بعد أكثر من عشر سنواتٍ من الأخذ والردّ، أصبح قانون «الصيدلة السريرية» ملزماً منذ صدوره في الجريدة الرسمية في 28 كانون الأول الماضي. عملياً، كان ينبغي أن يصدر القانون قبل ذلك بكثير، لما له من أهمية في تنظيم «سوق الدواء» في المستشفيات. غير أن معارضة هذه الأخيرة حالت دون ذلك، بسبب رفضها للبند المتعلّق بأعداد الصيادلة السريريين المفترض توظيفهم في كل مستشفى. وأدى ذلك إلى تعليق النقاشات باقتراح القانون أكثر من مرة، قبل التوافق على صيغة «مرضية للجميع» في لجنة الإدارة والعدل، ليخرج بعدها إلى الضوء. إذ يفترض أن يُضاف إلى قانون «مزاولة مهنة الصيدلة»، كفصلٍ جديدٍ يُلحق بالباب الأول منه.
صيدلي سريري لكل 100 سرير
في النسخة الأخيرة من القانون التي نوقشت في لجنة الإدارة والعدل، تم التوصل إلى حل للبند الخلافي المتعلّق بأعداد الصيادلة السريريين في كل مستشفى، باعتماد «حلّ وسطي» يقوم على تحديد العدد ربطاً بعدد الأسرّة في كل مستشفى. وفقاً للصيغة الجديدة، يوظّف «صيدلي سريري واحد لكل 100 سرير وما دون، وصيدليان اثنان من 101 إلى 175 سريراً، وثلاثة صيادلة «من 176 إلى 250 سريراً، وأربعة صيادلة من 251 وما فوق». وقد وضعت هذه الصيغة حداً للتباين في الآراء بين نقابتي الصيادلة والمستشفيات، إذ كانت الأولى تصرّ على أن يكون هناك صيدلي سريري لكل طابقٍ في المستشفى، وهو ما رفضته نقابة المستشفيات باعتبار أن «هذا الرقم مبالغ به»، وفقاً لنقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، «لأننا لسنا بحاجة إلى هؤلاء في ظل ما نملكه من خبرات وأطباء… وليس هكذا تحلّ مشكلة البطالة في قطاع الصيدلة»، إلى أن تمّ التوافق على الصيغة الأخيرة «التي تعتبر منطقية ويفترض أن تكون مقبولة من الكل، وخصوصاً أن هناك مستشفيات ملتزمة بهذا الأمر حتى قبل القانون ولديها صيادلة سريريّون».
هواجس التطبيق
بغضّ النظر عن المصالح التي تفرض على كل من الأطراف التعاطي مع القانون على «مقاسه»، إلا أن الوظيفة المنوطة بالصيدلي السريري توجب حضوره في المستشفى لناحيتين أساسيتين: تخفيف الفاتورة الدوائية عبر ضبط عشوائية صرف الأدوية من جهة، ومراقبة حسن تنفيذ الوصفة الطبية من جهة أخرى، أي عبر مراقبة طريقة استخدام الأدوية والجرعات وأعدادها، والإفادة عن التفاعلات والآثار الجانبية للأدوية في حال وجودها، والتأكد من اتخاذ الإجراءات المطلوبة من الطبيب في كل الحالات المتعلّقة بوجود مضاعفات أو عوارض سلبية جرّاء العلاج.
وإذ تُبدي نقابة المستشفيات موافقتها المبدئية على ما تفرضه تلك الوظيفة، باعتبار أنها «صمّام أمان للطبيب إذ تعفيه من مسؤولية ارتكاب الأخطاء في الدواء»، وفقاً لهارون، إلا أنه في الواقع قد لا يكون التطبيق سهلاً، وخصوصاً في ظل «الصلاحيات» التي ستُعطى للصيدلي السريري، والتي ستُسحب عملياً من الطبيب المعالج. فهل سيقبل الطبيب المعالج مثلاً أن يتدخّل الصيدلي السريري في وصفته الطبية، أو أن يفرض عليه استبدال دواءٍ بآخر؟
ووفقاً للمصادر، صدور القانون لا يعفي من المشكلات عند التطبيق، وخصوصاً في ما يخصّ العلاقة بين الطبيب والصيدلي السريري «وهناك حلّ من اثنين، إما أنّ المشكل آتٍ بين الطرفين لأن أحداً لن يقبل بالتنازل عن صلاحياته، وخصوصاً أن بعض الأطباء يصفون أدوية بالتواطؤ مع الوكلاء من دون النظر إلى الفعالية، وإما أن يركب الـdeal بين الطرفين ويصبح الصيدلي السريري شريكاً للأطباء الذين يعملون بتلك الطريقة وعندها يصبح القانون كأنه لم يكن».
هذا الهاجس أساسي بالنسبة إلى كثيرين، وخصوصاً في ظل عشوائية الصرف التي يمتهنها بعض الأطباء، وغرور جزء آخر منهم، واستغلال بعض الصيادلة السريريين لوظيفتهم، وهذا كله يحول دون التطبيق الصحيح للقانون.
ويُضاف إلى هذا الأمر مسألة «الربح والخسارة» التي تعمل على أساسها بعض المستشفيات، فهل ستقبل الأخيرة بزيادة «post» وظيفي وتكلّف رواتب إضافية في ظل هذه الضائقة؟ الجواب على هذا السؤال سيكون مرهوناً بتطبيق القانون.
من هو الصيدلي السريري؟
بحسب التوصيف القانوني، الصيدلي السريري هو «كل صيدلي مسجّل في نقابة صيادلة لبنان وتابع اختصاصاً في الصيدلة السريرية وخضع ملفه للتقييم من قبل لجنة الصيدلة السريرية في نقابة صيادلة لبنان قبل الإنتقال للعمل في المستشفى جنباً إلى جنب مع الأطباء والمرضى». أما مهامه التي نصّ عليها القانون الجديد فتتمحور حول «رعاية شؤون المرضى الدوائية في المستشفيات ضمن البروتوكولات العلاجية المعتمدة ومتابعة مراقبة العلاج الدوائي للمريض، وتقييم فعالية العلاج لكل مريض وثم تقديم الإقتراحات المناسبة للطبيب المعالج والطاقم الطبي عند الضرورة». كذلك يقف الصيدلي السريري إلى جانب الطبيب المعالج لناحية عمله كمراقب لحسن تنفيذ الوصفة الطبية ومراقبة الجرعة وطريقة الإستخدام وعدد الجرعات والإفادة عن التفاعلات والآثار الجانبية للأدوية في حال وجودها والتأكد من اتخاذ الإجراءات المطلوبة من قبل الطبيب في كل الحالات المتعلقة بوجود مضاعفات أو عوارض سلبية جراء العلاج».
وتكمن الحاجة الى هذه الوظيفة في أنها تعفي من ارتكاب الأخطاء الطبية وتخفيف الفاتورة الدوائية في ما لو طبّق القانون بشكلٍ سليم. إذ أن الصيدلي السريري أو الإكلينيكي يشكّل حلقة وصل بين الأطباء والمرضى من جهة ويعمل كرقيب على الدواء من جهة أخرى.