سجّلت حركة الإستيراد في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 10.5 مليارات دولار، وهذا يدل الى ان اجمالي الاستيراد لكامل العام الحالي سيصل الى 18 مليار دولار وهو رقم قياسي يقترب من مستويات ما قبل الأزمة. ويعتبر هذا الرقم مرتفعاً مقارنة مع العام الماضي حين سجّلت حركة الإستيراد 13.64 مليار دولارللعام كله. ما يعني أن قيمة الواردات ترتفع علماً أن القطاع الإقتصادي عموماً والصناعي خصوصاً يفترض أنه يسلك طريق تحفيز الإنتاج المحلي للانتقال من الإقتصاد الريعي الى الإنتاجي. فما هي الأسباب وراء زيادة قيمة الواردات؟
نفط وسيارات وذهب
كان للمنتجات المستوردة من النفط والسيارات والهواتف الخلوية والذهب والماس الحصة الأكبر في زيادة قيمة السلع وفاتورة الإستيراد من الخارج. وبحسب الأرقام سجّلت واردات منتجات النفط والزيوت المستحصل عليها من مواد معدنية 2.8 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، في حين أن قيمة استيراد السيارات السياحية وغيرها من العربات بلغت 835 مليون دولار، أما أجهزة هواتف الخلوي بما فيها أجهزة الهاتف للشبكات فقدّرت بـ 182 مليون دولار. أما واردات الذهب والماس فقد بلغت 858 مليون دولار.
وتعتبر هذه الأرقام كبيرة ومستغربة في بلد غارق في الإنهيار مع نسبة فقر مرتفعة، ويستجدي 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
تخزين سيارات
بالنسبة الى قطاع السيارات الذي تراجعت وارداته بعد بدء الأزمة المالية في نهاية العام 2019، والذي يحتل المرتبة الثانية في قيمة العائدات الجمركية التي يدرّها على الخزينة في لبنان بعد النفط، أوضح رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان ايلي قزي لـ»نداء الوطن» أن عدد السيارات المستعملة التي وصلت الى لبنان تراجع فعلاً من 44 الف سيارة مستعملة في العام 2018 قبل بدء الأزمة المالية والإقتصادية في البلاد، الى 27 الف سيارة في العام 2019 ، ثم الى 7000 سيارة في 2020 (مع اجتياح جائحة كورونا كل دول العام وتراجع الطلب على الشراء بسبب الأزمة)، ومن المتوقع أن يتراوح العدد للعام 2021 بين 14 و 15 ألف سيارة».
واشار الى أن «قيمة السيارات المستعملة التي تدخل الى لبنان كانت تبلغ نحو 600 مليون دولار بما فيها الرسوم الجمركية والتسجيل والميكانيك، أما اليوم فانخفضت تلك القيمة بسبب تراجع المبيعات».
واعتبر ان «سوق الإستيراد تحوّلت نحو السيارات الصغيرة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، على عكس فترة ما قبل الأزمة، علماً أن كلفة استيراد السيارات الصغيرة كانت مرتفعة علينا قبل العام 2019».
وحول زيادة الإستيراد، قال قزي إنها تعود الى انخفاض قيمة الرسم الجمركي. اذ كان قبل الأزمة يبلغ 5000 دولار كحد أدنى وأضحى اليوم 500 دولار وهو الرقم الصحي للجمارك (برأيه)، اذ أنه يحفّز الإستيراد ليس لكفاية السوق المحلية فحسب بل لتصديرها الى الخارج».
وحول ما اذا كان سبب زيادة قيمة استيراد السيارات المستعملة يعود الى تفاقم عددها في لبنان استباقاً لرفع الدولار الجمركي ولتحقيق أرباح في ما بعد، قال رزق إنه يوجد طلب على السيارات الصغيرة لذلك يتم استيرادها. علماً أنه بدءاً من اليوم ليس مجدياً إجراء طلبيات جديدة للاستيراد من الولايات المتحدة كون الشحنة الواحدة تستغرق 3 أو 4 أشهر عندها يكون الرسم الجمركي قد زاد.
زيادة قيمة واردات المحروقات
وفي ما يتعلق بالقيمة المسجلة لواردات المشتقات النفطية والتي تبلغ 2.8 مليار دولار في 7 أشهر، أوضح ممثل موزعي المحروقات في لبنان فادي أبو شقرا لـ»نداء الوطن» أن «كمية الليترات المستوردة تراجعت بنسبة 30% في حين أن قيمة أسعار النفط العالمية ارتفعت بعد بدء الحرب الأوكرانية في آذار الماضي من 70 دولاراً للبرميل الى 110 وصولاً الى 120 دولاراً أميركياً ، قبل ان يتراجع حالياً الى حدود 100 دولار، وهذا ما يبرّر قيمة المشتقات المستوردة».
الهواتف
أما الهواتف الخلوية والآلات المتصلة بشبكة الهاتف فيعود سببها استدراكاً لارتفاع الدولار الجمركي وتزامناً مع وجود طلب على الهواتف الخلوية او لاجراء تحسينات على الشبكة.
إستيراد المواد الغذائية
وينطبق هذا الواقع على المواد الغذائية والإستهلاكية المستوردة. اذ قال رئيس نقابة أصحاب السوبرماركات في لبنان نبيل فهد لـ»نداء الوطن» إنها «لم تزد كمية الواردات بل سجلت الأموال المخصصة للاستيراد انخفاضاً بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المستهلكين».
واعتبر فهد أن تفاقم قيمة الإستيراد ناتج عن أمرين:
«أولاً، إرتفاع سعر النفط وبالتالي المازوت والبنزين، بنسبة تخطت الـ70 أو الـ80% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري علماً أن استهلاك البنزين انخفض بنسبة 15% ما أدى الى تراجع قيمة الزيادة الى نسبة 50% او 55%، ما ترك تداعيات على الإستيراد.
ثانياً، إرتفاع كلفة النقل من آسيا (الصين وماليزيا وسنغافورة واندونيسيا ) نحو 5 مرات بسبب جائحة كورونا وارتفاع أسعار النفط.
وكذلك الأمر بالنسبة الى مادة القمح، زاد سعرها خلال اشهر آذار، نيسان وأيار بعد بدء الحرب الأوكرانية، قبل أن تعاود تراجعها. ولم يكن لقيمة القمح المستورد التأثير الكبير على قيمة البضائع المستوردة وإنما ترك الأثر على المنتجات التي تستخدم القمح في صناعتها. تلك البضائع ارتفع سعرها، ولكن مبالغها محدودة بعشرات الملايين وليس بمئات الملايين».
كما ارتفعت أسعار الحبوب والزيوت والقمح بنسبة وصلت الى 50% قبل أن تعاود تراجعها بنسبة تتراوح بين 15 و 25%.
واردات الذهب: إستيراد وتصدير
في المقلب الآخر، إرتفعت قيمة الذهب بسبب زيادة سعر الأونصة عالمياً الى نحو 1800 دولار، وارتفعت كلفة الشحن. والاستيراد يحصل بهدف إعادة التصدير الى الخارج، فغالبية المنتجات يتمّ استيرادها من تركيا باعتبارها الأرخص على أن يعاد تصديرها الى دول أخرى.
وقال الخبير الإحصائي عباس طفيلي لـ»نداء الوطن» إن «جزءاً من الذهب المستورد يتمّ تصريفه اي بيعه في السوق المحلية، وقيمة كبيرة منه تصل الى لبنان خاماً وتصنّع في داخله على أن تصدّر بعدها. فقد صدر لبنان في العام 2019 الى سويسرا 37 طناً من الذهب وهو رقم كبير، إلا انه تضاءل في العامين 2021 و 2022.
وعن قيمة المستوردات المرتفعة ولو كانت كميتها تضاءلت، لفت الطفيلي الى «أننا نستورد كل تلك المنتجات وبقيمة كبيرة في حين أننا نصدّر القمح الى الخارج بحجة أنه قاسٍ ولا يمكن استخدامه لصناعة الرغيف العربي، في حين أنه ليس لدينا 5 ملايين دولار لاستيراد القمح لزوم خبز يومنا!».
من هو القادر على الإستهلاك؟
واشار الطفيلي الى أن «نسبة 20% من المواطنين ويبلغ عددهم نحو 700 ألف نسمة قادرون على الإستهلاك في لبنان بسبب تقاضي رواتبهم بالدولار أو تصل اليهم تحويلات بالعملة الصعبة من الخارج. هؤلاء لم يتاثروا بالأزمة ولم يتدن مستوى المعيشة لديهم. بل لا يزال هو نفسه كما كان في فترة ما قبل الأزمة. وتوقّع أن نصل في نهاية العام الجاري الى مرحلة تستهلك فيها نسبة 20% من السكان 80% من البضائع المستوردة. وهذا لا يحصل الا في الدول المتخلفة، كما سيصل الإستيراد الى نسبة 120 أو 150% من الناتج المحلي».
وشدّد على ضرورة وضع قيود على رأس المال من خلال اقرار قانون الكابيتال كونترول من دون تشديد القيود على سحوبات عامة الشعب، تماماً كما حصل في قبرص علماً أن عملتها الأساسية هي اليورو وليس كما حصل في لبنان حيث عملتنا الأساسية هي الليرة والبلد تتم دولرته.
تراجع إنتاج واستهلاك الإحتياجات الأساسية
وبالعودة الى الواردات اللبنانية من الخارج، أوضح الطفيلي أن «الإحتياجات الأساسية من حبوب وقمح ولحوم وخضار وفواكه ودواء وملابس… هي أقل بكثير مما كانت قبل الأزمة،» ويلفت هنا الى أنه «بسبب نقص إنتاج البندورة على سبيل المثال تمّ استيراد بندورة بقيمة 7 ملايين دولار وهو رقم كبير نسبة الى حاجات السوق».
بالنسبة الى قطاع الدواء أوضح «أننا حافظنا على قيمة الإستيراد وقللنا الكمية المستوردة لذلك نشهد نقصاً في الأدوية».
تبقى فضيحة قطاع الدواء، اذ كانت بحسب طفيلي قيمة الواردات قبل الأزمة مفتوحة وتبلغ مليار دولار، باتت اليوم بقيمة 270 مليون دولار، نحو 178 مليون دولار قيمة أدوية اساسية مصنّعة و93 مليون دولار مواد أولية مستوردة لاستخدامها في صناعة الأدوية. لذلك هناك نقص في الأدوية، وتركنا الناس لمصيرها في الإحتياجات الأساسية.
فول وتنك… زجاج وخمر
أكد عباس الطفيلي أن «الإقتصاد اللبناني لا يزال غير منتج والسبب، يكمن في اننا، على سبيل المثال لا الحصر، نعفي استيراد المنتجات الغذائية المصنعة مثل علبة الفول من الرسم الجمركي، مقابل الزام صاحب مصنع فول على تسديد رسم على استيراد مادة «التنك» لزوم تصنيع العلبة. الى ذلك، إن زجاجة النبيذ المستوردة كلفتها أعلى من النبيذ الذي يعبأ فيها. فأين الصناعات التحويلية في لبنان لتدوير الزجاج محلياً بدلاً من تصديره الى الخارج، وكذلك الأمر بالنسبة الى مادة الألمنيوم وغيرها من المواد؟