لا يهوى العاملون بالمؤسسات العامة والمصالح المستقلة الإضراب، إنما يلجأون إلى التوقف عن العمل لإيصال صوت تسعى الحكومة بشتى السبل والوسائل إلى خنقه، من خلال قرارات ومراسيم تتجاوز الإجحاف لتعكس سياسة الإذلال المتعمّدة. فالحكومة حين أقرت مرسوم زيادة الحد الأدنى للأجور متعمّدة شطب بند غلاء المعيشة، كانت على يقين بأن فعلتها لن تمر على العاملين المستهدفين من المرسوم. لكنها لم تأبه واستمرت بقرارها المجحف.
حذف بند زيادة غلاء المعيشة من المرسوم الحكومي دفع بالقطاعات الحيوية إلى الإضراب. فالعاملون بالمؤسسات العامة والمصالح المستقلة حُرموا من زيادة رواتبهم 9 ملايين ليرة، كانوا قد وُعدوا بها قبل إقرار المرسوم من الحكومة نفسها، لتُضاف إلى جريمة حرمانهم من الطبابة والاستشفاء وتعويضات نهاية الخدمة.
إضراب القطاعات لم ينته
بدءاً من يوم الجمعة الفائت 19 نيسان دخل العاملون في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة إضراباً عاماً لمدة أسبوع حتى يوم الخميس 25 نيسان، كإنذار قبل الدخول بإضراب مفتوح، ما لم يتم التجاوب مع مطالبهم المعيشية.
ويأتي على رأس مطالب العاملين بالمؤسسات العامة، زيادة غلاء المعيشة إلى رواتبهم. فالحكومة أقرت مرسوم زيادة الأجور للقطاع الخاص من دون زيادة غلاء المعيشة البالغة قيمتها 9 ملايين ليرة. وكانت “المدن” قد لفتت في تقرير سابق لها كيف خدعت الحكومة الموظفين وأقرت مرسوماً يختلف عما تم الاتفاق عليه.
وقد تضمن المرسوم في مادته الأولى تحديد الحد الأدنى الرسمي للأجور بـ18 مليون ليرة، وفي مادته الثانية تضمن زيادة غلاء المعيشة وقدرها 9 ملايين ليرة، وفي المادة الثالثة الحد الأدنى الرسمي للأجر اليومي بقيمة 820 ألف ليرة. وبعد حذف الحكومة البند الثاني بات المرسوم مجتزأ.
فمن يقل راتبه عن 18 مليون ليرة سيتقاضى 18 مليوناً. أما باقي العاملين في القطاع الخاص، ومنهم موظفو المؤسسات العامة والمصالح المستقلة باعتبارهم خاضعين لقانون العمل، الذين يتقاضون أكثر من 18 مليون ليرة، فلن ينالهم شيء بعد حذف غلاء المعيشة.
خدمات حيوية
شمل الإضراب كافة المؤسسات العامة التي أيدت وتبنّت مطالب اتحاد النقابات العمالية للمصالح المستقلة والمؤسسات للعامة. ومن المؤسسات المتوقفة عن العمل كليّاً تلك التي تقدّم خدمات حيوية، كنقابة مستخدمي هيئة أوجيرو ونقابة مستخدمي وعمال النقل المشترك ونقابة مستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان، باستثناء الاستثمار في معامل الانتاج والمناوبين في محطات التحويل الرئيسية ومصلحة التنسيق.. وكل ما يشكل خطراً على السلامة العامة.
وتوقَّفَ الموظفون عن العمل رغم حضورهم إلى مكاتبهم، في حين أبقت بعض المؤسسات على عدد قليل من خدماتها، منعاً لانقطاعها بشكل نهائي عن المواطنين، وتحديداً في قطاعيّ الكهرباء والاتصالات.
وفي حديث لرئيسة نقابة موظفي أوجيرو إميلي نصار مع “المدن”، أكدت أن الإضراب مفتوح على كل احتمالات التصعيد. فالحل بيد الحكومة، “ونحن لن نتنازل عن حقوقنا لاسيما أننا نفتقد للتغطية الاستشفائية، بعد أن خسرت رواتبنا وتعويضات نهاية الخدمة قيمتها، لتأتي الحكومة اليوم وتحرمنا من غلاء المعيشة. علماً أنه لم يصدر مرسوم زيادة الأجور يوماً من دون غلاء معيشة”.
وحسب اتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المستقلة الداعي للإضراب، فلا عودة عن المطالب ولا عن الإضراب. وقد تولى رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر مهمة التفاوض مع الحكومة، من أجل عودتها عن قرارها المجحف، الذي يُعد سابقة في تاريخ العمال، أدى إلى حرمانهم من زيادة غلاء المعيشة بسبب تشبث بعض الهيئات الاقتصادية بسياسة هدر الحقوق.
توسيع دائرة المطالب
فتحت عملية قضم الحكومة لحق العاملين بالقطاع الخاص والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة الباب عليها على مطالب ومستحقات اخرى. فالمتقاعدون من تلك المصالح يخسرون تعويضاتهم، والضمان يخسر إيرادات مالية. وكل ذلك ناتج عن قرارات الحكومة غير المدروسة. من هنا رفع العاملون المضربون سلة مطالب ولم تقتصر مطالبهم على استعادة بند غلاء المعيشة فقط.
وفي حين يرفض اتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المستقلة تعديل مرسوم الحد الأقصى للكسب الخاضع للحسومات لفرع ضمان المرض والأمومة، المحدد بـ5 أضعاف الحد الأدنى للأجور، يؤكد مطالبه الأخرى المتمثلة بإقرار زيادة غلاء معيشة، وتغطية صحية كاملة تشمل الفروقات الطبية الاستشفائية، وإعادة القيمة الشرائية للرواتب والأجور وتصحيحها، وإعادة القيمة الشرائية لتعويضات نهاية الخدمة، وتأمين الاعتمادات لتغطية مستحقات العاملين في المؤسسات العامة.
وتقول نصار “لسنا هواة إضرابات فنحن مسؤولون عن أمن البلد لجهة الاتصالات. ولم نتأخر يوماً عن القيام بواجباتنا. غير أن حياتنا وحياة عائلاتنا باتت على المحك. ونحن لا نتقاضى ما يؤمن لنا الحد الأدنى من المعيشة، على غرار باقي مؤسسات القطاع الخاص أو الإدارات العامة”.
وفي إطار الحديث عن غلاء المعيشة، لا بد من الإشارة إلى أن اتحاد النقل الجوي تلقى بدل زيادة غلاء المعيشة (9 ملايين ليرة لكل موظف) من شركة طيران الشرق الأوسط “الميدل إيست” عوضاً عن الدولة. وذلك بعد خيبة الأمل التي مني بها العمال مع صدور المرسوم الحكومي من دون مراعاة الوضع المعيشي للعمال.