“إشتدّي أزمة تنفرجي”… على المصارف والمسؤولين

مرة جديدة يؤكد البنك الدولي ما حذرت منه نخب إقتصادية طيلة الفترة الماضية من مغبة تواطؤ الأقلية السياسية والمصرفية على البلد وكل المواطنين. حيث اعتبر “التقرير” أن “عبء التكيّف الجاري، وتقليص ميزانية القطاع المصرفي تراجعياً بشكل كبير يركزان على المودعين الصغار والغالبية الساحقة للقوى العاملة والمؤسسات الصغيرة. هذا ويؤدي تعدد أسعار الصرف وتسليم الودائع على 3900 ليرة، في الوقت الذي وصل فيه الدولار إلى 15 ألفاً، إلى إرهاق صغار المودعين الذين يفتقرون إلى مصادر دخل أخرى، والقوى العاملة المحلية التي تتقاضى أجورها بالليرة اللبنانية”. فما يحصل منذ بداية الازمة ما هو إلا “عملية استنزاف للمودعين المجبورين على سحب ودائعهم بأي ثمن”، يقول الإقتصادي والمصرفي الوزير السابق عادل أفيوني، “إذ انه في غياب أي حل جدي لإعادة هيكلة جذرية في القطاع المصرفي، يجد المودع نفسه مضطراً إلى سحب ما يستطيع، أو ما يسمح له المصرف، من ودائعه ويتكبد خسارة بين 70 و85 في المئة”. وبحسب أفيوني فان “خطورة ما يحصل لا تنحصر بتحميل الخسارة لكل المودعين قبل توزيعها على البنك والمساهم فحسب، إنما بتحميل المودعين وحدهم عبء الازمة، حتى قبل الإعتراف من قبل المصارف بالخسائر”.

الخسائر الهائلة التي تلحق بالمودعين نتيجة هروب المصارف من تحمل مسؤولياتها، قابلتها خسارة المواطنين قدرتهم الشرائية بسبب السياسات الفاشلة، وفي مقدمها الدعم. حيث اعتبر البنك الدولي أن دعم الصرف الأجنبي الحالي “تشويهياً ومكلفاً وتراجعياً”. فهو يشكل ضغوطاً كبيرة على ميزان المدفوعات، ويحول من جهة أخرى دون زيادة أسعار هذه المنتجات، مما يزيد ضغوط التضخم، ويحد أكثر من القدرة الشرائية للمواطنين. فـ”الدعم الذي اتبع منذ أيلول العام 2019 يحمي في الظاهر الأمن الغذائي، الصحي والإجتماعي، ويشجع في الباطن الإحتكار والتهريب”، برأي الخبير الإقتصادي د. وليد أبو سليمان، “حيث أن أي سلعة تباع بأقل من سعرها الحقيقي ستهرب إلى الخارج. وهذا تجلى في المنتجات الغذائية المدعومة التي وصلت إلى أصقاع الأرض، وبالمشتقات النفطية التي هربت نسبة كبيرة منها إلى سوريا. وبدلاً من وصول الدعم إلى مستحقيه جرى التفريط بحقوق المودعين، وزاد الإستيراد، واستفاد التجار بنسبة 60 في المئة. كما أن دعم استيراد المواد الغذائية بهذا الشكل ولفترة طويلة أضعف الصناعة المحلية، وقلل من قدرتها على منافسة البضائع المدعومة المستوردة. فكانت نتيجته كارثية على مختلف الأصعدة”.

على الرغم من إنفاق لبنان منذ بداية الأزمة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار على الدعم في ظرف سنة و8 أشهر، فقد رجح تقرير البنك الدولي أن يكون أكثر من نصف السكان دون خط الفقر الوطني. وقد أظهرت مسوحات أجراها برنامج الأغذية العالمي في أواخر 2020 أن 41 في المئة من الأسر يصعب عليها الحصول على المواد الغذائية وسد حاجاتها الأساسية الأخرى. ما حدث منذ نهاية العام 2019 هو خطة ممنهجة من قبل السلطة لتحميل المواطنين عبء الأزمة وتحييد نفسها وجماعتها. وليس أدل على هذا التحليل إلا ما ذكره البنك الدولي من أن “تولي الحكم من قبل طبقة نخبوية تستخدم ذريعة الطائفية قناعاً لها، يعتبر أحد أبرز القيود الأساسية التي تعيق التنمية في لبنان”.

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقة«المركزي» يبحث اليوم في «رشوة» سلامة
المقالة القادمةما “لم يقُلهُ” البنك الدولي: السلطة مجرمة!