من جديد، دخل موظفو الادارات العامة في دائرة الاضراب، وأطلقوا جرس الإنذار من تحويله مفتوحاً بعدما ضاقت بهم السبل وفتكت مرارة الأزمات الاقتصادية والصحّية والمعيشية بحياتهم، وأجبرتهم على الخيار المرّ، وهو الامتناع قسراً عن العمل لأنهم غير قادرين على الاستمرار.
إضراب الموظفين يعود إلى سياسة المماطلة التي تنتهجها حكومة تصريف الأعمال التي لم تفِ بوعودها، إذ لم تلحظ بمشروع موازنتها الذي صدّق في مجلس النواب قبل أيام، تلبية ولو جزء من مطالبهم الملحّة، لتأمين استمرارية أدائهم واجباتهم الوظيفية من جهة، والعيش كمواطنين بكرامة من جهة أخرى.
وعلى خلفية هذه القناعة ووعود حكومية، جاء الإضراب شاملاً في الدوائر الرسمية، ولا سيما في سراي صيدا، تلبية لدعوة رابطة موظفي الإدارة العامة، ويستمر حتى التاسع من شباط، وتتخلله تحركات تصعيدية ومنها وقفة احتجاجية صباح اليوم في الباحة الداخلية.
في السراي، لم تفتح أي دائرة أبوابها باستثناء المنطقة التربوية التي واصلت التحضير لتسليم لوائح الطلاب تمهيداً للامتحانات الرسمية، إضافة إلى تسليمها مديري المدارس في القرى الحدودية أجهزة الكمبيوتر لطلابهم النازحين من قراهم لمتابعة دراستهم عبر “أونلاين”.
ويقول عضو الرابطة رئيس دائرة الصناعة في محافظة لبنان الجنوبي ذيب هاشم لـ”نداء الوطن”: “إن الموظفين ليسوا هواة إضراب، بل هم طلاب عدالة اجتماعية، وسبب الإضراب هو عدم القدرة على الاستمرار في العمل لأن الموظفين لا يستطيعون العيش على الوعود والمماطلة في زيادة رواتبهم”.
في العام 2022، زادت الحكومة الراتب إلى ثلاثة أضعاف وكان سعر صرف الدولار الأميركي نحو 50 ألف ليرة لبنانية، وفي 2023 رفعوه إلى سبعة، بينما سعر الصرف يقارب 90 ألفاً، وفي كل مرة يقطع المسؤولون وعوداً بأنّ ذلك مؤقّت بانتظار إعداد مشروع متكامل لسلسلة الرتب والرواتب، ولم تبصر النور بعد.
وتساءل هاشم “كيف سيعمل الموظف وهو لا يجد قوت يومه، ولا يستطيع الانتقال إلى مركز عمله”؟ مستغرباً تناقض مواقف المسؤولين “فأحد الوزراء يقول إن الموارد زادت بعد عودة الموظفين عن الإضراب بشكل كبير جداً، ولكن للأسف لم نحصل على شيء منها، لا نريد راتباً كبيراً جداً، ولا حتى كبيراً، بل ما يوازي غلاء المعيشة كي نعيش بكرامة”.
ويتّفق الموظفون على أن إجحافهم لا يقتصر على عدم زيادة رواتبهم لتتناسب مع قيمة صرف الدولار الأميركي، بل رفعوا الضرائب في موازنة العام 2024، ما يعني بعد إقرار الموازنة فرض ضرائب ورسوم على شعب نهبوا كلّ ما يملك في المصارف، وعلى موظّف ينفَّذ “هيركات” كامل جائر على راتبه، وعلى كلّ مستحقّاته من تغطية صحيّة وتقديمات تعليميّة واجتماعيّة”.
وخارج حدود السراي، التزمت هيئة إدارة السير والآليات (النافعة) في صيدا بالإضراب التام رفضاً للحال التي وصل إليها الموظفون، وسعياً لحث الحكومة على إيجاد الحلول السريعة لتحسين أوضاعهم، وذلك بعد شهر ونيف على بدء انتظام عملها وإدخال موارد مالية مهمة إلى خزينة الدولة.
خلاصة القول، يمضي الموظفون في إضرابهم وسط خشية تنتاب بعضهم من الإصرار الرّسمي على استكمال إنهاء الإدارة العامّة وموظّفيها، داعين كلّ المعنيّين “للمسارعة إلى تصحيح الرّواتب والمستحقّات كافّة ذات الصّلة، وفقاً لمؤشر الأسعار وبنسبة ما خسرته”.