إعادة الهيكلة… قبل سقوط “الهيكل”

مارد الوعي حوّل جوهر الأزمة الإقتصادية، خرج في 17 تشرين الأول من قمقم التأطير الرسمي ولن يعود اليه. حقيقة أرعبت السلطة ودفعت بعض أركانها إلى الإستقالة والترقب، فيما ظهر حجم تأثير الرأي العام على قرارات من بقي منهم في سدّة الحكم.
الضغط الشعبي الذي مورس مادياً ومعنوياً في وجه السلطة باتجاه رفض تسديد الدولة لاستحقاق آذار من سندات “اليوروبوندز”، وضرورة الإستعانة بالخبرات الدولية أثمرا نجاحاً… ولو أنه لا يزال خجولاً. “إلا أن من يعرف طريقة عمل الإدارة السياسية الملتوية وتحديداً للفئة الممسكة بزمام الحكم عليه ان يقلق، ليس بسبب انعدام قدرتهم على إلاصلاح فحسب، إنما لمحاولاتهم التهرب من المسؤولية ورميها على المعارضين”. خلاصة اتفق عليها ممثّلون عن كل من “الحزب الشيوعي اللبناني”، “بيروت مدينتي”، “المرصد الشعبي”، “تحالف وطني”، “لحقّي”،”عاميّة 17 تشرين”، “مجموعة القنطاري”، و”لبنان عن جديد”، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده حزب “الكتلة الوطنية” لشرح الأسباب الموجبة للإمتناع عن الدفع والخطوات العمليّة لإعادة هيكلة الدين العام.

الدولة تتحمّل النتائج

القرار بالتوقف عن دفع استحقاق آذار من “اليوروبوندز” الذي تؤيده مختلف الجمعيات والتنظيمات المنضوية تحت راية الثورة، لا يعني من وجهة نظر عضو “عامية 17 تشرين” جهاد فرح “أن يحمّلونا النتائج المترتبة عن عدم دفع السندات، في حال لم تكن الطريقة منظمة أو مدروسة ومترافقة مع خطة شاملة وواضحة”. وبرأي فرح فإن “الخوف الأكبر أن تهمل هذه السلطة الخطة الجدية وتكون حجتها الوحيدة للتوقف عن الدفع هي النزول عند رغبة اللبنانيين”.

التهرّب من المسؤولية والتعمية على الحقيقة هما الحقيقتان الوحيدتان اللتان تطبعان عمل هذه السلطة. في حين أن “البوصلة يجب ان تكون مصلحة الشعب اللبناني”، يقول عضو المرصد الشعبي لمكافحة الفساد جورج عازار، وبرأيه فإن “الطريقة التي ركب فيها الدين العام وتلك التي يعالج على أساسها غير عادلتين بالنسبة الى المودعين والشعب وبنية الدولة. لذلك فإن من المهم اليوم أن يكون التركيز في المعالجة على مصلحة صغار المودعين للمحافظة على ودائعهم، ومن ثم الدخول في عملية اصلاح شاملة بإعادة هيكلة الدين العام”.

هذه الخطة التي تحوّلت إلى مطلب عام، ما زال ينقصها بحسب الأمين العام لـ”الكتلة الوطنيّة” بيار عيسى “توافر أمرين: المعلومات ومعرفة أسباب الأزمة وإلا ستقتصر معالجتنا على ظواهر الأزمة.

ويلفت عيسى إلى أنّ “المعلومات غير متوافرة لأنّ سياسة الدولة والمصرف المركزي قائمة على التعتيم. فليس بمقدورنا أن نعرف ما هي الأرقام لجهة احتياطي مصرف لبنان والربح والخسارة لديه، وقطع حساب الدولة التي تقرّ موازنات من دونه، في حين أنّ وضع الخطة يتطلّب شفافيّة كاملة كي تكون فعّالة”.

مصلحة المودعين أوّلاً

قرار الامتناع عن الدفع وإعادة هيكلة الديون الذي ما زال يتأرجح بين القبول والرفض وانصاف الحلول، يجب ان يؤخذ فوراً. و”اذا تجاهلنا كل الاسباب الموجبة الاقتصادية والمالية يبقى أنّ القوانين تحفظ الأولويّة للمودعين على حساب حقوق حاملي السندات، فكيف اذا علمنا ان استحقاقات العام 2020 من سندات اليوروبوندز التي تصل قيمتها الى 4.5 مليارات دولار تساوي الودائع المستحقة لحوالى مليونين من صغار المودعين في المصارف”، يؤكد عضو “اللجنة التنفيذيّة” في “الكتلة” روبير فاضل. ويرى فاضل أن “بالاضافة الى أولوية إعطاء الافضلية للمودعين، فإن هناك أسباباً أخرى تحتّم التوقف فوراً عن الدفع، ومنها:

– ضرورة إعطاء الأولوية لتوظيف إحتياطي مصرف لبنان بالعملات الصعبة في تغطية الاحتياجات الأساسيّة للمواطنين من قمح ومحروقات وأدوية وغيرها، والتي تقدّر قيمتها بين 5 و7 مليارات دولار سنوياً.

– دعم القطاع الخاص، لأن عدم توفر العملات الصعبة ستكون له نتائج كارثيّة على النشاطات التجاريّة والصناعيّة والزراعيّة، وسيؤدّي إلى موجة جديدة من الصرف من العمل ولا سيّما أنّ ما يقارب الـ 220 ألف لبناني سبق أن خسروا وظائفهم في القطاع الخاص، بحسب إحصاءات Infopro”.”طريق” المعالجات

ويُشدّد فاضل على أن “المعالجات يجب أن تقوم على المحاور الآتية:

ـ وقف مسارب الهدر والفساد عبر تفعيل أجهزة الرقابة وضمان استقلاليّة القضاء وإصلاح القطاع العام واعطاء الاولوية للكهرباء.

ـ تعزيز إيرادات الدولة الضريبيّة وتوزيعها بشكل أكثر عدالة على المواطنين، عبر اعتماد الضريبة التصاعديّة، وإلغاء الإعفاءات الضريبيّة، وفرض ضريبة استثنائيّة لمرّة واحدة على كبار المودعين، ومكافحة التهرّب الضريبي والجمركي.

ـ خطة لتحصين شبكة الأمان الإجتماعي وحماية الطبقات الأكثر عرضة لنتائج الأزمة الاقتصاديّة.

ـ خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

ـ خطة لتحويل الاقتصاد من خلال دعم القطاعات المنتجة التي لديها قدرة تنافسيّة تتيح لها التصدير وتخلق فرص عمل للبنانيّين وتنمّي مناطق الأطراف”.

“في الأسابيع الثلاثة الأخيرة سجّل مستوى الوعي عند مختلف المواطنين إرتفاعاً لم نشهده خلال ثلاثين عاماً”، تلفت عضو جمعية “بيروت مدينتي” زينة عبلة. وتضيف أن “الجميع أصبح يرى بوضوح الترابط بين السياسة والإقتصاد الذي ظل مجهولاً لفترة طويلة”.

هذا الوعي من وجهة نظر الثوار سوف يتبلور في الأيام القادمة مزيداً من التصعيد في وجه السلطة، في المراقبة والمحاسبة وعدم السماح بتمرير قرارات تتعارض مع مصالح السواد الأعظم من الشعب اللبناني.

مصدرخالد أبو شقرا - نداء الوطن
المادة السابقة210 مليون دولار كمساهمة نقدية في زيادة رأس مال “بنك عودة”
المقالة القادمةمصرف لبنان نفى علاقته بالتعميم 107