أي مستقبل لسعر الصرف؟

فيما تتزايد الأعباء النقدية بالدولار على مصرف لبنان من دعم استيردات المواد المعيشية والضرورية والمواد الخام الصناعية الى تغطية نفقات السفارات والقناصل اللبنانية وتلبية حاجات المصارف بالعملات الأجنبية من رصيدها الدائن لدى مصرف لبنان بما يصل مجموعه في بعض التقديرات الى أكثر من ٧ مليارات دولار سنويا قد لا تكفيها التحويلات الخارجية من بلدان المهاجر والاغتراب، تعيش سوق الصرف حالة ترقّب من نوع جديد لم تعهده من قبل. فهذه هي المرة الأولى التي يجري خلالها التداول بالعملات في لبنان من خلال منصة إلكترونية في إطار هيئة متخصصة بالأسواق المالية، ترتبط بها منظومة مصرفية – صيرفية من البنك المركزي والمصارف التجارية وشركات الصيرفة الكبرى لوقف جموح دولار أميركي يهدّد القوة الشرائية لليرة الوطنية.

وأما أدوات المواجهة، فتتراوح بصورة محدودة التأثير بين الضعف والقوة في ملاحقات أمنية وتوقيفات قضائية. والدليل أنه لو كان سعر صرف عملة وطنية يحدد بالقوة، لكانت الأنظمة القمعية في العالم حافظت على عملتها في وجه عملات الآخرين بالقبضة الحديدية. ولكان البنك المركزي في لبنان اكتفى بضبط المخالفات والملاحقات والمحاكمات، بديلا عن مليارات الدولارات التي لا بد من توافرها لحماية الليرة في وجه جموح الدولار، ولا يكفي للتعويض عنها منصة الكترونية أو «تضامن وطني» استثاره أمس نائب رئيس نقابة الصرافين، لدى شعب بات خلال محنته الاقتصادية، يرى الكرة الأرضية على صورة «رغيف خبز مدور»، على حد وصف الشاعر محمد الماغوط.

في حين أن ما تحتاج إليه الليرة اللبنانية أو أي عملة وطنية، مقومات أساسية غائبة في لبنان، منها السلطة القضائية المستقلة، والمساءلة القانونية الرادعة، والقوة الانتاجية التصديرية، والاحتياطيات النقدية الكافية، والبيئة الاستثمارية السليمة، والبنية التحتية المنيعة، والتشريعات الاقتصادية المحفزة، والسياسة الداخلية والخارجية الواقعية… وهذه كلها وسواها ليست متوافرة في لبنان حتى بحدّها الأدنى، فكيف يمكن دونها مواجهة دولار سريع يلاحقه بعكازين قديمين نظام عجوز متهالك يكاد لا يكفي شأن نفسه فكيف يضمن مؤونة شعبه ويحمي ليرة دولته؟! فيما المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تتعثر، كما في التقرير الصادر أمس عن بنك «أوف أميركا ميريل لينش» بأن فارق أرقام الخسائر بالعملة الأجنبية بين الحكومة اللبنانية والقطاع المصرفي من شأنه ان «يعقد مسيرة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي وان التطوّرات المقبلة ستكون محكومة بالمعطيات السياسية والاقتصادية». وأضاف التقرير ان خطة جمعية المصارف قد لا تشكّل «مصدر ارتياح كبير» للدائنين الأجانب، وأن الدين العام سيستمر في الارتفاع، وتوقعات خطة الحكومة بانخفاص نسبة الدين الى الناتج من ١٧٠% الآن الى حوالي ١٠٠% عام ٢٠٢٧ لا تتوافق مع معايير الاقراض لدى صندوق النقد الدولي.

مصدرذو الفقار قبيسي - اللواء
المادة السابقةتدهور ملحوظ لشركات القطاع الخاص.. والقدرة الشرائية تتراجع
المقالة القادمةألمانيا.. حزمة تحفيزية بـ 130 مليار يورو للتعافي الاقتصادي