يحتل ملف إعادة أموال المودعين حيزاً كبيراً من نقاشات السياسيين والمصرفيين والخبراء والناس العاديين منذ إندلاع الأزمة قبل ثلاث سنوات، من دون أن يحصلوا (أي المودعين) على أجوبة تطمئنهم على مصير جنى أعمارهم. بل على العكس تماماً، الحلول التي يتم تسويقها تشي بأن المنظومة السياسية المصرفية تضيّع المزيد من الوقت من خلال طروحات لم تُؤت ثمارها حتى الآن، واذا نفذت الوعود فانها ستأخذ عقوداً طويلة إذا سارت الامور كما يتم إفتراضها في الخيال اليوم.
من هذه الطروحات ربط تحقيق النمو الاقتصادي وعودة التدفقات المالية بإعادة تكوين الودائع تدريجياً. علماً أن مجلس النواب يناقش حالياً قانون إستعادة التوازن المالي، الذي يحتل بند إعادة أموال المودعين جزءاً اساسياً منه. وتتبارى الكتل النيابية في تسجيل النقاط على الحكومة التي إقترحت في 30 حزيران 2022 إنشاء صندوق لحماية حقوق المودعين، من دون أن تقدم إلى الآن أرقاماً والتزامات نهائية مبنية على اساس علمي قابل للتنفيذ. وهذا يعني أن هذا الملف لا يزال يدور في حلقة مفرغة.
هل تحقيق النمو الاقتصادي وعودة التدفقات المالية على المصارف، هو الأمل الوحيد الذي على المودعين الرهان عليه لإستعادة أموالهم؟ أم أنه اقتراح غير واقعي لأسباب علمية وموضوعية؟ «نداء الوطن» إستمزجت آراء وزراء سابقين ومصرفيين وإقتصاديين حول هذا الطرح. فكانت المقاربات من زوايا متعددة، لكنها أجمعت على نقطة أساسية هي: من يراهن على النمو الاقتصادي لإعادة أموال المودعين، كمن يبيعهم السمك في البحر!!!
كنعان: الحل عبر قانون التوازن المالي… والمسؤولية على المصارف ومصرف لبنان والدولة
يقارب رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ملف إعادة أموال المودعين من زاوية قانون إعادة التوازن المالي الذي تدرسه لجنة المال والموازنة في مجلس النواب حالياً، ولا سيما «صندوق التعافي لحماية المودعين» المنصوص عنه في القانون. ويكرر لـ»نداء الوطن» موقفه الذي سبق أن أعلنه من مجلس النواب. فيقول: «المودع لا ذنب له في تحمل كل هذه التبعات منذ بداية الازمة، في حين أن المصارف ومصرف لبنان والدولة، هي من تتحمّل مسؤولية في هذا الموضوع». مشدداً على أن «هذا هو موقفي منذ 3 سنوات الى اليوم. ولذلك رفض النواب المستقلون وكل الكتل في إجتماع لجنة المال الاخير الصيغة التي وردت من الحكومة للانتظام المالي، وذلك بعد 3 سنوات على الانهيار ومن دون أرقام نهائية. وطالبت الحكومة ومصرف لبنان والمصارف بتحمل المسؤولية».
ويسأل كنعان: «كيف علينا معالجة فجوة مالية تقول الحكومة إنها تبلغ 73 مليار دولار، وليس لدينا الحجم الحقيقي للودائع ولا موجودات المصارف، التي هي مسؤولة ولم يتم تقييم موجوداتها. فكيف يمكن الحديث عن عملية توزيع وتحميل خسائر من دون أن تؤثر على حقوق المودعين؟».
يعتبر كنعان أن «كل القوانين المالية التي مرت وستمر ليست اهم من قانون إعادة التوازن المالي. فاذا لم تتم معالجة الفجوة المالية وحقوق الناس ومسألة الودائع، فعلى أي أساس يكون هناك كابيتال كونترول واعادة هيكلة وخطة تعاف اقتصادي؟ فكل ما يتربط بهذا الموضوع لا يزال مبهماً».
ويختم: «إعادة جذب المستثمرين والاموال الى لبنان بحاجة بالدرجة الاولى لإستعادة الثقة بالنظام المصرفي من خلال إعادة هيكلته وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة».
أفيوني: هرطقة مالية… ولا أساس علمياً لشعارات قدسية الودائع وإعادة تكوينها
يرى وزير الدولة السابق للإستثمار والتكنولوجيا والخبير المصرفي عادل أفيوني ردّاً على سؤال «نداء الوطن» أن «شعارات إعادة تكوين الودائع ومثلها شعارات قدسية الودائع وغيرها، هي وعود وليس هناك من أساس علمي لها. تتكرّر من وقت الى آخر ومنذ ثلاث سنوات بغرض الاستهلاك المحلي. ولم يقدّم اصحابها حتى الآن أي طرح علمي بالأرقام لتحقيقها». سائلاً: «لماذا لا يقدّم اصحاب هذه الشعارات ترجمة علمية لطروحاتهم؟ لسبب واضح هو أن هذه الوعود لا تستند الى أي منطق مالي أو علمي، وتُناقض حقيقة الأرقام وتتجاهل ضخامة حجم الفجوة المالية نسبة لحجم الاقتصاد».
يضيف: «هي اذاً طروحات لا تخدم المودعين ولا تعالج الازمة، بل تمنّيهم بالآمال وتؤجل الحلول الحقيقية والاصلاحات الجذرية. وتمدّد للوضع القائم وتساعد الطبقة الحاكمة على شراء مزيد من الوقت، لحماية مصالحها وتجنبها تكبد أي خسارة او محاسبة». مشيراً إلى أن»تأجيل الحلول وتجنب الإصلاحات الجذرية هو عملياً امعان في استنزاف المودعين، الذين لا يزالون ومنذ 3 سنوات الى اليوم أول من يستوعب خسائر المصارف. وهذا الوضع هو أكبر هرطقة مالية وجريمة بحق المودع والقطاع والاقتصاد».
يلفت أفيوني إلى أن «المودع منذ بداية الازمة وحتى الآن، رهينة التعاميم المتعدّدة والليلرة المقنّعة، ولا يستطع سحب وديعته إلّا مع اقتطاع. وكل عملية اقتطاع من وديعة هي عملية تخفيف من خسائر المصارف، وهذا النمط مستمر طالما هناك وعود بخطط لا ترجمة عملية لها». شارحاً أنه «بالعودة الى الارقام وحجم الفجوة المالية في الودائع، وحسب أرقام الخطط المتداولة من الحكومة وغيرها وبتلخيص سريع، فإن حجم الودائع المتبقية حوالى 95 مليار دولار، وحجم الودائع التي تعالجها الخطط المطروحة عبر أشكال متعدّدة من الاقتطاع والاقتطاع المقنّع، والتحويل الى ليرة على أسعار صرف متعدّدة واعادة الجدولة هو حوالى 60 مليار دولار. وهذه الودائع للتوضيح بمعظمها ستتكبّد خسائر فعلية، بسبب المعالجة المطروحة والتمديد والتحويل المجتزأ الى ليرة».
يضيف: «يبقى حوالى 35 مليار دولار من الودائع لا معالجة واضحة لها بعد، ويتم نقلها الى صندوق خاص مسنود بأصول الدولة. ولنفترض جدلاً أن ما يسمى إعادة تكوين الودائع يطال فقط ما لم تتم معالجته أي 35 مليار دولار، من أين تتم ما تسمى إعادة تكوين هذه المليارات؟».
ويسأل أيضاً: «هل تتم إعادة تكوينها من المصارف ومن أرباح المصارف المستقبلية؟ علماً أن المصارف خسرت كل رساميلها ويجب إعادة رسملتها أولا حتى تعود الى ممارسة دورها؟ وهل من مساهم مستعد أن يعيد رسملة قطاع مصرفي إذا كان هناك 35 مليار دولار فجوة متبقية في الودائع (أي أضعاف أضعاف الرساميل) مطلوب إعادة تكوينها أولاً قبل أن يتقاضى أي مردود؟».
يشير أفيوني إلى أنه «حتى إذا افترضنا ذلك كم سنة من الأرباح، هي أضعاف أضعاف الرساميل، يجب على المصارف تحقيقها لتغطية مثل هذه الفجوة؟». مؤكداً أن «هذا الطرح بالأرقام مستحيل وغير واقعي، نظراً لحجم الخسائر المهول في الودائع نسبة لرساميل المصارف. أم أن إعادة تكوين الودائع ممكن من أصول الدولة وأرباحها كما يتم الترويج له منذ بداية الازمة؟ اذاً هم يستخدمون شعار إعادة تكوين الودائع لإعادة تسويق وفرض حلول تعتمد على إستخدام اصول الدولة وايراداتها، لتعويض خسائر المصارف وهذا على الأغلب هو المقصود».
يشدد افيوني على أن «استخدام أصول الدولة لتسديد ديون البنك المركزي، وسد الفجوة في القطاع المالي هرطقة مالية وقانونية تناقض بديهيات المبادئ المالية والمصرفية. والأخطر أن من شأنها أن تشرّع للمؤسسات الاستثمارية الدولية، من حاملي اليوروبوند ان تطالب بدورها، بأولوية الاستيلاء على اصول الدولة والبنك المركزي، لتسديد ما يستحق لها من ديون سيادية. إذ ان حاملي سندات اليوروبوند أولى بالتراتبية المالية القانونية من حاملي سندات المركزي. وإنعكاسات مثل هذا الطرح اذاً خطيرة ومتشعبة».
ويعتبر أن «هذا الطرح يناقض طبعاً مبادئ بديهية في العدالة الاجتماعية، وفي ضرورة إستخدام أصول الدولة لمصلحة كل الشعب اللبناني بعدالة. فهي للإستثمار في المؤسسات والخدمات والبنى التحتية والدعم الاجتماعي والنمو الاقتصادي والتعليم، وليس إستخدامها لتسديد ديون البنك المركزي تجاه مؤسسات خاصة».
ويختم: «إن هذا الطرح يناقض واقع الارقام كذلك. إذ إن أصول الدولة من المستحيل ان تبلغ قيمتها اليوم اكثر من 20 مليار دولار، حسب التقديرات العلمية الحالية. ومن المستحيل أن تحقق أرباحاً عالية قبل أن يتم الإستثمار الجدي بها. فكيف ممكن أن يسددوا فجوة 35 مليار دولار من وراء أصول لا تتعدى قيمتها 20 مليار دولار أو من وراء ارباحها؟ وكم سنة من الإستثمار ومن النمو العالي ومن الارباح الهائلة نحتاج قبل أن تتم تغطية مثل هذه الفجوة؟.
عبود: بيع أصول وشركات ومؤسسات الدولة… ومنح المودعين ثلثي أسهمها
يعتبر الوزير السابق فادي عبود أن «الاتكال على تحقيق النمو لإعادة الودائع هو طرح وهمي كلياً». شارحاً لـ»نداء الوطن» أن «الفجوة المالية هي نحو 100 مليار دولار، وإعادة تكوين هذا النوع من المبالغ يتطلب عشرات السنوات». مشدداً على أن «التعامل مع هذا الموضوع يجب أن يتسم بالواقعية، لا سيما أننا بلد غير تنافسي وغير جاذب للإستثمار. فالإستثمار في القطاع الصناعي مثلاً لا يمكن أن يكون منافساً، بسبب إرتفاع أسعار الطاقة الصناعية في لبنان، التي هي أعلى من الدول الاوروبية مثلاً».
يؤكد عبود أن «إعادة الثقة والاستثمار وخلق فرص عمل في لبنان، لن يتحقق خلال بضع سنوات بل لعقود». لافتاً إلى أن «هناك عدة طرق أخرى لإعادة أموال المودعين، ومنها إصلاح القطاعات الإنتاجية التي تملكها الدولة كالكهرباء مثلاً والقيام بمناقصة–مزايدة عالمية لبيعها، وكونها الشركة الوحيدة لإنتاج الكهرباء في لبنان، يمكن أن يصل سعرها إلى عدة مليارات من الدولارات، لأنه من المفروض أن تكون شركة رابحة».
ويشير إلى أنه «عندها يمكن فتح المجال لكل مودع بإمتلاك أسهم بها بحسب قيمة ودائعه. وهذا ما يطبق أيضاً على شركة الطيران والمرفأ والمطار والريجي والقنب الهندي. أي إستعمال أصول الدولة لرد جزء من ودائع المودعين، من دون المس بحقوق بقية الشعب اللبناني فيها»، مشدداً على «أن تنمية مؤسسات الدولة وتطويرها، يعود بالفائدة على كل الشعب اللبناني، الغني والفقير لأن الجميع سيستفيد من خدماتها».
ويختم: «الشركات التي ستتملك هذه الاصول، ممنوع عليها أن تكون حصتها أكثر من الثلث. والثلثان من حصة المودعين، وهي الطريقة الافضل لكي نتمكن من إعادة أموالهم».
نحاس: تحميل المسؤولية لمن حصد ارباحاً بعشرات المليارات نصباً واحتيالاً
يشير أمين عام حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الدكتور شربل نحاس لـ»نداء الوطن» الى أن «السياسيين في لبنان يختبؤن وراء الكلام عن الدفاع عن الودائع للهروب من أبسط مسؤولياتهم. فالبلد بكل قطاعاته إلى مزيد من الإنهيار، في حين أنهم يتخذون من الدفاع عن المودعين كحجة لعدم القيام بأي خطوة حقيقية لمنع الانهيار». لافتاً إلى أن «هناك مودعين لا يزالون يملكون ودائع بالليرة اللبنانية، وليس هناك أي مسؤول يثير قضيتهم، أو يتحدث عن التفريط الذي حصل بكل المدخرات الاجتماعية للصناديق والنقابات ومؤسسات الدولة».
يضيف: «الودائع تبخرت وطارت لأن المصارف أفلست. وعلاقة المودع هي محصورة بالمصرف الذي يتحمل مسؤولية كيفية تشغيله أو تعامله مع أموال المودعين، وهذه ليست مسؤولية الدولة. المصارف أساءت الامانة في إستعمال الأموال التي من المفترض أن تكون مسؤولة عنها وحققت أرباحاً خيالية منها كان يتم إعلانها».
يرى نحاس أنه «قبل القول للمودعين أنكم ستحصلون على أموالكم بعد سنوات، لا يجوز أن لا يتحمل أصحاب المصارف مسؤولية الفعل الذي إقترفوه، وهذه هي البداية التي يجب أن نبدأ بها». معتبراً أن «ما حصل هو عملية إحتيال موصوفة، لأن كل المسؤولين في القطاع المصرفي كانوا يعلمون أن الافلاس واقع لا محالة. ولهذا قامت المصارف الاجنبية بالانسحاب من السوق اللبناني. وبقيت المصارف التي إرتضت عمداً القيام بعملية نصب وإحتيال، مقابل تحقيق أرباح بعشرات المليارات للمسؤولين مباشرة عن تبديد مدخرات الناس».
ويختم: «كل الكلام عن السعي لحماية المودعين والحفاظ على الاحتياطي الالزامي هو سمك بالبحر».
طويلة: اجراءات لتقليص فجوة الودائع 40-50 ملياراً… ثم نرد ما يتبقى تدريجياً
يشرح الخبير الاقتصادي جان طويلة لـ»نداء الوطن» أنه «لا يمكن مقاربة ملف الودائع من منطلق شعبوي، بل علينا التعاطي معه وفق مبدأ الواقعية والمسؤولية. بمعنى أننا نعاني من فجوة مالية نتيجة إستعمال المصرف المركزي لأموال المودعين الذين وضعوها في المصارف». لافتاً إلى أن «هذا الأمر ليس من جديد وبدأ منذ أواخر العام 2014، لتمويل الدولة وتثبيت سعر الصرف وسياسة الدعم. والنتيجة أن أموال المودعين موجودة «ورقياً» في المصارف».
ويشير طويلة إلى أنه «في الواقع لا يملك مصرف لبنان إلا ما تبقى من إحتياطي المصارف الموجودة لديه. وهي في تناقص مستمر نتيجة تدخله عبر منصة صيرفة، وهو يصرف 25 و 30 مليوناً يومياً من الاحتياطي او ما تبقى من اموال المودعين. ومنذ بداية الازمة في تشرين 2019 كان حجم هذا الاحتياطي 31 مليار دولار، أما حالياً فلا يتجاوز 8 مليارات على الاكثر».
يضيف: «هذا عملياً يعني أن هناك فجوة بين ما يملك المركزي، وبين ديونه تجاه المصارف كي تتمكن من رد الودائع. وهي تقدر بـ77 مليار دولار. ومن دون إقفال هذه الفجوة لا يمكن إعادة أموال المودعين»، موضحاً أن «الناتج المحلي اليوم هو 16 ملياراً تقريباً، ما يعني أن الفجوة هي اكبر من حجم الاقتصاد اللبناني بخمسة اضعاف، وهذه هي المشكلة الحقيقية».
يرى طويلة أن «الكلام عن أن رد الودائع عبر النمو الاقتصادي هو كلام غير مسؤول. وهذا الاستخفاف في التعاطي مع الشأن العام أوصلنا إلى ما نحن فيه. والجميع يعلم الدور السلبي للجنة المال والموازنة، وعلى رأسها النائب إبراهيم كنعان، في عدم إقرار أي إصلاح من خلال التشكيك في أرقام الفجوة المالية الذي ادى الى عرقلة مسار التعافي المالي».
يضيف: «المطلوب أن يحصل نمو في الاقتصاد اللبناني، ما يزيد عن (double digit growth) خلال عشرات السنين لإعادة أموال المودعين من جهة والنهوض بالاقتصاد اللبناني. وهذا الامر غير واقعي!». مشدداً على أن «الربط بين النمو الاقتصادي وإعادة الودائع أمر منطقي، لكن ضمن أطر وإجراءات لتخفيف هذه الفجوة وآليات تمكن من رد جزء من الودائع، لكن بعيداً عن الشعبوية».
يوضح طويلة أنه «يجب أن يكون هناك مسار لإرجاع حقوق المودع وهو على قسمين: الاول إصلاحي يبدأ باتفاق مع الصندوق الدولي يساهم في إعادة نمو الاقتصاد اللبناني وإعادة الثقة. وهذا ما يزيد تدفق الاموال على خزينة الدولة، الى جانب إعادة الهيكلة للقطاع المصرفي ومصرف لبنان، وهذا ما سيعيد قسماً من الودائع». مشيراً إلى أن» القسم الثاني هو المسار المحاسبي، لتخفيف الفجوة التي ستتركب على الشعب اللبناني. اولاً، التدقيق في الحسابات المصرفية وتحديد ما هي الودائع المشروعة وغير المشروعة. فهناك مودعون محظيون تمكنوا من تحويل أموالهم إلى الخارج خلال الازمة. وهذه الودائع يجب تصنيفها على أنها ودائع غير مشروعة، وثانياً هناك حسابات مشبوهة في المصارف، ولا يجب مساواتها مع حسابات المودعين الذين وضعوا جنى أعمارهم في المصارف للعيش بكرامة. ويجب أن تحذف هذه الحسابات المشبوهة من عملية إعادة أموال المودعين». ويختم: «هناك مودعون كبار تمكنوا من الاستفادة من فوائد عالية، ولذلك لا يمكن إحتساب هذه الفوائد من ضمن الحقوق الاصلية للمودعين. ومن خلال المسار المحاسبي يمكن التصنيف بين ودائع مشروعة وأخرى غير مشروعة. ويجب العمل على رد الودائع المشروعة على مدى زمني معقول، وهذا ما يقلص الفجوة إلى نحو 40 أو 50 مليار دولار».
حداد: يطرحون شعارات لتضييع الوقت… فلا حلّ يرتجى طالما الثقة مفقودة
يوصّف وزير المال السابق سامي حداد لـ»نداء الوطن» أن «القطاع المصرفي في لبنان قبل الأزمة كان من أكبر القطاعات وانهار بضربة واحدة. وإعادة تكوينه مشروع صعب ويتطلب وقتاً طويلاً». معتبراً أن «الاهم من هذا كله أن إعادة تكوين هذا القطاع تتطلب إستعادة الثقة وهي مبنية على عدة خطوات، أولها إنتخاب رئيس جمهورية محترم، وتشكيل حكومة إصلاحية وتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد لأنه ممر إجباري لإستعادة الثقة، ثقة المودعين اللبنانيين المقيمين والمغتربين والمستثمرين العرب والأجانب…أولاً».
يضيف: «ربط رد الودائع بإعادة النمو يراد منه إستسهال الحلول وتبسيط المشكلة. بينما في الحقيقة هناك أزمة عميقة بين المودعين والمصارف لن تزول بسهولة». مشدداً على أن «الازمة إنفجرت منذ أكثر من 3 سنوات، لكن خلال هذه الفترة لم تبادر الحكومة أو مجلس النواب إلى حلها. بل بالعكس قاموا بخطوات زادت من تعقيدها».
ويلفت إلى أن «الدليل هو وضع قانون جديد للسرية المصرفية يعاني الكثير من النواقص، وإقرار موازنة لا تسمن ولا تغني من جوع. والنقاش الآن حول قانون الكابيتال كونترول وفيه الكثير من الثغرات إما عن جهل أو عن سوء نية».
يؤكد حداد أن «كل الكلام عن الودائع هو لتقطيع الوقت، والدليل هو الانهيار الحاصل في سعر صرف الليرة مقابل الدولار. فالثقة بالمصارف ومؤسسات الدولة هي الخطوة الاولى في طريق الحل والا نكون عم نضيع وقت».
خاطر: رفض الانصياع لشروط صندوق النقد بتحميل التبعات للمصارف والمودعين
يوضح الباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية البروفسور مارون خاطر، لـ»نداء الوطن» أن «موضوع توزيع خسائر الفجوة الماليّة، ومن ضمنها الودائع مُعضلة صَعبة. بسبب الارتباط السببيّ الوثيق بين المصارف والمصرف المركزي والدولة من جهة، والانهيار الاقتصادي وغياب الحلول من جهة ثانية». مشدداً على أنه «في الحالتين يدفع المودعون الثمن مالاً وإذلالاً وقهراً لا ينتهي. ولا بدّ لمقاربات الحلول تحديداً تلك المتعلقة بالودائع أن ترتكز الى ترتيب زمنيّ واضح وتحديد دقيق للمسؤولية، يُمهِّد للتوزيع الموعود».
يضيف: «زمنياً، لا بدّ من إيجاد خريطة حلّ واضحة لموضوع الودائع، بالتزامن مع إقرار خطة إقتصادية قابلة للتنفيذ. إنطلاقاً مما تقدَّم لا يُمكن ربط إيجاد حل لموضوع الودائع، بإكتمال النهوض وعودة التدفقات. فعودة التدفّقات مشروطة بالثقة التي ترتكز بدورها الى إنصاف المودعين وعدم التفريط بمُلكيتهم وطرح حلول واضحة لمشكلتهم».
ويسأل: «كيف لما يجب أن يكون شرطاً، أن يُصلح هو نفسه أن يكون حلاً؟»، لافتاً إلى أنه «قد يُساعد النهوض الإقتصادي المُرتَكِز الى حلٍ واضح لموضوع الودائع على تقصير فترة السداد. إلا أن الوعود «المعسولة» لا يُمكن أن تُشكل نواة حل!».
ويرى البروفسور خاطر أن «تحديد المسؤوليّات والشروع في توزيع ما قد بُدِّد، لا بد أن يرتكز الى ما لا يُشبه خطَّة التعافي الإقتصاديَّة ومعديها. فالمطلوب توزيع علمي للخسائر بين الدولة المُبددة، والمصرف المركزي الوسيط والمُصمم والمصارف الجشعة والمتورِّطة»، مشدداً على أنَّ «تحميل المصارف والمودعين تَبِعات الإزمة من باب الإنصياع الأعمى لشروط صندوق النَّقد مرفوض».
ويعتبر أن «المصارف أخطأت طبعاً وعليها أن تتحمل مسؤولية أخطائها، وهي استثماريَّة ذات أبعاد سياسيَّة، إلا أنَّ إعدام المصارف هو إعدام للنهوض ولمستقبل لبنان الإقتصادي»، مشيراً إلى أن الودائع «لم تتبخَّر ولم تختفِ بل صُرِفت، لذلك فالحل بإعادتها وليس «بإعادة إنتاجها». «فإعادة الإنتاج» مصطلح «بلدي» غير علمي، لا يَصح عندما يتعلق الأمر بالأمانة. الودائع أمانة تُرد وملكيَّة فرديَّة يحميها الدستور».
غبريل: إستثمار اصول الدولة وزيادة الإيرادات منها بما يسمح
بتسديد الودائع تدريجياًيشدد رئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ»نداء الوطن» على أن «مقاربة ملف الودائع يجب أن تتغير. وكذلك نظرية الخسائر وأن الدولة اللبنانية غير قادرة على تسديد إلتزاماتها». لافتاً إلى أن «الفجوة المالية ليست خسائر، بل إلتزامات على الدولة اللبنانية تمّت إستدانتها للقيام بواجباتها وعليها ردها. كما أن المصارف المركزية في العالم يمكن أن تقع في خسائر، مثل المصرف المركزي الاسترالي الذي حقق 40 مليار دولار خسائر في العام 2022. وأيضاً المصرف المركزي السويسري حقق خسائر 141 مليار دولار «.
يوضح غبريل أن «حكومات هذه الدول لا تعتبر أن المصارف المركزية أفلست. فالحكومة الاسترالية قامت بضمان المصرف المركزي الاسترالي. وهذه هي المقاربة الصحيحة التي يجب أن تتبعها السلطات اللبنانية وليس إعتماد مقاربة محاسبية».
ويؤكد أن «المصرف المركزي ليس شركة يمكن أن تُفلس. والخسائر يجب أن يتحملها المودعون، هي مقاربة خاطئة وأدت إلى تبخر الثقة». لافتاً إلى أن «المودع وبعد 3 سنوات على إندلاع الازمة ليس لديه جواب على 3 أسئلة رئيسية: ما هي مصير ودائعه وبأي طريقة سيستردها وفي أي فترة زمنية؟». ويشدد على أن «على السلطات أن تجيب بشكل واضح ومقنع ومفصل لإعادة الثقة للمودع، خصوصاً أنه يقبل بأن يسترد وديعته بعد فترة زمنية محددة».
يضيف: «الجواب على هذه المعضلة ليس بتحقيق فائض أولي في ميزانية الدولة ومنه يحوّل إلى صندوق إستعادة الودائع. الحل أن الدولة تضمن إلتزامات مصرف لبنان وتتحمل مسؤوليتها. وليس أن تعلن أنها لن تقدر إلا على إعادة رسملة لمصرف لبنان بمليارين ونصف، والباقي يتحمله المودعون والمصارف»، معتبراً أن «هذا الامر سيؤدي إلى فقدان الثقة لجيل كامل بلبنان، وليس بالقطاع المصرفي. فالدولة اللبنانية تملك قطاعات حيوية قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، وأصول يمكن إستثمارها بشكل منتج وإدخال القطاع الخاص لإدارتها.عندها يمكن إدخال ضرائب إضافية إلى خزينة الدولة، وزيادة الإيرادات ومنها بما يسمح بتسديد الودائع تدريجياً. الحل موجود ولكن هناك تهرب من المسؤولية».