يشكل تصاعد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس تهديدا خطيرا لسوق الغاز الطبيعي الإقليمي، ويمكن أن تكون له آثار غير مباشرة على الإمدادات في أوروبا مع اقتراب فصل الشتاء.
ورغم أن إسرائيل لديها فائض في إنتاج الغاز، وهو ما يدعم حاليا الطلب المتزايد في سوقي مصر والأردن، فإن التوترات في الشرق الأوسط ستكون لها آثار واسعة النطاق، وفقا لتحليل شركة ريستاد أنيرجي.
وثمة إجماع بين المتابعين على أن مصير أكبر ثلاثة مشاريع لتطوير الغاز الإسرائيلي في حقول تمار وليفياثان وكاريش سيؤثر على السوق الإقليمية بشكل كبير.
ومن الممكن أن يؤدي التعديل الجيوسياسي الإقليمي إلى عرقلة تقدم التطبيع، والمخاطرة بالاستثمارات الأولية، وإفساد أهداف التصدير في وقت يتزايد فيه استكشاف الموارد منخفضة التكلفة.
ويمثل مشروع ليفياثان 44 في المئة من إنتاج الغاز الحالي في إسرائيل، يليه تمار بواقع 38 في المئة وكاريش بنسبة 18 في المئة.
ويوفر حقل تمار أكثر من 70 في المئة من الطلب المحلي على الغاز في إسرائيل، وهي المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء. وتشير التقديرات إلى أنه يتم تصدير ما بين 5 و8 في المئة من الإنتاج.
وتستورد مصر نحو 7 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سنويا من مشروعي تمار وليفياثان، مما يساعد على تلبية الطلب المحلي ومحطات تسييل الكهرباء.
وتقدر ريستاد أنيرجي أن مصر صدرت 3.7 مليون طن من الغاز المسال بين أكتوبر 2022 ويناير 2023، وكانت أعلى كمية أقل بقليل من مليون طن في ديسمبر الماضي. وتعادل ذروة الإنتاج هذه تقريبا توقف إنتاج تمار لمدة 33 يوما بالمعدلات الحالية.
ويلبي الغاز الإسرائيلي حاليا أقل من 10 في المئة من استهلاك الغاز في مصر، وفي الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، انخفضت الصادرات بنحو 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ويعود هذا الانخفاض إلى زيادة استهلاك الغاز المنزلي خلال فصل الصيف، ونظرا لهذه الديناميكيات المتطورة، تبرز تساؤلات حول مدى استدامة صادرات الغاز إلى مصر مع اقتراب فصل الشتاء.
ونقلت منصة “أويل برايس” الأميركية المتخصصة في الطاقة عن أديتيا ساراسوات، نائب رئيس قسم الطاقة في الشرق الأوسط وشرق المتوسط بشركة ريستاد أنيرجي، قوله “مع أن التوقعات قاتمة لشتاء النينيو المقبل، فإن الوضع الحالي يمثل عاملا صعوديا”.
وتطرق المحلل الهندي الحاصل على ماجستير هندسة البترول من الجامعة النرويجية للتكنولوجيا في تروندهايم إلى مسألة تعرض الإمدادات الأوروبية من الغاز إلى الأخطار بسبب ما يدور من اضطرابات في الشرق الأوسط.
وتشير التقديرات إلى أن طاقة تخزين دول الاتحاد الأوروبي حاليا تبلغ أكثر من 97 في المئة، في حين لا يزال استهلاك الغاز أقل من المستويات المسجلة في العام الماضي، وعلاوة على ذلك، هناك إمكانية لزيادة الصادرات من الولايات المتحدة.
وقال ساراسوات “من المرجح أن يكون للصراع الدائر تأثير تصاعدي محدود على أسعار الغاز على المدى القريب، وهو ما سيعكس علاوة المخاطر الجيوسياسية التي تتجلى بالفعل في أسعار النفط”.
ومع ذلك، لا يزال هناك خطر التصعيد إلى صراع أوسع الذي يمكن أن يسبب زيادة قصيرة المدى في أسعار الطاقة.
وأوضح ساراسوات أنه إذا أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى التضخم والمزيد من تشديد أسعار الفائدة، فقد تتصحح في نهاية المطاف خلال الأشهر المقبلة إذا ساءت التوقعات الاقتصادية على هذا الحساب.
وتطورت مخزونات حقل تمار، الذي أوقفته إسرائيل مؤقتا بعد هجوم حماس في وقت سابق هذا الشهر، بسرعة على مدى أربع سنوات كرد فعل على وقف مصر التوريد.
وتظهر البيانات أن تمار، الذي تشغله شركة شيفرون الأميركية، يضم حاليا ستة آبار، يتراوح إنتاجها اليومي بين 7.1 مليون و8.5 مليون متر مكعب يوميا من الغاز.
وعلى مدى سنوات قام المشروع بدور هام في تعزيز استقلال إسرائيل في مجال الطاقة، وتلبية 70 في المئة من احتياجاتها من توليد الكهرباء وتقليل اعتمادها على الفحم والنفط.
وبحسب ريستاد أنيرجي، فإنه إذا تم إغلاق حقل غاز تمار لفترة قصيرة، فستستخدم إسرائيل أنواع وقود أخرى مثل الفحم وزيت الوقود لتوليد الكهرباء.
ومع ذلك، قد تتطلب عمليات الإغلاق المطولة حفر آبار إضافية، الأمر الذي قد يستغرق أشهرا وستضطر إسرائيل إلى استخدام الغاز من حقل ليفياثان لتلبية احتياجاتها الخاصة بدلا من بيعه إلى دول مجاورة مثل الأردن ومصر.
ويحصل الأردن على معظم وارداته من الغاز من حقل ليفياثان الواقع بالقرب من تمار، والذي يعد أيضا المصدر الرئيسي لصادرات الغاز إلى مصر. ولكن إذا تفاقم الصراع، فخطر إغلاقه قد يتزايد.
وأكد ساراسوات أن خطوة كهذه ستكون بمثابة انتكاسة كبيرة للمنطقة، نظرا لأن مصر كانت تستورد ما يقرب من ضعف الكميات المتعاقد عليها من الغاز من إسرائيل مؤخرا.
وفي العام الماضي، صدر حقل ليفياثان 4.9 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر مقارنة بنحو 3.1 مليار متر مكعب خلال النصف الأول من عام 2023.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك خطر كبير بخسارة حوالي 4 مليارات دولار من الاستثمارات الرأسمالية لمشاريع مهمة في مجال المنبع خلال السنوات الثلاث المقبلة بسبب التحول المحتمل في المشهد الإقليمي.
ويمكن أن يقوض هذا التحول التقدم المحرز نحو تطبيع المنطقة التي شهدت نجاحا استكشافيا كبيرا واكتشاف موارد منخفضة التكلفة.
ومن المتوقع أن يكون مشروع توسعة تمار في عام 2025، هو الأكثر تأثرا من بين جميع مشاريع المنبع في إسرائيل.
ومن أصل 1.6 مليار دولار المتوقع استثمارها في هذه المشاريع، تم تخصيص 75 في المئة منها، أي ما يعادل 1.2 مليار دولار، لتوسعة خزان تمار للغاز الطبيعي.
وتعتبر المرحلة بي 1 لتطوير حقل ليفياثان الذي تشغله مجموعة شركات هي نيوميد أنيرجي وريشيو إنرجيز الإسرائيليتان وشيفرون بحلول عام 2026 خطة أخرى تأثرت، حيث إن 435 مليون دولار من استثمار رأس المال معرضة للخطر.
وتهدف عملية التطوير التي تم الإعلان عنها في يوليو الماضي إلى إنشاء وحدة عائمة للغاز الطبيعي المسال بسعة تتراوح بين 4 و5 ملايين طن سنويا كبديل للاستفادة من السوق الأوروبية.
وليفياثان أكبر خزان للغاز الطبيعي في حوض المتوسط، وأحد أكبر الأصول المنتجة في المنطقة، حيث يحوي احتياطات تبلغ قرابة 22.9 تريليون قدم مكعبة قابلة للاستخراج وفق أويل برايس.
ويمكن أن ينتج حقل ليفياثان ما يصل إلى 2.1 مليار قدم مكعبة يوميا وتبلغ إمكانات زيادة إنتاجه حوالي 700 مليون قدم مكعبة يوميا.
وفي خضم التوترات القائمة بالشرق الأوسط يواجه المشروع المشترك بين إسرائيل ومصر وقبرص لبناء خط أنابيب شرق المتوسط الذي سينقل الغاز إلى أوروبا عبر اليونان بقيمة 6.5 مليار دولار، تحديات بسبب النزاعات الحدودية.
ومن الممكن أن يكون المشروع مربحا بسبب انخفاض التكلفة ووفرة إمدادات الغاز الطبيعي، ويمكن زيادة طاقته من 10 إلى 20 مليار متر مكعب سنويا.
ومع ذلك، يعتقد ساراسوات أن تكلفته العالية والصراعات قد تثبطان شركات الطاقة عن الاستثمار في المشروع.