يواجه الإقتصاد اللبناني انهياراً على كافة المستويات من دون رادع أو كابح، وسط غياب تام لأي تصوّر لحلول وانفراجات قريبة، وليس وضع الليرة اللبنانية سوى ترجمة لذلك الإنهيار. فخسارة الليرة نحو 70 في المئة من قيمتها أفقد المواطن اللبناني الأمان المعيشي، وبات هاجسه الأول البحث عن ملاذ آمن.
أكثر من يبحث عن الملاذ الآمن في لبنان هم مواطنو الطبقة الوسطى أو من كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى. وهم يناضلون لعدم السقوط في حيّز الفقر رسمياً، يبحثون عن مدخرات أكثر أماناً من العملة اللبنانية بعيداً عن المصارف، فلم تعد المصارف محط ثقة لتوفير المال وادخاره بعد أن حجرت على أموال المودعين صغاراً وكباراً. وبين الذهب والدولار يحتار متوسطو المداخيل وصغار المودعين وحتى كبارهم، لأي منهما يلوذون من تداعيات انهيار قد لا ينجو منه أحد.
تحديات الإدخار بالذهب
في جولة سريعة على محال الصاغة والمجوهرات تبيّن أنه منذ قرابة العام وحتى اليوم تضاعفت مبيعات الذهب بمختلف أصنافه، مصاغاً أو ليرات وغيرها، بنحو 3 أضعاف عما كانت عليه في وقت سابق. وإن دلّ ذلك على شيء يدل على الهروب إلى الذهب كملاذ أكثر أماناً من الليرة، وبرأي البعض من الدولار.
من حيث المبدأ يشكّل الذهب ملاذاً أكثر أماناً من الليرة ووُجهة سليمة للهاربين من حجر المصارف. لكن أمام هذا الاتجاه أكثر من منعطف. فالذهب من دون شك من السلع الاستراتيجية للادخار. لذا على مدخريه اختيار الليرة الذهبية أو النصف أو الربع، من الذهب غير المُصاغ كونه لا يخسر أكثر من 10 في المئة من قيمته في حال بيعه لاحقاً، بخلاف الذهب المُصاغ أي المجوهرات التي تخسر أكثر من 50 في المئة في حال البيع. وهنا نتحدث باعتبار سعر الذهب عالمياً بقي ثابتاً.
المنعطف الثاني الذي على مدخري الذهب الالتفات إليه هو سعر الذهب عالمياً. فهو محكوم بعوامل اقتصادية وسياسية مختلفة على مستوى دول العالم، ولا يمكن ضمان عدم الخسارة في قيمة المدخرات من الذهب. لكنها تبقى أكثر أماناً من الليرة اللبنانية التي تتخبّط أمام الدولار في السوق السوداء.
تنويع الإدخار
وعلى الرغم من أن الدولار من المدخرات الآمنة في الوقت الحاضر في لبنان، غير أن القاعدة الاقتصادية تفيد بأن لا استثماراً رابحاً بشكل تام مئة في المئة. فادخار الدولار محفوف أيضاً ببعض المخاطر المرتبطة بمكان ادخاره في ظل انعدام الثقة بين المواطنين والمصارف. لذلك يذهب عدد كبير من خبراء الاقتصاد والبورصات، ومنهم خبير الاقتصاد وليد أبو سليمان، إلى التوجه نحو التنويع بالإدخار بين الذهب والدولار.
في لبنان دائماً ما يُعتبر الذهب الملاذ الآمن. لكن التحدي الأكبر يبقى في شراء الدولار النقدي الذي بات مرتبطاً بشكل مباشر بالذهب، خصوصاً أن شراء الذهب لم يعد متاحاً بموجب شيكات مصرفية أو حوالات. لذا يجب تنويع محفظة الادخار، بين دولارات وذهب، كما يقول أبو سليمان في حديث إلى “المدن”.
وينصح أبو سليمان بعدم اعتماد سياسة المصارف في الادخار. فهي أقرضت عميلاً واحداً هو الدولة، ما لا يقل عن 70 في المئة من أموالها، علماً أن الأصول تمنع إقراض أكثر من 15 في المئة للعميل الواحد. وتلك السياسة هي من أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
بعيداً من الإدخار في الذهب والدولار وفي بلد آخر غير لبنان، كان من الممكن التوجه إلى الإستثمار في شركات التداولات العالمية مثل bluechip أو unicorns التي تبلغ رساميلها مليارات الدولارات، وتدفع أرباحاً شبه مستقرة. “لكن في لبنان ليس لدينا ثقافة بالتداول في أسواق الأسهم العالمية، لذلك يبقى الأجدى الإدخار بالذهب والدولار على أن يتم تنويع المدخرات مهما كان حجمها ضئيلاً”.
المسار العالمي
المقاييس والمعايير المعتمدة عالمياً لتقييم وبحث مسار العملات أو المعادن، متعددة ومختلفة وتختلف بطبيعة الحال عن تلك القائمة في لبنان، لكنها مترابطة بشكل أو بآخر، يقول أبو سليمان. فالذهب يرتبط بشكل مباشر بالدولار وهو مقوّم به. والأخير ينخفض حالياً على مستوى العالم أمام العملات الرئيسية لاسيما اليورو. ذلك لسببين: الأول عمليات التيسير الكمي الحاصلة في الولايات المتحدة الاميركية، والتي ستضخ بموجبها السلطات قرابة 900 مليار دولار، وهو ما يدفع الدولار إلى مزيد من الانخفاض. والعامل الثاني يتعلّق بتسلّم جو بايدن الرئاسة الأميركية.
عامل آخر لا بد من أخذه بالإعتبار، هو نتائج تجارب لقاح فيروس كورونا وبيعه في بعض دول العالم. وهو ما سيسرع استعادة العجلة الاقتصادية ونشاطها. وهذا يحرك البورصات الأميركية ومن ضمنها الذهب الذي يرتفع سعره، أضف الى اضطرابات عالمية على مستوى النفط وتأخر اتفاق بريكست. وهذه عوامل عديدة من شأنها ان تؤثر على سعر الذهب عالمياً بحسب أبو سليمان.