أوجيرو تضلّل لجنة المال

مسألة التوظيف في أوجيرو لم تنتهِ. مئات المستندات المتناقضة قدّمتها الهيئة إلى لجنة المال، فكانت النتيجة «فضائح» بالجملة كشف عنها النائب جهاد الصمد. عدد المياومين الذين أدخلوا إلى الهيئة ملتبس، ووظائفهم لا تتناسب مع حاجات الهيئة. أما الرواتب، فقدمت إلى اللجنة منقوصة

عندما أعلن رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان، أن اللجنة حسمت أمر خضوع هيئة أوجيرو للقانون رقم 46 (قانون سلسلة الرتب والرواتب)، يكون قد أكد تلقائياً أن إدارة الهيئة قد خالفت هذا القانون، وخاصة المادة 21 منه، التي تمنع الإدارات العامة والمؤسسات العامة من التوظيف. لكنه مع ذلك، استفاض في إثبات بطلان الاستشارة القانونية التي قدمتها (أعدها محاميها)، وتؤكد فيها عدم خضوع التوظيف فيها لمفاعيل القانون المذكور، كما تشير فيها إلى أن إقرار سلسلة الرتب والرواتب لديها كان من خارج القانون المذكور. فقد ذكّر كنعان بالمادة 54 من موازنة عام 2004، التي أخضعت كل الإدارات والمؤسسات العامة لمباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية، واستثني مصرف لبنان. وذكّر أيضاً بالمادة 5 من قانون تنظيم مجلس الخدمة المدنية التي تؤكد «إخضاع كل المؤسسات للمجلس في التوظيف». كذلك أوضح أن المادة 21 من القانون 46 لم تستثنِ أي مؤسسة عامة. كذلك إن إبداء الرأي القانوني يكون من قبل المجلس، لا من قبل محامٍ خاص.

اللافت أن اللجنة ليست وحيدة في رأيها. إدارة أوجيرو نفسها تؤيدها، بالرغم من أنها سعت لإقناعها بالعكس! أثبت النائب جهاد الصمد ذلك، في مداخلته في جلسة أول من أمس. إذ كشف أن كريدية نفسه سبق أن أرسل إلى وزير الاتصالات كتاباً، في 11 كانون الثاني 2018، يقول فيه حرفياً: «نحيطكم علماً بأن هيئة أوجيرو خاضعة لأحكام قانون العمل اللبناني في علاقتها مع المستخدمين لديها وتنطبق، بالتالي، عليها أحكام القانون 46/2017 (قانون السلسلة)…». وأكثر من ذلك، تبين أن كريدية كان عضواً في اللجنة التي شكّلها وزير الاتصالات في حينه، وكلّفها مهمة تطبيق القانون 46. كذلك أصدر مجلس إدارة الهيئة في 5 آذار 2018 قراراً قضى بتطبيق القانون 46 على سلسلة الرتب والرواتب لمستخدمي الهيئة.

لم يقتصر التناقض في المستندات على حق الهيئة بالاستفادة من قانون السلسلة من عدمه. أعداد الموظفين اختلفت بين مستند وآخر. ففي الدراسة التي أعدتها مديرية الموارد البشرية عن الوظائف الشاغرة، خلصت إلى حاجة الهيئة إلى 1256 موظفاً للأعوام 2017 إلى 2019، لكن بحسب ما كشفه الصمد، يتبين أن مستنداً آخر يشير إلى حاجتها إلى 1264، وثالث يخلص إلى الحاجة إلى 700 مياوم، وفي مستند رابع تشير إلى حاجتها إلى 797 مياوماً.

بالمحصلة، لم يتسنّ للجنة التأكد أي رقم من الأرقام هو الصحيح، لكنها خلصت إلى أن إدارة أوجيرو أرسلت إليها مستندات متناقضة تعبّر، بحسب الصمد، عن «رغبتها في تضييع النشكاس وتضليل اللجنة».

مع تخطي المسألة القانونية، ومع تخطي اعتراف رئيس أوجيرو مراراً بأن التوظيف كان في معظمه سياسياً (كذلك تشير مديرية الموارد البشرية إلى ورود سير ذاتية إليها من «المراجع السياسي كافة»)، إلا أن الأخير كان يفاخر بأن هذا التوظيف، الذي استفادت منه كل الأطراف، ذهب إلى حيث يجب، وبما يتناسب مع حاجات الهيئة.

لكن بحسب المستندات المقدمة إلى اللجنة، تبين أن توظيف المياومين لم يراعِ ما حدد في تلك الدراسة. وعلى سبيل المثال، فقد ورد في تقرير الموارد البشرية أنها بحاجة إلى 320 فنياً، إلا أن التوظيف الفعلي لم يزد على 50 فنياً. في المقابل، ومقابل إعلان الحاجة إلى 41 مهندساً، تبين أنه وُظِّف 85 مهندساً. وبذلك يتضح أن المياومين الذين أدخلوا إلى الهيئة لم يتناسبوا مع حاجتها الفعلية، بل أضيفوا إلى الفائض في ملاك الدولة، على حد تعبير الصمد.

بالمحصلة، يتبين أن الهيئة وظفت – منذ بداية عام 2017 – 676 مياوماً يتوزعون على النحو الآتي: 437 حارساً (65 في المئة)، 54 فنياً (8 في المئة)، 90 مهندساً (13 في المئة) و95 إدارياً (14 في المئة). علماً بأنها كانت قد حددت حاجاتها حسب الدراسة التي أعدتها، بـ3.64 في المئة مهندسين، 25.32 في المئة فنيين، 7.36 في المئة إداريين و63.69 في المئة عمال وحراس.

لم تكتف الهيئة بتضليل اللجنة عبر إغراقها بالمستندات، بل تبين أنها تعمّدت إخفاء المعلومات المتعلقة بالرواتب عنها، والتي سبق للجنة أن طلبت جداول مفصّلة بها.

ففيما توضح الهيئة أن عدد المستخدمين (من دون المياومين والمتعاقدين والاستشاريين) هو 1362 مستخدماً، تبين أن الجدول التفصيلي للرواتب يتضمن معلومات عن الرواتب والتعويضات لـ1346 مستخدماً فقط. وهي بالتالي أخفت المعلومات المتعلقة برواتب 16 مستخدماً، إضافة إلى راتب المدير العام. وعليه، يتوقع متابع للملف، ربطاً بسقف الرواتب الموجودة في الجدول، أن يكون الموظفون غير المصرح عن رواتبهم هم المديرين، الذين يبلغ عددهم 16 مديراً أيضاً. فلماذا أريد إخفاء رواتب المديرين تحديداً؟ وهل الهدف إخفاء حقيقة الرواتب المرتفعة التي يتقاضونها، خلافاً للقانون؟ تلك أسئلة لا يجيب عنها سوى الهيئات الرقابية، التي طالبها الصمد بالتدخل، معلناً في الوقت نفسه أنه سيُقدّم إخباراً بها إلى النيابة العامة المالية.

بواسطةايلي الفرزلي
مصدرالاخبار
المادة السابقةهل يدفع القطاع العام فاتورة “الإصلاح”؟
المقالة القادمةماريو عون: لمخارج تحد من العجز