وضعت حرب إيران وإسرائيل المنطقة أمام مواجهة شاملة قد لا يُستثنى منها أحد. فمع تصاعد وتيرة الحرب بين طهران وتل أبيب واستخدام العديد من أوراق الضغط، بينها استهداف منشآت نووية، تقدّمت ورقة مضيق هرمز على وسائل الضغط الجيوسياسي. فالمضيق يمرّر نحو خُمس إجمالي استهلاك العالم من النفط، ويُعد نقطة ضغط حاسمة يمكن أن تغيّر موازين الطاقة والأمن في المنطقة والعالم، ولكن لصالح مَن؟ مَن وكيف سيتأثر بإغلاق مضيق هرمز فيما لو حصل؟ الإجابة على هذا السؤال قد لا تثتني أحد وإيران نفسها ضمناً.
الأثر العالمي
منذ أن نقلت وكالات الأنباء الإيرانية عن عضو لجنة الأمن في البرلمان إسماعيل كوثري، قوله إن طهران تدرس جدّياً إغلاق مضيق هرمز، باتت الأنظار على أسواق النفط. فأول المتأثرين بإغلاق مضيق هرمز هو النفط، وعندما نشير إلى تأثر أسواق النفط، فذلك يعني أن التأثيرات ستطال المصدرين والمستوردين للنفط وبينهم إيران والصين والدول العربية، منها لبنان، وعموم دول العالم.
ويشكّل إغلاق مضيق هرمز خطراً كبيراً على العالم، ودافعاً قوياً لارتفاع أسعار النفط. فالمضيق يمر عبره 20 في المئة من النفط العالمي. كما أن إغلاقه من شأنه أن يُحدث اضطرابات في سلاسل التوريد والطاقة ما ينعكس مباشرة على الاقتصاد العالمي.
وعندما يكون النفط المتأثر الأكبر بإغلاق مضيق هرمز، فذلك يعني أن إيران ودول الخليج العربي على رأس المتضررين من إغلاقه. ويقول المتخصص في الشؤون الإيرانية الدكتور خالد الحاج في حديثه لـ”المدن” إن قرار إغلاق مضيق هرمز في حال حصل سينعكس مباشرة على إيران. كما أن هناك صعوبة في اتخاذ هكذا قرار. ويوضح الحاج أن إيران “صفّرت” مؤخراً مشاكلها مع دول الخليج. وفي حال إغلاق المضيق، فإن أولى الدول العربية التي ستتأثر سلباً بشكل مباشر ستكون العراق والسعودية. لذلك لا يمكن وضع التلويح بإغلاق مضيق هرمز سوى في خانة التهويل ليس أكثر.
وفي حال فقدت إيران كافة أوراق الضغط، ولجأت إلى إغلاق المضيق كورقة أخيرة، قد تنجح طبعاً في الضغط على الولايات المتحدة جراء ما يمكن أن ينتج عن إغلاق المضيق من فوضى في أسعار النفط، يقول الحاج، لكن من المحتم أن تكون إيران قد تلقّت هي وجيرانها من دول الخليج ضغطاً مضاعفاً جراء قرار الإغلاق.
بمعنى آخر، في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، وهو أمر مستبعد، فإنها ستبدو كمن يطلق النار على علاقاته مع جيرانه وعلى نفسه، لاسيما أن معظم السلع الاستهلاكية اليومية لإيران تمر عبر هذا المضيق. كما أن دول الخليج تعتمد بشكل أساسي على الصادرات عبر مضيق هرمز، خصوصاً صادرات النفط والغاز، وعرقلة عمليات التصدير تعني تراجع مباشر في إيرادات الدول المنتجة للنفط وزيادة الضغوط المالية.
ولن تقتصر المفاعيل السلبية لإغلاق مضيق هرمز على الدول المصدّرة للنفط، التي تعتمد المضيق كمسار رئيسي لصادراتها، بل ستشمل الدول المستهلكة، بينها لبنان، الذي سيتعرّض لارتفاعات كبيرة في أسعار المحروقات والسلع، بسبب زيادة تكلفة الاستيراد. وبالتالي، تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية نتيجة ارتفاع الأسعار والتضخم.
أهمية مضيق هرمز
يُعد مضيق هرمز، الواقع بين عُمان وإيران، أهم بوابة لشحن النفط في العالم، ويمر عبر المضيق، الذي يربط الخليج العربي ببحر العرب، ما يقارب 20 مليون برميل يومياً من النفط ومنتجاته، وهو ما يمثل ما يقارب من خُمس شحنات النفط العالمية. وأي تحرك لإغلاقه سيؤثر سلباً على أسواق الطاقة.
وتصدر السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) معظم نفطها الخام عبر المضيق، إلى آسيا في المقام الأول. وتعمل الإمارات والسعودية على إيجاد طرق أخرى لتفادي عبور المضيق. كذلك تنقل قطر، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، كل غازها الطبيعي المسال تقريباً عبر المضيق، وهو ما يمثل نحو ربع استخدام الغاز الطبيعي المسال عالمياً.
ويرى خبراء دوليون بأن إغلاق المضيق من قبل إيران سيسيء إلى أصدقائها بالدرجة الأولى أكثر من أعدائها. فأي ارتفاع كبير في أسعار النفط بسبب الإغلاق، قد يضر بمصالح أكبر مستهلك لنفط إيران وهي الصين. وتشير التقارير إلى أن الصين تشتري أكثر من ثلاثة أرباع صادرات إيران النفطية، كما أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم هو أيضاً الشريك التجاري الأكبر لإيران.
وتنتج إيران، التي تمثّل ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، حوالي 3.3 مليون برميل من النفط يومياً، أو ما يعادل 3 في المئة من الإنتاج العالمي.
وكما الحاج، يرى خبراء دوليون، بأن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز لا يتجاوز التهويل، كونها وجيرانها المتضرّر الأول، مذكّرين بأن طهران هدّدت على مدار سنوات سابقة بإغلاق المضيق.. لكنها لم تنفذ تهديدها يوماً.