أشار تقرير صدر حديثاً إلى أن سلاسل القيمة العالمية تشهد كثيراً من التحولات الجوهرية التي تتزامن مع التوجه نحو نماذج عمل جديدة، تركز على تعزيز القيمة المضافة للمنتجات، ورفع قدرة سلاسل القيمة على تحمل الصدمات، وتمكين مستهدفات الاستدامة بدلاً من نماذج العمل التي تركز أساساً على عنصر كفاءة التكلفة.
وقال التقرير الصادر من شركة «استراتيجي آند الشرق الأوسط» إنه في ضوء هذه التوجهات والمعطيات الجديدة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون أمامها فرصة واعدة لجذب سلاسل القيمة العالمية للمنطقة، معتمدةً على ما تزخر به من مقومات، وفي مقدمتها وفرة مصادر الطاقة النظيفة منخفضة التكلفة، والموقع الجغرافي الجاذب، والبنية الصناعية واللوجستية القوية، بما يؤهل دول المنطقة إلى الانطلاق نحو مرحلةٍ جديدةٍ من النموّ الاقتصادي.
وتشير «استراتيجي آند الشرق الأوسط» إلى أن سلاسل القيمة العالمية تتخذ اتجاهاً جديداً يتسم بسرعة التحول من نماذج العمل، التي تركز أساسًا على عنصر كفاءة التكلفة، إلى نماذج العمل والصناعات التي تعزز من القيمة المضافة، والقدرة على تحمل الصدمات، والمرونة التشغيلية لسلاسل القيمة.
وزادت: «بفضلِ ما تتمتع به دول منطقة مجلس التعاون الخليجي من مزايا منقطعة النظير، فإن هذه الدول لديها فرصة تاريخية للاستفادة من مواردها المحلية لتعزيز مشاركتها ودورها الفاعل في سلاسل القيمة العالمية عن طريق الروابط الخلفية، بما يسهم في دعم الابتكار والتصنيع الوطني ودفع عجلة الإنتاج المحلي».
وقال الدكتور يحيى عانوتي، الشريك في «استراتيجي آند الشرق الأوسط»: «تتخذ الدول في جميع أنحاء العالم مبادرات جادة وفاعلة لإعادة تشكيل قطاعاتها الصناعية عن طريق التركيز على الابتكار والاستثمار في التقنيات والمنتجات والخدمات الرائدة عالمياً، مستفيدةً من مواطن القوة التي تتمتع بها. وفي هذا الصدد، يمكن لدول منطقة مجلس التعاون الخليجي استغلال موقعها الجغرافي المتميز، وثرواتها الوفيرة من مصادر الطاقة المتجددة، وبنيتها التحتية القوية، بما يؤهلها لأن تكون قطباً لسلاسل القيمة العالمية».
وبالعودة إلى التقرير الذي أكد أن دول المنطقة تمكنت لفترة طويلة من تحقيق معدلات النمو المنشودة عن طريق تصدير السلع الأساسية، ومن بينها النفط والكيماويات، التي يجري بعد ذلك معالجتها وتحويلها إلى منتجات عالية القيمة في دولٍ أخرى. وإذا كانت لدى هذه الدول الرغبة الصادقة في تحقيق النمو الاقتصادي طويل الأمد، فإن الأمر سيتطلب منها تعزيز القيمة المضافة التي تتمتع بها منتجاتها.
وترى «استراتيجي آند»، وهي جزء من شبكة «برايس ووتر هاوس كوبرز»، في تقريرها الصادر مؤخراً، بعنوان «إعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية»، أنه ينبغي على دول المنطقة التوجه نحو المشاركة في سلاسل القيمة العالمية عن طريق «الروابط الخلفية»، بما يتضمن استيراد أو استخدام مواد خام محلية لإنتاج مكونات متطورة ذات قيمة مضافة، مثل أشباه الموصلات، وسلع جاهزة مثل الإلكترونيات. ومن شأن هذه الاستراتيجية جذب سلاسل القيمة العالمية للمنطقة، بما يسهم في تعزيز الإنتاج المحلي والنمو الاقتصادي لدول المنطقة.
وقالت «استراتيجي آند الشرق الأوسط» إنه ينبغي على دول المنطقة توجيه النظر إلى ما تتمتع به من مزايا منقطعة النظير وإيجاد صيغة جديدة لاستخدام مواردها بما يخدم مصالحها ويحقق مستهدفاتها. فبدلاً من تصدير الهيدروجين، على سبيل المثال، يمكن لحكومات المنطقة إقامة تجمعات صناعية وبنى تحتية وطنية لخلق فرص استثمارية داخل المنطقة في كثير من المجالات، منها تصنيع الأمونيا، أو الصلب الأخضر، أو الزجاج.
من جانبه، قال جورجي سعد، المدير الأول في «استراتيجي آند الشرق الأوسط»: «رصدنا 11 سلسلة قيمة عالمية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تطويرها بفضل ما تتمتع به من وفرةٍ في مصادر الطاقة والمواد الخام. من بينها رقائق السليكون، والفولاذ الأخضر، والهياكل الهوائية المصنعة من مادة التيتانيوم، وغيرها من المنتجات».
وأضاف: «تشير تحليلاتنا إلى أنّ توطين هذه المنتجات من شأنه أن يسهم في جذب استثمارات أجنبية مباشرة محتملة للمنطقة بقيمة 300 مليار دولار، واستحداث نحو 150 ألف فرصة عمل جديدة، وتعزيز الصادرات غير النفطية بقيمة 25 مليار دولار أمريكي سنوياً».
ويوصي التقرير بأن تعمل الجهات المعنية في منطقة مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ التدابير التالية لاغتنام الفرصة وقيادة جهود تطوير سلاسل القيمة العالمية الجديدة.
وتابع: «ينبغي على حكومات المنطقة إبرام شراكات واتفاقيات تجارية مع الدول المستوردة، بما يعزز من المزايا التنافسية التي تتمتع بها كل دولة، ويسهم في بناء سلاسل قيمة عالمية مرنة قادرة على تحمل الصدمات ومستدامة. كما ينبغي على حكومات المنطقة مد جسور التعاون مع منشآت الأعمال، لصياغة التدابير الموجهة لكل مكون من المكونات ذات الأولوية في سلاسل القيمة العالمية، بما يتضمن تقديم حوافز مالية في صورة منح استثمارية رأسمالية، ودعم مالي لمدخلات الإنتاج، وأدوات للتمويل، وضمانات للطلب».
يذكر أن الحكومة السعودية وقعت في أبريل (نيسان) 2022 اتفاقية مع مجموعة لوسيد لتصنيع السيارات، تقدم المملكة بموجبها ضمانات للشركة بشراء ما لا يقل عن 50 ألف سيارة كهربائية خلال 10 سنوات. علاوةً على ذلك، يمكن للحكومات اتخاذ المبادرات اللازمة لتمويل جهود الابتكار، وإقامة مدن صناعية ومناطق اقتصادية خاصة مدعومة تقنياً ومبنية على مفهوم الاقتصاد الدائري بالتركيز على القطاعات ذات الأولوية.
وشدد جايانث مانتري، المدير في «استراتيجي آند الشرق الأوسط» على أن «ثمة فرصة واعدة أمام دول منطقة مجلس التعاون الخليجي لتكون قطباً بسلاسل القيمة العالمية عبر مجموعة متنوعة من الصناعات، وإطلاق العنان لفرص التنمية الاقتصادية البارزة، وتنويع الاقتصاد».