أودعت مصلحة مياه الليطاني ديوان المحاسبة تقريراً تحمّل فيه مسؤولية التعطيل الحاصل في إدارة ملف الصرف الصحي لعدد من الجهات؛ من بينها مجلس الإنماء والإعمار ومؤسّسات المياه التابعة لوصاية وزارة الطاقة والمياه، إذ امتنعت هذه المؤسسات عن تسلّم محطات التكرير القائمة وتشغيلها، بالإضافة إلى التفضيل الدائم في المشاريع المتعلقة بإدارة المياه لمصالح المتعهدين على حساب السكان، وخرق دفاتر الشروط.في التقرير، يتبيّن أنّ الأموال التي صرفت على تحسين الحوض الأعلى لنهر الليطاني قبل بحيرة القرعون، والحوض الأدنى بعد البحيرة، وصلت إلى 1.2 مليار دولار. وجرى تمويل هذا الإنفاق من القروض والهبات والاعتمادات الحكومية التي بلغ عددها 12، في حين أنّ المياه التي تخرج من محطات الصرف الصحي لا تصلح حتى لريّ المزروعات بسبب تلوّثها الكيميائي والجرثومي. وأظهرت نتائج المسح الذي قامت به الفرق الفنية التابعة لمصلحة مياه الليطاني أنّ عدد محطات معالجة مياه الصرف الصحي على الليطاني بلغ 26 محطة، منها 12 قائمة وجاهزة للعمل إلا أنها لا تعمل بالقدرة والفعالية المطلوبتين، بينما هناك 14 محطة قيد البناء والتجهيز، وهي مرشحة للسيناريو التعطيلي ذاته بسبب الإهمال الإداري والوظيفي.
وبحسب تقرير المصلحة، فإن سوء تشغيل المحطات بالكفاءة المطلوبة يؤدّي إلى ارتجاع 46 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي إلى النهر بلا معالجة. وهذه الكمية في الحوض الأعلى فقط حيث هناك 10 محطات تكرير، 3 منها قيد التحضير، و7 قائمة وتعمل إنّما بصورة جزئية بسبب عدم اكتمال شبكات الصرف الصحي، أو لسوء التشغيل مثل محطتَي جب جنين، وصغبين الموجودتين بعهدة مؤسّسة مياه البقاع، وعيتنيت التي رفضت المؤسّسة الأخيرة تسلّمها بحجة نقص التمويل. أما في الحوض الأدنى للنهر، ما بعد بحيرة القرعون، فهناك 16 محطة، 11 منها قيد التحضير، و5 قائمة إنّما أيضاً لا تعمل بالفعالية والقدرة المطلوبة لعدم اكتمال شبكة الصرف الصحي التابعة لها.
إذاً، استخدمت السلطة السياسية أموال بناء محطات الصرف الصحي لتوزيع التنفيعات بلا تخطيط يخدم الاقتصاد والبيئة المحليّين. فقد أنفق المال العام بلا حساب أو رقابة. مؤسّسات المياه، ومعها وزارة الطاقة والمياه تمتنع عن تسلّم وتشغيل محطات معالجة الصرف الصحي بحجة انعدام القدرات البشرية، فيما تنفق مصالح المياه المليارات على التوظيف السياسي وفقاً لتقرير مصلحة مياه الليطاني. إزاء ذلك، طلبت المصلحة من الديوان تطبيق القانون 221/2000 الذي أنشأ المؤسسات العامة للمياه والصرف الصحي على المخالفين، فالنص القانوني وضع الدراسات المتعلقة بجمع ومعالجة وتصريف المياه المبتذلة في صلب مهام هذه المؤسسات، وأوجب على مصالح المياه التعاقد مع شركات مالية لتدقيق حساباتها، بالإضافة إلى خضوعها لرقابة ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.
في السياق ذاته، ذكّرت مصلحة الليطاني الجهات الرقابية بإمكانية طلب الهيكليات الإدارية لمؤسسات المياه، وسلاسل الرتب والرواتب المعتمدة فيها، ثمّ إجراء مقارنة بين الهيكليّة التي تخصّص أكثر من 40% من الوظائف لمهام إدارة الصرف الصحي، وبين اليد العاملة، أو ما يعرف بالمياومين. فمن الملاحظات مثلاً، تجاوز أجور العاملين سقف سلسلة الرتب والرواتب المعمول بها حالياً، وعدم استخدام اليد العاملة الموجودة في تشغيل قطاع الصرف الصحي خلافاً لدفاتر الشروط. كما فنّدت مصلحة الليطاني حججاً أخرى تتذرّع بها مصالح المياه لعدم تسلّم محطات معالجة المياه. على سبيل المثال، في حال تذرعت المصلحة بعدم وجود السيولة، فعليها إبراز المستندات الفنية والمالية والإدارية التي تؤكّد خضوعها للرقابة المالية، ونماذج طلبات الاشتراك بخدمة الصرف الصحي، وعدد المشتركين، بالإضافة إلى البيانات المالية التي تحدّد قيمة الجباية المخصصة لخدمة الصرف الصحي. أما في حال كانت الذريعة لعدم تسلّم محطات التكرير عدم توافر الشروط الفنية، وعدم تطابق المواصفات، فعليهم إبراز العيوب في الخرائط الفنية والمحاضر الهندسية، والمراسلات الموجّهة إلى الجهات المختصة مثل وزارة الطاقة ومجلس الإنماء والإعمار.
في الخلاصة، «المشاريع المائية غالباً تحصل على الاستثمار المطلوب لأنّه يفيد المقاولين والتجار المحليين»، تقول مصلحة الليطاني في تقريرها، فـ«المستفيدون من الدورة المائية هم المقاولون الخاصون، ففي جيوبهم تنتهي نسبة كبيرة من القروض المقدمة لقطاع المياه». من هنا، أتى تبنّي المؤسسة نظرية «انهيار قطاع المياه في لبنان»، فإخفاقات القطاع باهظة، وكلّفت الحكومة قرابة 2.8% من الناتج المحلي عام 2021، وفي المقابل لم تقدّم محطات معالجة المياه أيّ إضافة بسبب سوء إدارتها أو تشغيلها، إذ بيّنت الفحوصات على المياه الخارجة من محطة تكرير زحلة عدم مطابقتها للمعايير الموضوعة لمياه الريّ، ما يعني التعارض مع الهدف الأساسي لوجود المحطة.
التلوث بالأرقام
أكّدت الفحوصات المخبرية التي أجرتها مصلحة مياه الليطاني في مختبرات الجامعة اللبنانية عدم صلاحية مياه الشفة المستخرجة من نبع شمسين للاستخدام المنزلي، وتشير المعطيات إلى وجود 50 ألف نسمة، أي نحو 7 آلاف مشترك يستفيدون من مياه هذا النبع. أما عدد المقيمين على ضفاف النهر مباشرةً، فبلغ 100 ألف نسمة، 70% منهم من النازحين السوريين الذين يقيمون في مخيمات ترمي مياه صرفها الصحي مباشرةً في مجرى النهر. وفي السياق نفسه، تبيّن للمصلحة وجود 185 مصنعاً على مجرى النهر، وترمي هذه المنشآت 4 ملايين متر مكعب من الملوثات الصناعية في الحوض الأعلى للنهر.