صحيح أنّ سعر صرف الدولار استقر نسبياً، وأنّ مصرف لبنان أوقف تمويل الدولة، لكن الأزمة الأساسية بقيت تراوح مكانها في 2023، وترحّلت معظم الملفات الاقتصادية والمالية والمصرفية المعقدة الى العام 2024 وما بعده، فما هي:
أولاً- لم يعد هناك، عملياً، اتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد مرور سنة و8 أشهر على توقيع ذلك الاتفاق من دون تحقيق أي تقدم على صعيد تطبيق الشروط الاصلاحية. ولأنّ لا بديل لدى المنظومة الحاكمة، يستمر وزراؤها ونوابها في ادعاء عدم موت الاتفاق ما يثير دهشة خبراء صندوق النقد من «قدرة اللبنانيين على إجادة اللعب بالكلام من دون أي فعل إصلاحي مسؤول».
ثانياً- يُنتظر في شهر شباط المقبل أن تقدّم الحكومة رُزمة مشاريع القوانين الإصلاحية المالية، وفقاً لمهلة منحها رئيس مجلس النواب نبيه بري لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الجلسة التشريعية الأخيرة، لكن مصادر حكومية مسؤولة تستبعد تحقيق خرق على هذا الصعيد، استناداً الى أداء مجلس النواب في طريقة درس مشروع قانون الانتظام المالي (الذي يحدّد مصير الودائع والمصارف) و»الكابيتال كونترول» وموازنة 2024… إذ لم يتبلور بعد في مجلس النواب توجّه إصلاحي جذري، وتستمر الغلبة فيه للشعبويات ورعاية المصالح المصرفية والمالية منذ 2020 عند اسقاط «خطة لازار» وحتى تاريخه.
ثالثاً- يقع العبء أيضاً على حكومة لا تعرف حتى اليوم، رغم مرور 4 سنوات على الأزمة، كيف ستقدّم مشروعاً ينصف المودعين، علماً أنّ الودائع المستمر تسجيلها في دفاتر المصارف تزيد على 90 مليار دولار. وترفض المصارف تحمّل المسؤولية، وتمعن في ممارسة ضغوط تنجح فيها بامتياز، كما حصل خلال درس مشروع قانون هيكلة المصارف في جلسة 29 تشرين الثاني الماضي، ما دفع بالرئيس ميقاتي للرضوخ وتأجيل بتّ مشروع القانون الى 2024.
رابعاً- ما من أحد في لبنان يمكنه معرفة مصير نحو 40 مليار دولار سندات «يوروبوندز» مع فوائدها المتراكمة على لبنان حتى نهاية 2023. فلا تفاوض مع الدائنين الذين ينتظرون تطبيق الاتفاق مع صندوق النقد. لكن الوقت يمر، ولا يمكن لحاملي السندات الأجانب الصمت طويلاً ما يهدّد برفع قضايا ضد لبنان دولياً في 2024. مع الاشارة الى أنّ هناك صندوقاً متصلاً بمؤيدي إسرائيل، من حيث الملكية والإدارة، يحمل كمية كبيرة من تلك السندات، وليس مستبعداً الضغط على لبنان من هذه الخاصرة الرخوة.
خامساً- شهد لبنان في 2023 تهالكاً إضافياً لعدد من البنى التحتية، وسيستمر الاهتراء بسرعة أكبر في 2024 في ظل انعدام تمويل تحديث تلك البنى وصيانتها. كما أنه من غير المعروف هل تعود دورة العمل في الإدارة العامة الى طبيعتها في ظل ضحالة الرواتب والتسيّب وعدم المساءلة.
وتؤكد المصادر الحكومية المعنية أنّ الحركة الاقتصادية التي شهدها لبنان في 2023 قائمة أساساً على اقتصاد «الكاش» مع ما يعني ذلك من تهرب ضريبي وتبييض أموال وتمويل إرهاب، وفقاً لمجموعة العمل المالي الدولية التي تهدّد بوضع لبنان على القائمة الرمادية في هذا المجال في حزيران المقبل. وتضيف: «انّ 2024 ستشهد استحقاقات سياسية تتفوق في أهميتها عند الأطراف المعنيين على أي ملف اقتصادي ومالي. فالجميع ينتظرون ما ستؤول اليه الحرب في غزة وجنوب لبنان، وهناك الاستحقاق الرئاسي المؤجّل بكل تعقيداته المحلية والاقليمية والدولية. فالصراعات السياسية ستؤجل الاستحقاقات الاقتصادية والمالية الى 2024 وما بعد بعد 2024 في ظل الانقسامات الحادة القائمة، والتي لم تنفع معها الضغوط الدولية والعربية حتى الآن، ومن غير الواضح هل ستنفع في 2024 في ظل انشغال العالم بملفات دولية أكبر وأخطر مثل الملف الإسرائيلي الفلسطيني والحرب الروسية على أوكرانيا؟».