يجمع محللون على أن أوبك+ قد تضطر إلى تعديل سياسة الإنتاج الخاصة بها بشكل أكبر مما كانت تنوي القيام به خلال الفترة المقبلة، في ظل المزيد من عدم اليقين بشأن العرض والطلب العالميين على النفط مع خمول ثاني أكبر اقتصاد في العالم وعودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة.
كافحت مجموعة أوبك+ لإدارة إمدادات النفط والأسعار هذا العام في ظل التحديات الكثيرة التي يمر بها الاقتصاد العالمي ولعل أبرزها استمرار التضخم والحروب في شرق أوروبا والشرق الأوسط والمعارك التجارية.
وكان هناك إنتاج زائد من قبل أعضاء في التحالف، وهو ما قوض التخفيضات من قبل المنتجين الآخرين في الاتفاق. ثم جاء الصيف وأول بيانات استهلاك فعلية للربعين الأول والثاني، والتي أظهرت أن نمو الطلب على النفط في الصين لا يقترب بأي حال من توقعات أوبك.
وفي نهاية هذا العام، تماما كما أعلن الكارتل وحلفاؤه أنهم سيؤجلون بدء تخفيف تخفيضات الإنتاج إلى يناير 2025، أصبحت لديهم الآن الورقة الأكثر جرأة في السوق على الإطلاق، وهي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وتعتقد المحللة الاقتصادية تسفيتانا باراسكوفا في تقرير على منصة “أويل برايس” الأميركية أن الطلب الضعيف في الصين دفع أوبك+ بالفعل إلى الخروج عن مسارها في سياسات إدارة العرض، والذي يستمر في تحدي توقعات أوبك باستهلاك مخيب للآمال.
وقالت “الآن يتعين على المجموعة أن تتعامل مع بعض السياسات التي وعد الرئيس المنتخب ترامب بتقديمها، بما في ذلك تيسير التصاريح لمشاريع الوقود الأحفوري، والتعريفات الجمركية على الواردات، وموقف أكثر صرامة تجاه إيران.”
وقوضت الصين بالفعل سياسة تحالف أوبك+، التي تعمل على خفض الإنتاج، لكن الطلب كان أضعف من المتوقع وسط تباطؤ نمو اقتصادها، وأزمة العقارات التي قوضت استهلاك الديزل، والزيادة في مبيعات المركبات الكهربائية وتسجيل الشاحنات العاملة بالوقود.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها عن توقعات الطاقة العالمية لعام 2024 الصادر الشهر الماضي أن “أوبك كانت مخطئة بسبب الزيادة في التنقل الكهربائي في الصين.”
وفي أكتوبر الماضي خفضت أوبك توقعاتها للطلب العالمي لعام 2024 في تقريرها الشهري الثالث على التوالي، مستشهدة ببيانات الاستهلاك الفعلي حتى الآن هذا العام وتوقعات بانخفاض الطلب قليلا في بعض المناطق، بما في ذلك الصين.
وفي كل تقرير منذ أغسطس الماضي أشارت المنظمة إلى أن تقديراتها لنمو الطلب الصيني كانت متفائلة للغاية عندما نشرت أول توقعات لهذا العام في يوليو 2023. ورغم النظرة المتفائلة طويلة الأجل، فقد تم تعديل توقعات أوبك قصيرة الأجل للطلب على الصين إلى الأسفل مرة أخرى.
ووفقا للمدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، فإن استهلاك النفط الأضعف من المتوقع في الصين وارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية سيستمران في التأثير على نمو الطلب العالمي في المستقبل.
وقال في مقابلة مع بلومبيرغ الشهر الماضي “هذا العام الطلب ضعيف للغاية، وأضعف بكثير من الأعوام السابقة، ويستمر هذا بسبب كلمة واحدة: الصين.”
ولم تكن بيانات استيراد الخام الرسمية في الصين مشجعة لأوبك أيضا. ورغم أن الواردات ليست كل ما تستهلكه الصين، لكن اتجاهات الاستيراد في أكبر مستهلك للنفط في العالم أثرت على الأسعار. وأظهرت أحدث البيانات الصينية شهرا آخر من انخفاض واردات الخام مقارنة بنفس الشهر من 2023.
واستوردت الصين في أكتوبر 10.5 مليون برميل يوميا، وفقا لبيانات الإدارة العامة للجمارك. وكان هذا هو الشهر السادس تواليا الذي تأخرت فيه الشحنات عن الواردات في نفس أشهر عام 2023.
وكانت الواردات أقل بنسبة 9 في المئة مقارنة بأكتوبر 2023 وأقل بنسبة اثنين في المئة عن مستوى الواردات البالغ 11.07 مليون برميل يوميا في سبتمبر 2024. وترى باراسكوفا أنه بصرف النظر عن الصين سيتعين على أوبك+ التعامل مع عدم اليقين والمخاطر التي تهدد الطلب والعرض على النفط مع الرئيس الأميركي القادم.
ومن المتوقع أن يشدد ترامب العقوبات على إيران، العضو في أوبك المعفى من تخفيضات الإنتاج، والتي شهدت في وقت سابق من هذا العام ارتفاع صادراتها إلى أعلى مستوى لها في ست سنوات. وقالت باراسكوفا “قد يكون انخفاض المعروض الإيراني صعوديا لأسعار النفط إذا استمر الطلب.”
ولكن سياسات أخرى طرحها ترامب، مثل فرض رسوم بنسبة 10 في المئة على جميع الواردات الأميركية ورسوم بنسبة 60 في المئة على الواردات من الصين، قد تقوض النمو الاقتصادي العالمي، ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على النفط. ولا تستطيع أوبك+ تحمل ضعف نمو الطلب إذا كانت تريد إعادة 2.2 مليون برميل يوميا من الإمدادات إلى السوق العام المقبل.
وقد تؤدي الرسوم إلى إبطاء النمو الاقتصادي الأميركي والعالمي، وهو ما يقلل الطلب على النفط بما يصل إلى 500 ألف برميل يوميا في عام 2025، وهي ثلث توقعات شركة وود ماكنزي الحالية لنمو الطلب العام المقبل.
وكتب سيمون فلاورز المحلل الرئيسي في وود ماكنزي الأسبوع الماضي “هذا من شأنه أن يقلص الأسعار بمقدار 5 إلى 7 دولارات للبرميل عن مستوياتها الحالية، على افتراض عدم وجود مخاطر أخرى مثل تصعيد الأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران.”
ومع أن صناعة النفط والغاز الأميركية حصلت على ما أرادته لمدة أربع سنوات في ظل رئيس يدعم القطاع فمن غير المرجح أن ينمو الإنتاج في الولايات المتحدة بأكثر من مسار النمو الحالي، كما يقول المحللون.
وأرجعت لوود ماكنزي وشركة ريستاد إنيرجي ذلك إلى أن الشركات العامة الكبرى التي تهيمن على إمدادات النفط الصخري ستستمر في تفضيل العائدات للمساهمين وانضباط رأس المال على “الحفر، يا صغيري، الحفر.” وعلاوة على ذلك أكد فلاورز أن التعريفات الجمركية من المرجح أن تعرض المنتجين وشركات الخدمات الأميركية لتضخم التكاليف.
ويقول وارن باترسون، رئيس إستراتيجية السلع الأساسية في شركة آي.أن.جي، “بينما ستتبنى الإدارة القادمة وجهة نظر أكثر إيجابية تجاه صناعة النفط والغاز، فإن إمكانات نمو الإنتاج في نهاية المطاف ستتحدد إلى حد كبير بالسعر.”