أوبك في عيدها الـ 60 تواجه مخاطر الإندثار وسط الخلافات وضغوط النفط الصخري

واجهت منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” خلال عمرها الذي بلغ 60 عاماً يوم الأحد الماضي، مجموعة من التحديات كادت أن تقضي عليها، لكنها تمكنت، حتى الآن، من الإبحار إلى بر الأمان، ولكن هنالك شكوك حول ما إذا كانت المنظمة البترولية تستطيع البقاء وسط اللكمات الخطيرة التي تتلقاها من تداعيات كورونا والتحول الاستراتيجي بسوق الطاقة العالمي؟

وتشير بيانات مكتب “أوبك” الرئيسي في فيينا في تقريره في أغسطس/ آب إلى أن حصة المنظمة البترولية تراجعت من 80% في عقد السبعينيات من القرن الماضي إلى 30% خلال العام الماضي 2019.

لكن يلاحظ أن سرعة التراجع في حصة “أوبك” تزايدت بعجلة متسارعة خلال العقد الجاري، إذ تراجعت حصتها من 35% في العام 2010 إلى 34% خلال العام 2012. وهنالك توقعات أن تتراجع إلى 25% في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن الذي يخطط لاستثمار ترليوني دولار في مشروعات الطاقة المتجددة.
وبايدن يدعم اتفاقية المناخ التي تحد من انبعاثات غاز الكربون، وبالتالي تحد من استخدام البترول في توليد الطاقة ويعارضها الرئيس الحالي دونالد ترامب.

ووفق خبيرة الطاقة الأميركية في شؤون الطاقة، آمي مايرز جافيه فإن أوبك تواجه ثلاثة تحديات رئيسية خلال السنوات المقبلة، وهذه التحديات هي: تصاعد الخلافات بين الأعضاء والصراع على الحصص الذي تفجر في مارس/ آذار الماضي وضرب أسعار الخامات النفطية حتى وصلت إلى مستويات تاريخية تحت الصفر.

أما التحدي الثاني، وفق مايرز، فيتمثل في ظهور النفط الصخري وتحول الولايات المتحدة من مستورد رئيسي إلى مصدر رئيسي بعد أن بلغ انتاجها النفطي أكثر من 12.5 مليون برميل يومياً. أما التحدي الثالث فهو التحول العالمي نحو استهلاك الطاقة النظيفة.

وسط هذه التحولات الاستراتيجية في سوق الطاقة العالمي تآكلت حصة “أوبك” وتحولت السوق النفطية العالمية من قلة المعروض من الخامات إلى سوق ممتلئة بالفائض النفطي، وبالتالي أصبحت “سوق مشترين أكثر منها سوق بائعين”.

ولاحظ خبراء أن الولايات المتحدة كـ”دولة عظمى” باتت منافساً خطيراً للمنظمة البترولية في رحلة البحث عن تسويق إنتاج النفط الصخري المتزايد، إذ باتت تستخدم عضلاتها السياسية في إقناع الدول بشراء نفطها على حساب أوبك.
وفي المفاوضات التجارية الأخيرة التي تمت بين بكين وواشنطن في اتفاق ” المرحلة واحد”، فرضت أميركا شراء جزء كبير من خاماتها الصخرية، كما اقنعت كل من كوريا الجنوبية والهند بشراء الخامات النفط الصخري.
وتنوي الهند شراء 20 مليون برميل يومياً من النفط، بينما سوقت شحنات من النفط الصخري إلى دول أوروبا الشرقية.

ووفق مهتمين بملف النفط فقد ضربت ثورة النفط الصخري وتحول أميركا من مستورد إلى منتج أكبر للنفط خلال العام الماضي دور “أوبك” في تحديد أسعار النفط عبر سياسة ” العرض والطلب” التي كانت تنفذها السعودية من خلال لعب” دور المنتج المرجح” في سوق النفط العالمية من خلال ما تملكه شركة أرامكو من “طاقة انتاجية فائضة” تستخدمها في زيادة وخفض الطلب العالمي على الخامات النفطية.

وبات النفط الصخري الذي يعتمد على سعر “الجدوى الإنتاجية” يلعب دور المنتج المرجح، وبالتالي فقدت منظمة “أوبك” واحداً من أهم الأهداف التي أسست من أجلها وهو الدفاع عن السعر المستهدف في سوق النفط العالمي.
على صعيد المنافسة بين الأعضاء داخل المنظمة، يلاحظ أن الصراع على الحصص في سوق شحيحة الاستهلاك أطلق حروباً بين الأعضاء حتى قبل تكوين التحالف النفطي الأخير بين السعودية وروسيا، إذ إنه أدى إلى إغراق السوق بالنفط في عقد الثمانينيات الماضي، حينما تراجعت أسعار النفط إلى 10 دولارات للبرميل، ولم ترتفع إلا بعد أن تفجرت الحرب العراقية الإيرانية، كما أدى كذلك إلى انهيار الأسعار خلال عامي 2015 و2016 إلى أقل من 20 دولاراً للبرميل، ولم ترتفع الأسعار إلا بعد تحالف ” أوبك +” الذي ضم إلى جانب روسيا 10 منتجين من خارج المنظمة. وعاد الصراع على الحصص بقوة قبل تفشي جائحة كورونا، حينما حدث الخلاف بين موسكو والرياض في مارس وإبريل/نيسان الماضي.

أما على صعيد التحول العالمي الجاري نحو الطاقة النظيفة وتقليل استخدام النفط في الوقود منذ اتفاقية المناخ في باريس، فقد أدى هذا العامل إلى زيادة حصة الطاقة المتجددة، وارتفاع حصة الغاز الطبيعي في استخدامات الطاقة، ومن المتوقع أن يضرب تدريجياً حصة الخامات النفطية في سوق الطاقة العالمي. إذ بات العالم يعتمد أكثر على الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية والرياح.

لكن تظل جائحة كورونا التي ضربت الطلب على الوقود والمشتقات في أسواق الطلب الرئيسية وتحاصر حتى الآن حركة السفر والسياحة وتقلل من عمليات التنقل واستخدام السيارات والمركبات العامة من أكبر التحديات التي تواجه سوق الهايدروكربونات عموماً.

يذكر أن منظمة “أوبك” تم تأسيسها في العام 1960 بواسطة إيران والعراق والكويت والسعودية وفنزويلا في بغداد. وأسست المنظمة البترولية التي توسعت لاحقاً لتضم 15 عضواً لتحقيق هدفين وهما، الدفاع عن أسعار النفط عبر الحد من الإنتاج النفطي وتحديد سعر مستهدف لبرميل النفط والهدف الثاني هو عزم الدول النفطية المنتجة للنفط على السيطرة على مواردها البترولية من هيمنة الشركات النفطية الكبرى متعددة الجنسيات التي تعرف بـ” الأخوات السبع” وكانت تملك امتياز الإنتاج النفطي في معظم دول العالم النامي قبل الاستقلال من الاستعمار الأوروبي.

المادة السابقة“موانئ دبي” توزع أرباح سندات بالدولار والإسترليني واليورو
المقالة القادمةتشكيل أكبر مصرف في إسبانيا بعد صفقة إندماج بين “كايكسا بنك” و”بانكايا”