إشكاليات الموازنة بين الحكومة والمجلس النيابي والشارع

 

 

تعكس مناقشات الحكومة لمشروع موازنة العام 2019 تباينات كبيرة وواضحة بين القوى السياسية في مقاربة مسألة مهمة وحساسة وحيوية للاقتصاد وللوضع النقدي والإداري والعام في البلاد، نظراً لانعكاسات الموازنة على كل أوضاع هذه القطاعات الرسمية وحتى الخاصة، وهي تباينات تعكس أيضاً اختلاف وجهات النظر في إدارة الشأن العام كله لا المالي والاقتصادي منه وحسب، ما يعني كيفية مقاربة القوى السياسية لمسائل أخرى مهمّة مثل إدارة المرافق العامة كلها والتعيينات بكل مستوياتها، ومن الطبيعي أن تتظهّر هذه التباينات في معالجة مسائل مثل وقف الهدر وخفض العجز ومكافحة الفساد وإصلاح الإدارة.

ومن المفيد الإشارة إلى أن الحمايات السياسية لكل العاملين في مرافق الدولة تحول دون تحقيق خطوات وإجراءات فعّالة لمعالجة ما تعهّدت به الحكومة والقوى السياسية منفردة ومجتمعة من مكافحة الفساد وبالتالي وقف الهدر، وبالتالي من الطبيعي أن يرتجل كلّ طرف سياسي إجراءات واقتراحات للتصحيح تناسب مصالحه وتعارض ما يتعارض معها، وهي مصالح فئوية وطائفية ومناطقية.

ومن هنا نجد مثلاً أن الإشكالية التي اعترضت مناقشة وإقرار الموازنة في مجلس الوزراء تتعلّق بحرص كلّ طرف سياسي على عدم المسّ بما يضرّ بمصالحه، وهي إشكالية ستنتقل إلى المجلس النيابي بعد إحالة الموازنة إليه، مضافاً إليها مسألة قطع الحساب المرتبط ارتباطاً وثيقاً وعضوياً بالموازنة، والذي من المفروض عدم إقرارها من دون إقراره قبلها أو بعدها مباشرة، وهو أمر دونه عقبات حتى الآن، يسعى وزير المالية إلى معالجتها ويبدو أنه توصّل إلى حلّ لها عبر وضع قطع حساب للعام 2017، ويسعى لوضع قطع حساب العام 2018 في نهاية السنة، لكن من المفروض أن يُحال قطع الحساب الجاهز إلى المجلس مع مشروع الموازنة النهائي ليجري بحثهما معاً، لتستقيم الأمور المالية والنقدية للدولة ومؤسساتها وإداراتها.

وفي حال تأخرت لجنة المال والموازنة النيابية في مناقشة وإقرار الموازنة وقطع الحساب – إذا أحيل معها – إلى ما بعد شهر أيار الحالي، فسيضطر المجلس إلى استصدار قانون جديد يسمح بموجبه للحكومة بالصرف مجدداً على القاعدة الإثني عشرية بعد نفاذ مهلة القانون السابق آخر أيار. فهل هذا الأمرمتوافر في المجلس؟ وهل سيمرّ مثل هذا الموضوع بسهولة؟ وهل سيتمكّن المجلس من إنجاز الموازنة خلال شهر حزيران بسهولة، في ظلّ الخلافات القائمة حول الإجراءات التي اتّخذت في الموازنة للحدّ من الهدر وخفض الانفاق والعجز وزيادة الرسوم والضرائب، أم تتعقّد المناقشات كما تعقّدت في الحكومة؟ فالحسابات بين قوى الحكومة قد تختلف إلى حدّ ما في حسابات القوى السياسية البرلمانية، وبعضها معارض وغير ممثّل في الحكومة، ولدى قوى المعارضة مواقف مختلفة كثيراً عن قوى الحكم، وربما تضيء على مسائل مهمّة وأساسية لم تتطرّق إليها الحكومة.

ومع أن التقديرات السياسية تُشير إلى أن الموازنة ستمرّ في المجلس بنهاية المطاف ولو بتعديلات قد تكون مؤثرة إلى حدّ ما أو غير مؤثرة، إلا أن الاقتطاعات المالية والإجراءات الضريبية المباشرة وغير المباشرة التي فُرضت على جيوب المواطنين، قد تبشّر بتحرّكات شعبية كبيرة وضخمة لا تستطيع معها الحكومة التحرّك بحرية وسهولة، وقد تضطر الدول المانحة في مؤتمر “باريس – سيدر” إلى اتّخاذ موقف ما بشأنها خاصّة إذا هزّت الاستقرار الهشّ أصلاً الذي يعيشه لبنان.

 

بواسطةغاصب المختار
مصدرليبانون فايلز
المادة السابقة“إنجاز” سيعيد الثقة الى المجتمع الدولي بقدرة لبنان على الإصلاح
المقالة القادمةالحسن وجريصاتي: خطة عمل مشتركة في مجال البيئة