إرتفاع مؤشر الأسعار الإستهلاكية بالدولار 34%

يعتبر مؤشر الأسعار الإستهلاكية، إلى جانب الناتج الوطني، من المؤشرات الإقتصادية الرئيسية في اقتصاد الدول إذ أن له انعكاسات مالية ونقدية واقتصادية كبيرة، وتصل الخسائر التي تلحق باقتصاد الدولة التي تنتج مؤشر أسعار، ترتفع فيه هوامش الخطأ إلى أكثر من 0.1% سنوياً، إلى مليارات الدولارات في الدول الغنية مثل فرنسا وغيرها من الدول الغربية.

وتؤكد تقارير صادرة عن المؤسسة الوطنية للإحصاء والدراسات الإقتصادية الفرنسية INSEE في التسعينات، بأن الإقتصاد الفرنسي يخسر ما قيمته 12 مليار فرنك فرنسي عندما يصل هامش الخطأ في احتساب مؤشر الأسعار إلى 0.1% سنوياً.

ولما كان توزع موازنة الأسرة، تبعاً لأبواب الإنفاق، يلعب دوراً أساسياً في زيادة الدقة في مؤشر الأسعار، تعمد هذه المؤسسة إلى إنجاز دراسة عن موازنة الأسرة الفرنسية كل خمس سنوات، لتعديل معدلات التثقيل في احتساب مؤشر الأسعار الإستهلاكية. ولتفادي هوامش خطأ إضافية في احتساب مؤشرالأسعار تعمد الـ INSEE، إلى يوممة سنوية لمعدلات التثقيل هذه بالعودة إلى الحسابات السنوية الوطنية الفرنسية.

الطرق الحسابية العلمية المطبقة في احتساب مؤشر الأسعار

تعتمد المنظمات الدولية والدول المختلفة في العالم تبعاً للأمم المتحدة على تطبيق متوسطات مختلفة لإحتساب مؤشر الأسعار ومنها المتوسط الحسابي والمتوسط الهندسي وغيرها، ويؤدي اعتماد المتوسط الهندسي في احتساب مؤشر الأسعار، (Moyenne géométrique) إلى تخفيض التضخم بالمقارنة مع المتوسط الحسابي الذي يطبق معادلة (Indice de Laspeyres)، وتطبق فرنسا المعادلة الأخيرة بينما يطبق لبنان المتوسط الهندسي.

هوامش الخطأ في احتساب مؤشر الأسعار

تتعدد أسباب هوامش الخطأ في احتساب مؤشر الأسعار ولا يمكن التطرق في هذه الدراسة إلى مختلف التفاصيل التي يمكن أن تؤدي إلى هوامش خطأ غير مقبولة علمياً وسوف نكتفي في هذه الدراسة بالإشارة إلى معدلات التثقيل لموازنة، تدخل هوامش خطأ مرتفعة جداً في احتساب مؤشر الأسعار في لبنان.

وتعتمد إدارة الإحصاء المركزي في لبنان على موازنة الأسرة المنفذة خلال العام 2012 حيث بلغ متوسط إنفاق الأسرة السنوي حوالى 33 مليون ليرة لبنانية أي ما يوازي في حينه حوالى 22000 دولار أميركي.

ومنذ ذلك التاريخ وبالرغم من التغير الجذري الذي سجلته نفقات الأسر في لبنان خصوصاً خلال الفترة الممتدة ما بين أيلول 2019 وبداية العام 2023، ما زال احتساب مؤشر الأسعار يعتمد على موازنة الأسرة المحتسبة خلال العام 2012.

ولاحتساب المؤشر للفترة الواقعة ما بين 2013 و 2023 بالدولار الأميركي أو بالليرة اللبنانية عمدنا في هذه الدراسة المختصرة إلى يوممة معدلات التثقيل لدى الأسر اللبنانية والى إعادة احتساب مؤشر الأسعار الإستهلاكية بالليرة اللبنانية وتبعاً للمعدلات الجديدة وأجرينا مقارنة مع المؤشر الذي تنشره إدارة الإحصاء المركزي فتبين لنا ما يلي:

الأخطاء في احتساب مؤشر أسعار الإستهلاك في لبنان

يبين الجدول أدناه معدل تغير التثقيل في سلة إستهلاك الأسر، بعد يوممة سلة الإستهلاك للعام 2023 من خلال اعتماد معايير علمية معينة من تطور الأسعار إضافة إلى التغير الحاصل في دخل الأسر ما بين 2019 و 2023، حيث بات احتساب مؤشر التضخم على أساس السلة العائدة للعام 2012 والذي بات يشوبه الكثير من الاخطاء، وقد ظهر ذلك جلياً عند احتساب المؤشر تبعاً للسلة التي توصلنا إليها والمبينة في الجدول رقم 1.

دراسة مقارنة

والدراسة هي ما بين مؤشر أسعار الإستهلاك الذي يعتمد على السلة العائدة للعام 2012 والتي تم تقديرها للعام 2023: سجل مؤشر أسعار الإستهلاك، تبعاً للمعلومات المستنتجة من منشورات إدارة الإحصاء المركزي، تغيرات كبيرة ومتواصلة منذ أيلول من العام 2019 وحتى تاريخ شباط 2023، إذ تراجع مؤشر أسعار السكن بالدولار الأميركي بحدود 89.6% ومع ارتفاع سعر صرف االدولار إلى حدود 100000 ليرة لبنانية تغيرت بنية الإستهلاك عند الأسر اللبنانية بشكل كبير، وحتى نحصل على مؤشر تضخم دقيق إلى حد معقول كان من المفترض أن تتم يوممة التثقيلات المعتمدة باحتساب مؤشر اسعار الإستهلاك كما بيّنا في الجدول رقم 1.

وفي حين يظهر مؤشر الأسعار العام الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي في لبنان بأن الأسعار بالليرة اللبنانية تضاعفت حوالى 28 مرة عند اعتماد موازنة الأسرة العائدة للعام 2012 يتبين لنا بأن هذا المؤشر يمكن أن يتضاعف إلى أكثر من 100 مرة بعد تصحيح التثقيلات العائدة للعام 2012، ويؤدي الإعتماد على السلة الإستهلاكية للعام 2012 إلى أرتفاع هامش الخطأ، في مؤشر الأسعار، إلى ما يزيد على الـ 250% بالليرة اللبنانية بين أيلول من العام 2019 وحتى شباط 2023.

ونقدر تبعاً لحسابات مختلفة وبعد تصحيح التثقيلات الواجب اعتمادها في مؤشر أسعار الإستهلاك بأن نسبة زيادة الأسعار بالدولار الأميركي خلال الفترة الممتدة ما بين أيلول 2019 وشباط 2023 تتجاوز الـ 34% في الحد الأدنى ويمكن أن تصل إلى أكثر من 100%، إذ يتبين بأن المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 169% بالدولار الأميركي، وقد تجاوزت نسبة الغلاء بالدولار الأميركي الـ 262% للمطاعم والفنادق. كما هو مبين في الجدول المرفق رقم 2.

خاتمة

من المفترض أن تعمد إدارة الإحصاء المركزي في لبنان إلى تجديد موازنة الأسرة، التي تعود أرقامها الى العام 2012، كل خمس سنوات تبعاً للمعايير الدولية، حتى تستطيع مختلف المؤسسات المحلية والدولية من استعمال مؤشرات علمية دقيقة تساعد في اتخاذ القرار المناسب لدى المستثمر ولدى العامل والمستهلك.

مصدرنداء الوطن - بشارة نجيب حنا
المادة السابقةدولرة رسوم إشغال الأملاك البحرية… خطوة ناقصة تثير جدلاً طائفياً
المقالة القادمةحميّة خلال مشاركته في ورشة عملٍ في جامعة الدّول العربيّة: لضرورة ترابُط وتكامُل المرافئ والموانئ العربيّة