أيام حاسمة مقبلة: استقالة نوّاب الحاكم وخيارات الحكومة

بحلول نهاية الأسبوع الحالي، أصبح المشهد واضحًا للجميع: لن يحظى نوّاب الحاكم بالتعهّدات التي يطلبونها من الكتل النيابيّة، للبقاء في مناصبهم وتحمّل مسؤوليّاتهم بعد رحيل حاكم مصرف لبنان، في نهاية الشهر الحالي. كما لن تنفّذ هذه الكتل أي من شروطهم، ولن تمنحهم الغطاء الذي يطلبونه، لخطّة تعويم سعر الصرف وإلغاء منصّة صيرفة. بل وعلى العكس تمامًا، باتت معظم هذه الكتل النيابيّة تنظر بعين الريبة إلى بعض المطالب والشروط، والتي توحي بأنّ نوّاب الحاكم “يكبّرون الحجر” في شروطهم ومطالبهم، بهدف التملّص من تحمّل المسؤوليّة في نهاية الأمر.

النتيجة المتوقّعة بحلول يوم الثلاثاء، إذا لم يطرأ أي تغيّر جذري على المشهد، هي استقالة نوّاب الحاكم بشكل جماعي، في مؤتمر صحافي أو بيان، يحمّل القوى السياسيّة مسؤوليّة رفض الإصلاحات والضمانات التي طالب بها نوّاب الحاكم. عندها، ستكون الكرة في ملعب الحكومة ورئيسها. فإما أن تعلن الحكومة عدم قبول هذه الاستقالة، والطلب من نوّاب الحاكم الاستمرار بتسيير الأعمال حتّى إشعارٍ آخر، ما يعني إحالة صلاحيّات الحاكم إلى نائبه الأوّل حسب القانون. وإمّا أن يعود النقاش الجدّي في سيناريو “التمديد التقني” لحاكم مصرف لبنان، من خلال طلب الاستمرار بتسيير الأعمال للمجلس المركزي مجتمعًا، بما يشمل الحاكم –بعد انتهاء ولايته- ونوّابه المستقيلين معًا.

شبه إجماع نيابي: طلبات نوّاب الحاكم مستحيلة

ثمّة شبه إجماع بين الغالبيّة الساحقة من الكتل النيابيّة على التملّص من قبول الشروط التي حاول نوّاب الحاكم فرضها، قبل استمرارهم بالعمل بعد رحيل حاكم مصرف لبنان. فالخطّة المطروحة تطلب تشريعًا من جانب المجلس النيابي، لإنفاق 1.2 مليار دولار من احتياطات مصرف لبنان، خلال ستّة أشهر، ما سيعني تحميل الكتل النيابيّة مسؤوليّة استنزاف جزء أساسي من السيولة التي يمكن استعمالها لضمان أقصى حد من كل وديعة مصرفيّة.

في المقابل، وحسب آراء الغالبيّة الساحقة من الكتل النيابيّة، من المفترض أن يكون التصرّف بالاحتياطات من صلاحيّة ومسؤوليّة الحاكم والمجلس المركزي، لا المجلس النيابي. وحتّى في ما يتعلّق بالتوظيفات الإلزاميّة للمصارف، بإمكان الحاكم أو من ينوب عنه إعادة تحديد مستوى هذه التوظيفات، أو تقرير كيفيّة استعمالها بعد تحريرها، تمامًا كما تم تحديدها وتعديلها عدّة مرّات في الماضي.

بهذا المعنى، لا ترى الكتل النيابيّة ضرورة لتحمّل كرة النار، عبر المفاضلة بين خيارات أو قرارات لا تخصّها، بما يتعلّق بالاحتياطات وسيولة المصرف المركزي.

أمّا بما يخص سعر الصرف، فظلّت النقاشات في لجنة الإدارة والعدل في غاية الحذر من مقترح تعويم سعر الصرف، الذي طرحه نوّاب الحاكم، خصوصًا أنّ مسألة تخفيض سعر الصرف تتصل بالقيمة الشرائيّة لأجور القطاع العام، كما ترتبط بقيمة اعتمادات الموازنة وسعر الصرف المعتمد لاستفياء الرسوم الجمركيّة.

وبهذا المعنى، ما يطرحه نوّاب الحاكم بالنسبة لسعر الصرف سيفرض على المجلس النيابي والحكومة اتخاذ خيارات لا تقل حساسيّة عن خيار تشريع المس بالاحتياطات. فعلى سبيل المثال، وفي حال ارتفاع قيمة الدولار مقابل الليرة، بعد تعويم سعر الصرف، سيكون على الحكومة والمجلس النيابي إمّا رفع سعر صرف الدولار الجمركي من جديد، وهو قرار غير شعبي، أو الإبقاء على حجم الموازنة العامّة على حاله وعدم رفع أجور القطاع العام أو اعتمادات الإنفاق من جديد، ما سيفاقم الشلل في الإدارات العامّة. وفي الحالتين، لا تملك لا الحكومة ولا الكتل النيابيّة جرأة أو نيّة اتخاذ هذا النوع من القرارات الحاسمة والحسّاسة شعبيًا، في موازنة العام الحالي أو العام المقبل.

وفي ما يتعلّق بالقوانين الإصلاحيّة التي طلب نوّاب الحاكم إقرارها، ومنها قوانين إعادة هيكلة القطاع المصرفي والكابيتال كونترول، فسيكون على الكتل النيابيّة حسم هذا النوع من الخيارات خلال مهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، ما سيتطلّب تحدّي مصالح ماليّة ومصرفيّة فرضت نفسها منذ حصول الانهيار المالي، وهو ما عرقل إقرار هذه القوانين أو حتّى مناقشتها جديًا. ومرّة جديدة، لا تملك الكتل النيابيّة أو الحكومة نفسها القدرة على اتخاذ هذا النوع من القرارات، في ظل تشابك المصالح الواضح والمعروف ما بين القطاع المالي والنظام السياسي.

لكل هذه الأسباب، وصلت النقاشات داخل المجلس النيابي، والتي جرت تحت مظلّة لجنة الإدارة والعدل، إلى حائط مسدود، وهو ما تم إفهامه إلى نوّاب الحاكم الأربعة بشكل مباشر يوم الجمعة الماضي. ومنذ ذلك الوقت، بدأ نوّاب الحاكم بإشاعة الأخبار عن اتجاههم يوم الثلاثاء المقبل إلى عقد مؤتمر صحافي، أو إصدار بيان مطوّل، يعلن عن استقالتهم الجماعيّة، لعدم قدرتهم على ممارسة صلاحيّاتهم بعد رحيل رياض سلامة، من دون تنفيذ الإصلاحات التي طلبوها من المجلس النيابي والحكومة.

خيارات الحكومة المحدودة

في الوقت الراهن، تشير المصادر المتابعة للملف إلى أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبذل حاليًا الجهد لتأجيل قرار نوّاب الحاكم، المفترض إعلانه يوم الثلاثاء المقبل. وبذلك، يحاول ميقاتي شراء المزيد من الوقت، ولو لغاية نهاية الأسبوع المقبل، قبل اتخاذ القرار الحاسم المرتبط بمصير حاكميّة مصرف لبنان، بعد انتهاء ولاية سلامة.

لكن في جميع الحالات، وفي حال إعلان نوّاب الحاكم عن استقالتهم خلال الأسبوع المقبل، سيكون ميقاتي وحكومته أمام خيارات محدودة للغاية. الخيار الأوّل، الذي سيحتاج إلى اتفاق واضح مع رئيس مجلس النوّاب، بحكم تأثيره على أداء النائب الأوّل للحاكم، سيكون التريّث وعدم قبول استقالة نوّاب الحاكم، والطلب منهم الاستمرار بتسيير المرفق العام. في هذه الحالة، وفي حال وجود غطاء من رئيس مجلس النوّاب، سيتولّى النائب الأوّل للحاكم صلاحيّات الحاكم، كما سيستمر نوّاب الحاكم بأداء مهامهم كأعضاء في المجلس المركزي للمصرف. أمّا خطوة الاستقالة الرمزيّة، فستكون قد رفعت المسؤوليّة عن نوّاب الحاكم، إزاء الوضع النقدي والمالي خلال فترة شغور منصب الحاكم، وإلى حين تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي.

الخيار الثاني، سيكون الطلب من أعضاء المجلس المركزي مجتمعين، بمن فيهم الحاكم ونوّابه الأربعة، الاستمرار بتسيير أعمال المصرف المركزي، منعًا للشغور في المرفق العام. وفي هذه الحالة، سيكون ميقاتي قد فتح المجال أمام تمديد تقني لحاكم مصرف لبنان، استنادًا إلى سابقة التمديد التقني لحاكم مصرف لبنان السابق ميشال الخوري عام 1984. وهذا الخيار، سيتم تبريره إعلاميًا بالتباينات الشاسعة ما بين خطّة نوّاب الحاكم، وتوجّهات المجلس النيابي وحكومة تصريف أعمال، وعدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على تنفيذ شروط نوّاب الحاكم التي تحتاج إلى حكومة مكتملة الصلاحيّات، وبوجود رئيس للجمهوريّة.

في النتيجة، ستحسم الأيّام القليلة المقبلة خيارات ميقاتي ووزير المال، المسؤول الأساسي عن ملف مصرف لبنان داخل الحكومة. إلا أنّ المشكلة الأساسيّة تبقى تجاهل الحكومة حتّى اللحظة العديد من الخيارات التي يمكن أن تعطّل خيار التمديد لحاكم مصرف لبنان، ومنها على سبيل المثال فكرة تعيين مدير مؤقّت للمصرف المركزي، لتسيير أعمال المصرف بانتظار تعيين حاكم جديد في ولاية كاملة. أمّا أداء نوّاب الحاكم الأربعة، فسيظلّ حتّى نهاية الأسبوع المقبل محاطًا بالكثير من علامات الاستفهام، وخصوصًا من جهة إصرارهم على طرح شروط أدركوا مسبقًا استحالة تنفيذها، بدل تحمّل المسؤوليّة والتصحيح بهدوء وبرويّة، بمعزل عن أي غطاء سياسي، بعد رحيل حاكم مصرف لبنان.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةأهمية تعيين حاكم للمركزي: درس من أميركا
المقالة القادمةاستحقاق “الحاكمية” يفضح ضعف النواب الأربعة..سيرٌ ذاتيةٌ غير مشجعة