يستعدّ مصرف لبنان لإعادة إطلاق منصة «بلومبرغ» الخاصة بعمليات شراء وبيع الدولار وسائر العملات الأجنبية في السوق. يأتي ذلك بعد نحو سنة على إقفال منصة صيرفة التي أطلقها الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة، إذ تعهّد الحاكم بالإنابة وسيم منصوري بوقفها فور تسلّمه، علماً بأنه في الأيام الأخيرة التي سبقت تسلّمه المنصب أنفق مصرف لبنان أكثر من 400 مليون دولار من موجوداته بالعملات الأجنبية لتغطية ممارسات سلامة عبر صيرفة.
وتثير منصّة بلومبرغ الكثير من التساؤلات بشأن استعادة مصرف لبنان للسياسات النقدية السابقة، إذ إنها مجرّد منصّة مخصّصة للعرض والطلب لا تمثّل أيّ تغيير بنيوي في هذه السياسات، بل تختلف عن المنصّة السابقة في الشكل، إذ إنها منصّة مفتوحة أمام كل الأطراف في السوق، وستكون العمليات عليها مكشوفة وتخضع لقواعد الامتثال بطريقة واضحة، أي أن مراقبتها من قبل وزارة الخزانة الأميركية أسهل. فالهدف الأساسي من «بلومبرغ»، بحسب أوساط مالية، إراحة المركزي من الضغوط الأميركية المتعلقة باقتصاد الكاش، ولا سيما أن الضغط زاد في الآونة الأخيرة مع الحرب العدوانية على قطاع غزة وجنوب لبنان. سابقاً، كانت عملية ملاحقة الأموال تتمّ عبر المصارف المكشوفة على نظام «سويفت» والمصارف المراسلة، كما يتدخل المركزي في الأسواق سواء عبر ضخ الدولارات أو سحبها. أما الآن، وبعد إفلاس المصارف وتعطل عملها كأداة وسيطة وقناة للمركزي، أصبحت خيوط التتبّع مقطوعة في لبنان، لذا لا بدّ من إيجاد آلية جديدة لإعادة كشف الحركة المالية في السوق. وهنا يقال أيضاً إنّ إطلاق «بلومبرغ» سيأتي بدعم مباشر من صندوق النقد الدولي لتكون الوعاء الذي ستنفذ فيه عمليات البيع والشراء.
يذكر أنّ المصرف المركزي في الفترة الأخيرة نفّذ، ولو بشكل غير معلن، شروط صندوق النقد الدولي، إذ أصبح سعر الصرف محرّراً، وباتت قيمة الليرة تعبّر عنها التداولات في السوق، ما يعكس النشاط الاقتصادي في الداخل ومع الخارج. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ المركزي يستفيد من الحالة السائدة في الأسواق للمحافظة على ثبات سعر الصرف عبر شراء الليرات لتجفيف السوق منها، وزيادة دفق الدولارات، وما ستقوم به «بلومبرغ» الآن هو ملاحقة الأموال، ليكون مصدرها معروفاً ومدققاً ويمكن تتبّعه، على أن تكون شفافة بعكس صيرفة التي ابتعدت عن قواعد العمل الدولية، ومعايير الامتثال.