الحلم الاسرائيلي القديم والدائم هو إيجاد بديل عن قناة السويس، الممر الملاحي الاكثر اهمية في حركة التجارة العالمية والذي يستحوذ على حوالى 20 في المئة من السفن المارة في البحار، حيث تمرّ عبرها يومياً 92 سفينة وتحقق ايرادات لمصر بحوالى 9,4 مليارات دولار سنوياً (العام الماضي).
البديل عن قناة السويس المنافس الاقتصادي الاساسي لاسرائيل والعائق الديبلوماسي الاول لها على الصعيد السياسي، هو مشروع قناة بن غوريون التي تعتزم وتفشل في تنفيذه منذ سنوات عديدة بسبب تكلفته الباهظة التي لا تغطي الايرادات المتوقعة منه إلا في حالة واحدة فقط وهي الاستيلاء على غزة كاملة، وبالتالي حفر قناة تربط بين إيلات والبحر الأبيض المتوسط، لأن أرض غزة فقط هي التي تسمح بحفر القناة بخلاف أراضي المنطقة الصخرية.
لذلك، تسعى اسرائيل دائماً وأبداً، وبتأييد من الدول الغربية المستفيدة من ايجاد منافس لقناة السويس، الى القضاء على حماس نهائياً واضعاف الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم.
بالعودة الى الاحداث التاريخية، أُطلق اسم بن غوريون على مشروع القناة تيمّناً باول رئيس وزراء لاسرائيل دافيد بن غوريون الذي يعتبر مؤسس الدولة الاسرائيلية وقائد الاستيطان وقائد حرب 1948 التي يُطلق عليها الإسرائيليون، حرب الاستقلال.
منافسة قناة السويس
يهدف مشروع قناة بن غوريون الى إنشاء قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط، تكون منافسة لقناة السويس بسبب قرب المسافة بين إيلات والبحر المتوسط، مما سيخوّلها من تقليص المسافة التي تمر بها السفن عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط. لان قناة بن غوريون لن تعتمد على غرار قناة السويس، على ممر بحري واحد تبحر عبره السفن من اتجاه إلى آخر، بل ستقوم إسرائيل بحفر قناتين مستقلتين، واحدة من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، والثانية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر. وبالتالي ستتقلّص فترة عبور السفن على عكس ما تستغرقه للمرور عبر قناة السويس وهو حوالى الأسبوعين.
بالاضافة الى ذلك، تتمتع طبيعة الارض التي تنوي اسرائيل حفرها للقناة، بميزة اضافية عن قناة السويس، حيث انها صخرية وصلبة وتتحمل أي ضغط دون أي تأثير على عكس قناة السويس التي تحتاج الى صيانة مستمرّة بسبب طبيعة الارض الرملية التي تسببت في العام 2021 بحصول حادثة ناقلة الحاويات الضخمة «إيفر غيفن» التي جنحت في قناة السويس مما أدى إلى عرقلة حركة الملاحة في أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم حوالى 7 ايام وتسبب بخسائر قدّرت بحوالى 900 مليون دولار.
تاريخ قناة السويس
أما بالنسبة الى تاريخ قناة السويس، فقد تم افتتاحها في 1869 وكانت فرنسا وبريطانيا تتمتعان بملكية الشركة التي تدير القناة لمدّة 99 عاماً، ورغم اعتراض بريطانيا الاولي على انشاء القناة بسبب تهديدها لاقتصادها، إلا انها عادت وفضلت الاستفادة منها عبر شراء 44% من حصة مصر من القناة في 1875 في حين بقيت فرنسا تستحوذ على غالبية الاسهم.
في العام 1888 وقعت المملكة المتحدة والإمبراطورية النمساوية المجرية، والإمبراطورية الروسية والدولة العثمانية وإسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، معاهدة القسطنطينية التي تنص على حرية الملاحة في قناة السويس، واعترفت بسيادة مصر على القناة. كما ألزمت الدول باحترام سلامة القناة والامتناع عن عمل أي عمليات عسكرية فيها، في حين حصلت مصر بموجبها على السيطرة الشكلية على قناة السويس. ولكن في 1949، منعت مصر، السفن الاسرائيلية من المرور عبر قناة السويس كردّ فعل على نكبة 1948 مما اثار نقاشاً واسعاً في مجلس الامن.
الحروب والسلام
في 1956 عندما كانت الحرب دائرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في منطقة البحر المتوسط، تحالف الرئيس المصري جمال عبد الناصر مع السوفيات وقرر تأميم قناة السويس التي كانت تحت ادارة بريطانية وفرنسية بعد ان رفضت الولايات المتحدة تمويل بناء السد العالي.
حصل توقيع معاهدة سلام بين مصر واسرائيل في 1979 برعاية الولايات المتحدة، لكن قبل 16 عاماً من توقيع معاهدة السلام، كانت وزارة الطاقة الأميركية ومختبر لورانس ليفرمور الوطني يخططان لاستخدام 520 قنبلة نووية لحفر بديل لقناة السويس عبر إسرائيل، وفق وثيقة سرية كشف عنها في 1996 اظهرت ان الخطة كانت تهدف إلى شق القناة في البحر الميت عبر صحراء النقب.
ولكن لماذا تسعى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للتعاون مع اسرائيل في تنفيذ مشروع قناة بن غوريون طالما ان حركة الملاحة مؤمنة لها عبر قناة السويس؟ الجواب هو الجدوى الاقتصادية والمالية والمنافسة:
عناصر الجدوى الاقتصادية
– من دون قناة السويس، يتطلب وصول السفن من آسيا الى أوروبا، الدوران حول القارة الافريقية. لذلك، فان قناة السويس تعدّ الممر الملاحي الحيوي والاكثر اهمية للتجارة العالمية حيث تستحوذ على حوالى 15 في المئة منها وعلى حوالى 10 في المئة من واردات النفط العالمية. وبالتالي، فان انشاء بديل عن قناة السويس سيخوّل اسرائيل السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً لتصبح الموانئ الإسرائيلية، حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا. وتصبح مصالح الدول المصدّرة للنفط والغاز مرتبطة بالحفاظ على مصالح اسرائيل.
– حققت الايرادات التي تدّرها قناة السويس لمصر، رقماً قياسياً العام الماضي بلغ 9,4 مليارات دولار. هذه الايرادات الكبيرة تمنح مصر دعماً مالياً أكبر يخوّلها توسيع نفوذها في المنطقة، وهو الامر الذي لا تريده اسرائيل.
– بعد حادثة ناقلة الحاويات الضخمة «إيفر غيفن» في 2021 أعرب البنتاغون عن قلقه من امكانية تعطّل وصعوبة وصول السفن العسكرية الاميركية الى اسرائيل. لذلك فان تصميم قناة بن غوريون يزيل هذا العائق حيث ان عمق القناة المنوي انشاؤها يبلغ 50 متراً مقارنة بعمق يبلغ 40 متراً لقناة السويس، وعرض لا يقلّ عن 200 متر مما يسمح لسفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم من العبور في القناة. بالاضافة الى ذلك، فان ميزة الارض الصخرية التي سيتم انشاء القناة عليها تتفوق على طبيعة الارض الرملية التي تقوم عليها قناة السويس.
– تتوقع اسرائيل ان يؤدي انشاء قناة بن غوريون الى خفض ايرادات مصر من قناة السويس الى حوالى 4 مليارات دولار سنوياً، والى تحقيق ايرادات لاسرائيل بقيمة 6 مليارات دولار سنوياً.
– من المرجح ان تقترض اسرائيل حوالى 14 ملياراً بفائدة 1 في المئة لمدة 30 عاماً من بنوك اميركية لتمويل بناء القناة.
الحاجة لاحتلال غزة
في الخلاصة، تحتاج اسرائيل لنجاح مخططها في بناء قناة بن غوريون وتقليص مسافة عبور السفن وخفض كلفة بناء القناة، الى استخدام الاراضي الفلسطينية وتحديداً غزة للربط بين ايلات والبحر المتوسط من دون الحاجة للدوران حول غزة لانشاء القناة.
وبما ان اسرائيل لا يمكن ان تستثمر بمشروع يدرّ عوائد مالية لفلسطين، فانها تفضّل القضاء على غزة بالكامل واحتلالها، لاختصار الطريق على حساب أرواح آلاف الفلسطينيين!
سالم: مخطط غربي
في هذا الاطار، اوضح الاستاذ الجامعي في الاعمال الدولية والدبلوماسية د. نعيم سالم ان الدول الأوروبية/الغربية، وذلك يشمل روسيا، ترى بإسرائيل كنقطة إرتكاز لهم وكحليف فعلي، أو مستقبلي، في الشرق الأوسط، بهدف السيطرة على العرب. ومن هنا، عند تأسيس دولة إسرائيل في أيار 1948 تسابقت وتنافست كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي على الإعتراف بإسرائيل. وكانت النتيجة أن ستالين وموسكو سبقا الولايات المتحدة بـ11 دقيقة في إعترافهما بإسرائيل وتأسيس علاقات دبلوماسية معها. وتبعت هاتين الدولتين الكبيرتين كل الدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ذلك يشمل الصين الوطنية-الرأسمالية المتحالفة مع الولايات المتحدة تحت قيادة تشانغ كاي تشك آنذاك، والتي اعترفت هي أيضاً بدولة إسرائيل.
إسرائيل حليف الجميع
وأضاف: كانت الدول الكبرى أو الإستعمارية، ولمّا تزل، ترى بإسرائيل إما كحليف، أو أداة تستعمل للسيطرة على العرب، عند الحاجة، ولفصل مشرقهم عن مغربهم بكيان عسكري-عنصري فاصل. وحتى بعدما قطع الإتحاد السوفياتي علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل نتيجة ضغط عبد الناصر عقب حرب حزيران 1967، عادت روسيا مجدداً، مع غورباتشوف، لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في أواخر الثمانينات. وبعد غورباتشوف، ذهب بوريس يلسن، وخاصة خلفه فلاديمير بوتين، لتوثيق أفضل العلاقات مع إسرائيل. والشهر الماضي عندما حاول مسلمون روس في داغستان في جنوب روسيا التظاهر ضد ركاب طائرة إسرائيلية قادمة من مطار بن غوريون، إعتراضاً على الحرب التدميرية ضد غزة، إعتقلت السلطات الروسية 60 شخصاً منهم ولم تزل تلاحق، أمنياً وقضائياً، حوالى مئة آخرين بعضهم متواري عن الأنظار كانوا قد ظهروا على كاميرات المراقبة، في سياق سياسة هز العصا ضد معارضي إسرائيل في روسيا. وهذا حصل ويحصل رغم أن إسرائيل تصطف الى جانب أوكرانيا (والولايات المتحدة) وتسلّحها في حربها/وحرب الغرب ضد روسيا على الساحة الأوكرانية.
أضاف سالم: هكذا تتظهر رغبات الدول الغربية الرئيسية في تمكين إسرائيل من بناء قناة منافسة لقناة السويس بهدف دعم إسرائيل مالياً وإستراتيجياً، من جهة، وتقويض مصر إقتصادياً وإستراتيجياً، من جهة أخرى، حتى لا تقوم لها قائمة مجدداً في إعادة إنهاض وتوحيد العالم العربي، كما حاول عبد الناصر أن يفعل. ونتيجة لمحاولاته، جلب عبد الناصر عليه وعلى مصر العدوان الثلاثي، من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، في العام 1956. وتلتها لاحقاً الولايات المتحدة في سياسات تطويق مصر.
تطويق مصر
وعلاوة على محاولة تقويض مصر من خلال قناة بن غوريون، فهناك محاولات لتكبيل مصر من خلال دعم إثيوبيا في بنائها لسد النهضة العملاق على نهر النيل، إضافة الى تفتيت دولتي السودان وليبيا اللتين تمثلان الحدائق الخلفية الإستراتيجية للدولة المصرية جنوباً وغرباً.