تنقل أوساط مطّلعة على زيارة حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لأميركا، أن لقاءات منصوري هناك كانت «إيجابية جداً»، لكنها تتجنّب الخوض في أيّ توقعات مرتبطة بما طلبه لجهة تأجيل تصنيف لبنان لمدّة ستة أشهر إضافية. وتأتي ترجمة هذه الإيجابية من معطيات أكيدة مفادها أن المصارف المراسلة تبلّغت من كل الجهات المعنية أنّ القطاع المصرفي في لبنان (مصرف لبنان والمصارف) ليس المقصود بهذا التصنيف، وهذا مدعوم بما ورد في تقرير «فاتف»، لذا لن يكون هناك أيّ قطع للعلاقات بين مصارف المراسلة والقطاع المصرفي اللبناني، بل ستبقى مصارف المراسلة على سلوكها المتشدّد الذي مارسته منذ الانهيار لغاية الآن.
بعكس كل الشائعات التي تتردّد، فإن الأوساط تؤكّد أن منصوري تلقّى تطمينات بريطانية وفرنسية ووعوداً بالمساعدة، أقلّها ما يتعلّق بتحسين صياغة تقرير «فاتف» المتوقّع صدوره في أيلول المقبل. وتشير الأوساط إلى أنه لا يمكن التأكّد من نتيجة التصنيف منذ الآن، لأنّ الأمر مرتبط بمشاورات بين الدول الأعضاء في المنظمة يطغى عليها السياق السياسي، فربما يكون هناك إجماع على تأجيل التصنيف لمدّة ستة أشهر، وربما قد تتضارب مصالح الدول التي تناقش ملفّ لبنان. لكن في كل الأحوال، ثمّة مبرّرات موضوعية لهذه «الإيجابية»، بحسب الأوساط، إذ إن كل الجهات المعنية التي التقاها منصوري، سواء في الإدارات الأميركية، وتحديداً في وزارة الخزانة الأميركية، أو في صندوق النقد الدولي أو حتى بين مندوبي الدول إلى منظمة «فاتف»، مدركة بأنّ ما هو مطلوب من لبنان يرتبط بالقرار السياسي المتعثّر بين إدارة الفراغ وإدارة تبعات الانهيار المصرفي والنقدي، ثم تبعات الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان. ففي ظل هذا الوضع، يصعب إقناع المعنيين بأن لبنان قادر على إعادة الحياة إلى الانتظام السياسي.
طبعاً، هذا لا يمنع أن تصنيف لبنان على اللائحة الرمادية سيكون سهلاً. فإلى جانب التشدّد في إجراءات التدقيق المتعلقة بتحويل الأموال من لبنان وإليه، سيركّز الخارج على مراقبة أداء الإدارات والمؤسسات التي تتركّز طلبات الإصلاح فيها، مثل القضاء والجمارك والضريبة وفي المجال التشريعي، وصولاً إلى السياسات الأساسية وما يتصل بها من ملفات الفساد في الإدارة العليا…
تقول الأوساط إن هناك سؤالاً واحداً محرجاً للبنان: هل سيقرّ لبنان ما مطلوب منه إذا مُنح ستة أشهر، ولا سيما أنه سبق أن حصل على تمديدين لتأجيل التصنيف وفشل في إقرار ما هو مطلوب؟ خلفية السؤال أن لبنان مراقب عن كثب منذ الانهيار الذي فشلت القوى السياسية الحاكمة في التعامل معه. هذا بالتحديد ما يستغلّه الغرب الآن للضغط سياسياً. فالقوى السياسية لم تتمكن من توزيع الخسائر، ومن التعامل مع إفلاس القطاع المصرفي، بل لجأت إلى تجديد شرعيتها في الانتخابات النيابية الأخيرة، ثم انتقلت إلى إدارة الفراغ بواسطة حكومة تصريف أعمال مستمرّة منذ نهاية 2022 لغاية اليوم.
إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعني أن انتقاله إلى لائحة الدول غير المتعاونة أصبح مطروحاً. سبق أن كان لبنان مصنّفاً على هذه اللائحة في 2000، لكنه تجاوزها في 2001 من خلال قوانين وإجراءات أبرزها: قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تأسيس وحدة الامتثال في هيئة التحقيق الخاصة التابعة لمصرف لبنان التي تعاونت مع «فاتف» في مجال تبادل المعلومات، إنشاء وتطوير أقسام الامتثال في المصارف، اعتماد المصارف الأسلوب القائم على استمارة «اعرف عميلك kyc». وبحسب المنتدى الاقتصادي الاجتماعي، فإنّ إدراج لبنان على اللائحة الرمادية هو خطوة ذات بُعد سياسي «في عالم تهيمن فيه الولايات المتحدة الأميركية على المنظمات الدولية الاقتصادية والمالية والسياسية تحت شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان التي جرى كشف زيفها في طوفان غزة، فالإرهاب بالمفهوم الأميركي يشمل نشاطات كل مقاومة وطنية تنشد الحرية والاستقلال وتتموضع ضدّ السياسة الأميركية وإفرازاتها وتحالفاتها». وأشار المنتدى إلى أن «التهويل بإدراج لبنان على اللائحة الرمادية، دفع حاكم المركزي بالإنابة وسيم منصوري إلى أميركا» بعدما أعدّ «تعديلات أساسية على قانون مكافحة تبييض الأموال؛ من أبرزها توسيع مروحة الخاضعين لأحكام قانون مكافحة تبييض الاموال وتمويل الإرهاب لتشمل تجار الذهب والألماس والأحجار الكريمة وأيضاً المحامين بوكالاتهم عن زبائنهم والقيّمين على الأوقاف، وتجارَ ووسطاءَ العقارات».