لم يحدّد الدستور اللبناني كيفية تخصيص المناصب الوزارية، إلا أن السياسيين خالفوا الدستور والعرف، فكرّسوا بعض الحقائب حكراً على جهات سياسية وطائفية لفترة سنوات. فوزارة المال باتت محسوبة على الشيعة وتحديداً حركة أمل منذ العام 2014، والطاقة والمياه المصنّفة بالحقيبة الوازنة يحتكرها التيار الوطني الحرّ منذ نحو 13 سنة. ألم يحن الوقت في ظلّ الحديث عن حكومات إصلاحية وإنقاذية للقطاعين المالي والإقتصادي لاعتماد مداورة تلك الحقائب في الحكومة المقبلة؟
خلف: لا تخصيص للمناصب الوزارية في الدستور
قال النائب المحامي ملحم خلف لـ»نداء الوطن» في هذا السياق: «ليس هناك أي إشارة في الدستور تحدّد العلاقة بين المؤسسات وكيفية إدارتها وتخصيص المناصب في الدولة بوزارات مخصصة». ويعني ذلك كما اضاف أنه «لا يوجد اي إشارة في الدستور تشير الى تخصيص وزارات في الدولة، ما يعني أن الطوائف كافة يجب أن تكون ممثّلة بالسلطة، ليس حسب الوزارات بل استناداً الى الكفاءات.
وهذا الأمر رسّخه الدستور اللبناني في المادة 12 منه التي تثبّت المبدأ العام، وتعتبر مادة أساسية للانطلاق من خلالها. اذ جاء فيها «لكل لبناني الحقّ بتولّي الوظيفة العامة، لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الإستحقاق والجدارة (أي الكفاءة) وحسب الشروط التي ينصّ عليها القانون».
وبالنسبة الى مبدأ التوزيع الطوائفي، فقد ذكره الدستور في الفقرة أ من المادة 95 منه التي نصّت على تمثيل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارات. وبذلك تتمّ مواءمة النص الوارد في المادة 95 (التوزيع العادل) مع النصّ الأساسي في المادة 12 من الدستور. انطلاقاً من المادتين المذكورتين يقول خلف «عندما يؤمن التوزيع العادل نعود الى المادة 12 الملزمة بعدم وجود ميزة لأي شخص على آخر إلا من حيث الإستحقاق والجدارة. واذا عدنا الى التمثيل عندها سيعتبرونه عرفاً». فمتى يصحّ اعتماد العرف؟
لاعتماد العرف قاعدة
العرف لا يُقبل بحسب خلف «إلا اذا توفّر العنصران المادي والمعنوي له. العنصر المادي يتشكّل عندما يتمّ قبول ممارسة مستمرة مستقرّة وموحّدة أي مقبولة. والعنصر المعنوي وهو الأهمّ، يجب أن تكون الممارسة مقرونة بقناعة أن ممارسة هذا العرف تلتزم بقاعدة قانونية، اي نعتبر أن هذا العرف هو قاعدة قانونية. وإذا أردنا تطبيق العرف أي العنصرين المادي والمعنوي، يتطلب الأمر ممارسة مستمرة ومستقرة وموحدة وهو الأمر غير المتوفّر. كان يحصل أنه في كل مرة يتم طرح اسم لتبوّؤ مركز وزير لوزارتي المال والطاقة، يتذرّع فريق سياسي معيّن بأن ترؤسه لهذه الوزارة أو سواها هو لمرة واحدة واستثنائياً، ومن هنا لا تكون الممارسة لا مستمرّة ولا مستقرّة ولا موحّدة. الأمر المعنوي نفسه ينطبق على سائر الوزارات عند تمسّك جهة معينة بوزارتها. على سبيل المثال عندما يقول العرف أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مارونيا فهذا عنصر مادي. والعنصر المعنوي مقرون بقناعة أنه طالما هو ماروني كلنا نقبل ونقرّ بشكل موحّد أنها قاعدة قانونية فتصبح مستمرّة، وبالتالي تصبح عرفاً. لكن في وضع الوزارات لا يوجد قبول بممارسة هذا الأمر «.
حكومات الـ»ميني» برلمان
يعتبر النائب ملحم خلف أنه لا يمكن لأحد القول أن الوزارة تابعة لفريق معين لمناقضته المادة 12 من الدستور، فهي خدمة عامة لكل الشعب اللبناني ولا تقتصر على جهة سياسية أو مذهبية معينة. اما بالنسبة الى القاعدتين اللتين هما المثالثة ضد المناصفة والحكومة لا تقل عن 14، فبما أن العرف يتطلب القبول بالممارسة المستمرة والمستقرة والموحدة هذه امور أساسية، وبذلك ستتحوّل الوزارات الى نهج تحاصصي بتقاسم السلطة، بالتالي لا يوجد مشروع وطن. فالحكومة صارت مؤلفة من كل المجلس النيابي، فاين الرقابة التشريعية؟ تصبح الحكومة «ميني برلمان» وتتعطل الرقابة، فلا يكون لديهم رؤية واحدة للحكومة و»فيتو» متقابل.
يجب ان تأتي الحكومات متجانسة في ما بينها وتحمل رؤى مستقبلية وتضع الخطط المستقبلية وفق خيارات سياسية وطنية ثابتة وليس بتقاسم حصص سياسية لوجهات نظر متضاربة. يقول النائب ملحم خلف إنه يتمّ ضرب الديمقراطية تحت مسمى التوافق الأمر الذي نشهده منذ العام 1992. ما يحصل بعد الانتخابات هو تشكيل حكومة وتترجم القوى السياسية في البرلمان. نخلق داخل الحكومة «ميني» برلمان، فيتعطل الأخير لمصلحة حكومة تتضمن مكونات المعارضة وكل ما هنالك من تضارب داخل الحكومة. فالحكومة لم تعد تشكّل وحدة تضامن كسلطة متضامنة متماسكة، فيتشكّل في ما بين افرادها ووزرائها عملية تعطيلية وهي قاعدة الفيتو المتبادل هذه الـ veto cratie.
فأساس الديمقراطية 3 قواعد: لدينا 3 سلطات (التنفيذية والقضائية والتشريعية) وهناك 3 قواعد ترعى تلك السلطات. أولاً، قاعدة تداول السلطة، القاعدة الثانية الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأن السلطة التشريعية يجب أن تراقب السلطة التنفيذية.
حبشي: المداورة أساسية، وإلا فلا إصلاح
يرى النائب أنطوان حبشي خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن «المداورة أساسية بين الوزارات وتحديداً في وزارتي المالية والطاقة. وإذا لم تعتمد اي حكومة إصلاحية مبدأ المداورة في الوزارات، فنعلم مسبقاً أنه لن يتمّ اعتماد مبدأ الإصلاح».
وعزا أهمية المداورة في المستويين المالي والإقتصادي الى التالي:
على المستوى المالي: «نستغرب إصرار فريق سياسي على التمسّك بوزارة المال في وقت احتسبت كلفة سلسلة الرتب والرواتب خطأ، فجاءت الكلفة «مرتين زيادة»، ولو كنا في بلد آخر لكان استقال وزير المال اذا حصل خطأ في العملية ولو بنسبة 1%.
ولوزارة المالية دور غير عادي بمراقبة مصرف لبنان، وهي الصلاحيات التي لم تمارسها، بل «راحت تتفرّج» كل الوقت على كل التخطيات القانونية التي كان يقوم بها مصرف لبنان من دون القيام بأي خطوة. فتحديد السياسة المالية ليست من مهام مصرف لبنان، بل وزارة المالية هي المولجة بتحديدها إلا أنها تركت لـ»المركزي» مهمّة القيام بهذا الأمر».
وتبينت أهمية هذا الموضوع، يضيف حبشي، بعد التدقيق الجنائي إذ «شهد شاهد من أهله»، وهو حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي أدان مصرف لبنان وحاكمه عندما قال «سأتصرف وفقاً للقانون ولن أتخطّاه»، ويترجم هذا القول بأن ما حصل قبلاً كان تخطياً للقانون. وعندما يحمل وزير المال المسؤولية يعني أن عليه أن يتحمّل المسؤولية، لا أن يقوم بما سرى اعتماده من فريق سياسي معين».
نصف الدين العام بسبب خسائر الكهرباء
وعاد حبشي الى حكومة مصطفى أديب، فقال «كانت من مطالبنا اعتماد المداورة بين الوزارات. لم يقبل الثنائي الشيعي وقتها المداورة والتخلي عن حقيبة المالية، ما أوجد إشكالية عدم إمكانية إحداث مداورة في وزارة الطاقة. فتمسّك التيّار الوطني الحرّ بها.
وتبين حجم تلك الإشكالية ايضاً في التدقيق الجنائي، اذ أن الجزء الأكبر من المديونية العامة كما ورد في التقرير ناتج عن وزارة الطاقة. فكلّفت وزارة الطاقة وفق التدقيق خزينة الدولة 24 مليار دولار، واذا اضفنا الفوائد عبر السنوات يقول حبشي نصل حكماً الى كلفة بقيمة 35 مليار دولار. واذا كانت الفجوة المالية بين ما سنرده للمودعين والأموال الموجودة بقيمة 70 مليار دولار، يتبيّن لنا ان نصف الدين العام سببته وزارة الطاقة، كل ذلك وليس لدينا كهرباء». إنطلاقاً من تلك المعطيات يعتبر حبشي أن «المداورة ضرورية وأول قطاع يتطلب إصلاحاً هو الكهرباء، فاذا لم يتمّ تشكيل هيئة ناظمة ولم يتمّ الإلتزام بالقوانين، فإن التجربة تعيد نفسها. من هنا لا يمكن للحكومة أن تقوم بالإصلاح اذا لم تقم بالمداورة وتحديداً في الوزارتين (المالية والطاقة)!، ولو أنني لا ارى إطلاقاً إمكانية تشكيل حكومة جديدة في القريب العاجل».
«أمل» و»التيار» يعتمدان نفس المنهجية
وأعطى حبشي مثالاً على الخصومة والتوافق بين حركة امل والتيّار، فقال: «إن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان تشكّل بعدما اتفق رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب جبران باسيل على تخريجته، فهما متخاصمان بالسياسة الى ما لا نهاية، ويقومان بتقاسم الجبنة معاً في الحصص والفساد. وبذلك فان حركة «أمل» و»التيار الوطني الحرّ» يعتمدان تقريباً المنهجية نفسها».
وختم حبشي انه «يجدر بالحكومة ان تكون فريقاً واحداً وتعتمد سياسة واحدة، تعزّزها المداورة، و»مين ما كان» الوزير فهو ملزم بتطبيق سياسة الحكومة. بقاء نفس الأحزاب بالمكان نفسه يؤثّر سلباً لأنه بسبب عدم تغير السياسات ولا الهيكلية، وطبعاً لأنه دائماً هناك محميات داخل كل الوزارات والإدارات الكبيرة مثل الطاقة والمياه، والمال التي لها علاقة بالجمارك والرسوم والمالية العامة. فكل ما يتغير وزير يعمل حركة إضافية ويقترح إعادة هيكلة ضمن الوزارات.
ضو: دمج الإدارات وتقليل عدد الوزارات
من جهته كان للنائب التغييري مارك ضو نظرية مغايرة، فقال لـ»نداء الوطن» «لست مع المداورة في الوزارات بل مع تخفيف عدد الوزارات وعدم وضع حصرية طائفية لأي منها».
لذلك يحبّذ «تخفيض عدد الوزارات عموماً ودمج إدارات ومصالح معاً، فيتم الخروج بترتيب إعادة الهيكلة للقطاع العام وهو الأمر المذكور في الخطة الحكومية ومطلوب من صندوق النقد الدولي أيضاً. لأن عديد القطاع العام مقابل الخدمات مع تطوير نوعيتها يخفّف من تدخّل وزارة الطاقة المباشر في ما يتعلق بالماء أو بالكهرباء. أما وزارة المال، فيعتبر أن «المكننة جزء صغير منها، اذا ألغينا الطوابع على سبيل المثال وتمّت زيادة الرسم على الفاتورة كأن يكون مثلاً بنسبة 0.5 %، وكذلك طباعة الورق ما «يخفّف» الضغط على الوزارة…».
حنكش: الوزير المناسب في المكان المناسب
من جهته رأى النائب الياس حنكش أنه «اذا احتكمنا الى القوانين لا يجب لأي وزارة أن تكون ملك أي فريق سياسي، بل نريد ان نرى الوزير المناسب في المكان المناسب، وأن يلعب مجلس النواب دور المحاسبة. فلا تمارس المحاسبة لأي وزير ينتمي الى فريق سياسي معيّن لأن الفريق الآخر «سيدقّ» بالوزير التابع لهذا الفريق السياسي. معتبراً أن «تلك الذهنية المتبعة هي التي أوصلت البلد الى الإفلاس، فيتمّ تقاسم المغانم وكل واحد يتبرّأ من المسؤولية، ثم يقولون «ما خلونا!».