تحت وطأة الضغوطات التي مارسها مستوردو الأدوية بذريعة احتمال اندلاع عدوان إسرائيلي شامل، استحصل المستوردون على قرار من وزير الصحة يقضي بإخراج الأدوية وكميات الحليب والمواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية، وكل ما هو في حكمها، سريعاً من المرافق الحدودية من دون خضوعها للتفتيش، وذلك يسري لمدّة شهر. لكن تبيّن أن القرار غير قابل للتطبيق بهذه السرعة، بل أثار عاصفة من الفوضى لأن لا آلية تنفيذية له.استند قرار وزير الصحة فراس الأبيض الصادر في 8 آب تحت الرقم 1092، إلى تجربة حرب تموز عام 2006، حين وافق وزير الصحة يومها محمد جواد خليفة، على إخراج المواد من المرافئ من دون تفتيش، بحكم حالة الطوارئ. ورغم أن لبنان لم يعلن حالة طوارئ بعد تتيح لوزير إصدار قرار كهذا، إلا أنه أجرى تفاهماً مع نقابة مستوردي الأدوية من أجل تسريع إخراج الأدوية والمنتجات الصيدلانية والصحية والمواد الأولية وسواها، من المرفأ على أن يتعهد كلّ مستورد ومصنّع محلّي، باستكمال المستندات والمعاملات اللازمة مع وزارة الصحة قبل توزيع المواد في السوق.
رغبة الطرفين في تنفيذ حالة الطوارئ قبل إعلانها، اصطدمت بصعوبات عملياتية. إذ إنه حتى صباح السبت الماضي، لم يكن قرار الأبيض قد بدأ ينفذ، بل أثار الفوضى. «القرار أصدر بلا آلية للتنفيذ، ولم تُبلّغ إدارة الجمارك به»، تقول مصادر «الأخبار» في الوزارة، بالتالي «رفضت الجمارك الأسبوع الماضي تسليم الأدوية للمستوردين لأنّهم لا يحملون موافقات رسمية صادرة عن دائرة التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة تسمح لهم بإخراج الأدوية». ومن جهته، علق نجيب بو عرم رئيس دائرة التفتيش، على باب مكتبه في الوزارة مذكرة إدارية يشرح فيها كيفية تنفيذ قرار الأبيض، وأولى نقاطها: «الحصول على تعهد لكلّ شحنة دواء بعدم المس أو التصرف بها لحين الكشف». وبحسب المصادر فإن «هذا التعهد بالذات غير معروف، ولا يوجد نموذج مكتوب له»، وهذا ما دفع عدداً من المستوردين إلى «اعتماد الآلية العادية لإخراج أدويتهم، أي أن يقوم التفتيش الصيدلي بكشفها على أرض المطار أو المرفأ قبل إخراجها». غير أن هذه الآلية لم يكن بالإمكان تطبيقها أيضاً!
وبدلاً من أن تعمل الوزارة على معالجة الأمر سريعاً، غابت قياداتها عن السمع منذ يوم الجمعة تاركة الأمر لاجتهادات الموظفين والشركات المستوردة للأدوية. ومن جهتها، «أبلغت مصادر من نقابة مستوردي الأدوية أنّ رئيس دائرة التفتيش في الصحة سيُحضر نموذج تعهّد ليعتمده المستوردون يوم الاثنين، إنمّا لم تحدّد فيه هل هو صالح لشنحة واحدة، أم يجب تحصيل تعهّد لكلّ شحنة»؟، تقول مصادر من شركات استيراد الأدوية، واصفةً قرار الأبيض وتصرفات موظفي الوزارة بـ«الهوبرة وغير العملية». وتساءلت عن «ماهية الآلية المعتمدة للتفتيش لاحقاً، هل سيحضر المفتش إلى المستودع للكشف، أم ستُرسل العيّنات إلى الوزارة؟» علماً أنّ «إمكانية دائرة التفتيش الصيدلي اللوجستية التي تسمح لها بالحضور إلى مستودعات الأدوية المنتشرة على كل الأراضي اللبنانية عليها علامات استفهام»، تقول مصادر شركات استيراد الأدوية، و«صلاحية الكشف على المستودعات ضبابية أيضاً، أهي على عاتق مفتشي الوزارة أم دوائر الصحة في المناطق»؟، تقول المصادر. وأشارت إلى أنّ عدد المفتشين في الوزارة هو 4 فقط، وهؤلاء يكشفون يومَي الاثنين والأربعاء في المطار، ويومَي الثلاثاء والخميس في المرفأ». كما تخوّفت من «الوساطات، ولا سيّما أنّ هناك مستوردين كباراً قادرين على إغراء العدد القليل من المفتشين لكشف بضاعتهم والموافقة على إدخالها إلى السوق قبل غيرهم.