في العام الثالث من الأزمة، تحوّل استهلاك اللحوم الحمراء في لبنان من حاجة غذائية غنية بالبروتينات إلى سلعة رفاهية باتت تعطي مثالاً صارخاً عن انعدام “الأمن الغذائي” الذي يعني “توافر الغذاء وقدرة الفرد على تأمينه”. فمن جهة ارتفع سعر كيلو لحم العجل إلى 360 ألف ليرة، أو ما يعني 15 في المئة من متوسط ما يتقاضاه ثلثا الشعب اللبناني، والمقدر بـ 2.5 مليون ليرة. ومن جهة أخرى تراجع استيراد اللحوم الحية والمبردة بأكثر من 70 في المئة، وأحجمت غالبية المؤسسات عن بيع اللحوم نتيجة عجزها عن توفير الكهرباء لعملية التبريد.
لبنان الذي احتل الصدارة في الأعوام السابقة بين الدول العربية لجهة معدل استهلاك الفرد الواحد اللحوم، أصبح في أسفل الدرك. حيث من المتوقع أن يكون الاستهلاك الفردي قد تراجع من حدود 60 كلغ سنوياً، إلى 18 كلغ. وهذا ما يدل عليه بوضوح “تراجع استيراد اللحوم المبردة والمجلّدة من نحو 22 ألف طن في العام 2018 إلى 2500 طن حالياً، وانخفاض استيراد اللحوم الحية للفترة نفسها من حدود 150 ألف طن سنوياً إلى 35 ألف طن حالياً”، بحسب رئيس نقابة تجّار اللحوم في لبنان جوزيف الهبر.
التراجع الكبير في الاستيراد يقابل بإقفال الملاحم، وإرجاع المؤسسات التجارية البرادات للشركات الموزعة للحوم، بحيث أصبحت كلفة تشغيل المولدات الخاصة للمحافظة على جودة البضائع تفوق بأضعاف مضاعفة نسبة الربح المحقق. وعلى هذا المنوال فضلت مؤسسات كثيرة، وتحديداً الصغيرة والمتوسطة منها، التوقف عن بيع السلع والمواد التي بحاجة إلى تبريد، واللحوم من ضمنها.
هذا الواقع يترافق مع عجز المواطنين عن الشراء بكميات كافية للتخزين تحسّباً لازدياد الأسعار خارجياً، وارتفاع سعر الصرف أكثر محلياً. ففي ظل انعدام الكهرباء وانخفاض ساعات التغذية من مولدات الاشتراك إلى 5 ساعات يومياً في الكثير من المناطق، تنعدم القدرة على الاحتفاظ بالمأكولات المبردة والمجلدة.
قطاع آخر عضوي وأساسي بدأ يترنح تحت ضغط سعر الصرف وانهيار القيمة الشرائية للمواطنين وفقدان الكهرباء. وهو إن كان انعكس سلباً على مئات الشركات والمؤسسات التي يعتاش منها آلاف اللبنانيين، فإن انخفاض استهلاك اللحوم عند الأفراد يهدّد بضعف جسدي وأمراض سيدفعون ثمنها من صحتهم في القادم من الأيام.