من 2024، ولغاية 2028، كفترة إعداد يتم خلالها إنجاز التحضيرات لإجراء المسوحات الزلزالية ثلاثية الأبعاد الضرورية لتحديد المكامن الجيولوجية، وهو ما رفضته الدولة اللبنانية.
شركات آسيوية وأميركية جنوبية مهتمة
بالعودة إلى الأساس، ينوي الفريق اللبناني إجراء استطلاع على “أجندة” توتال خلال الإجتماع المقبل أو التواصل الذي سيسبقه أو يلحقه، للبناء على الاستراتيجية اللبنانية، وسط قناعة بدأ يميل إليها أكثر من معنيّ في الملف، مفادها ضرورة إنهاء التعاون مع شركة “توتال” والبحث عن شركات أخرى، تبدي جدية أكبر، شرط عدم حصر البحث في أوروبا، إنما يتعداه شرقاً نحو آسيا وجنوباً باتجاه أميركيا اللاتينية.
ولا مجال لإخفاء أن بعض المستويات اللبنانية بدأت بالفعل البحث عن شركات، والتواصل مع أخرى، سواء من خلال لقاءات مباشرة على هامش المؤتمرات الدولية أو من خلال التواصل غير المباشر عبر المراسلات. وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، تمّ أيخراً التواصل مع شركتين في آسيا تبديان اهتماماً ملحوظاً في سلسلة البلوكات اللبنانية.
لكن اتخاذ القرار النهائي بفضّ الشراكة مع “توتال”، يحتاج، كأي أمر آخر، إلى إجماع، لا سيّما بعدما تبيّن أن قسماً من المسؤولين الرفيعين في الدولة يعملون في خدمة الشركة الفرنسية”، أو أنهم يخشون عليها أو منها ولا يريدون خروجها من لبنان، ويقومون بمسايرتها وتغطيتها من خلال القرارات الحكومية، وتوفير دعم لها في حال أرادت تمديد وجودها في لبنان ولو جاء ذلك على حساب مستقبل التنقيب. وهؤلاء يبدون استعداداً لتقديم تسهيلات لمصلحتها، للإستحواذ على البلوكات اللبنانية المتبقية ولو بأسعارٍ ونسب متدنية، تماماً كما فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش مؤتمر “أمن الطاقة” الذي انعقدَ في إمارة دبي منذ فترة، حيث وضع نفسه في تصرف “توتال” في البلوكات 8,9,10 ولو إحتاج الأمر إلى تدخل شخصي منه.