ضخ مصرف لبنان في الأسواق ما يقارب المليارين و500 مليون دولار(2.47 مليار دولار)، خلال مدة زمنية قصيرة تقل عن الشهرين، ومن المتوقع أن يتجاوز 3 مليارات دولار بعد أسبوع واحد، فيما لو استمر بضخ الدولارات بالوتيرة نفسها التي تتم حالياً. وقد ارتفعت قيمة التداول عبر منصة صيرفة في الأيام القليلة الماضية لتصل إلى 153 مليون دولار أول أمس الأربعاء.
في 21 أيار الحالي يكون قرار مصرف لبنان بالتدخل بقوة في السوق، ولجم تدهور سعر الليرة، قد أتم شهره الثاني. ومذ ذاك الحين تمكّن مصرف لبنان من لجم ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء ودفعه للتحرك دون سقف الـ100 الف ليرة. لكن بعيداً عن السعر النظري لدولار السوق السوداء، ماذا عن سعره الفعلي؟ وما الذي حققه اللبنانيون من إنفاق مليارات الدولارات عبر منصة صيرفة خلال مدة زمنية تقل عن الشهرين؟
تضخم الأسعار وفوضى “الدولار”
قد يكون مصرف لبنان نجح بلجم انفلات سعر صرف الدولار في مقابل الليرة، من خلال ضخ الدولارات عبر منصة صيرفة، كإجراء مؤقت. لكن عوامل كثيرة منعت وتمنع اللبنانيين من الإفادة من استقرار سعر الصرف دون المئة ألف ليرة للدولار، أبرزها عشوائية التسعير وفوضى الأسواق. ولا نتحدث هنا عن تعامل التجار خلسة بأسعار غير واقعية للدولار، إنما عن تعاملهم العلني مع عملية تسعير السلع كواحد من أبواب الربح السريع.
عدد كبير من التجار والمؤسسات، منها سلسلة محطات محروقات تابعة لشركة Medco على سبيل المثال، تحدد سعر الدولار لديها عند 93 ألف ليرة، وتعلن السعر على شاشات إلكترونية على مرأى من الجميع، في وقت تحدد فيه وزارة الطاقة سعر الدولار المعتمد في تسعير المحروقات في اليوم نفسه عند 94600 ليرة للدولار. تحقق محطات المحروقات تلك 1600 ليرة ربحاً إضافياً عن كل دولار واحد، تُضاف إلى أرباحها الثابتة. ولا تقتصر تلك التعاملات على محطة محروقات من هنا ومحل ألبسة من هناك. فالأمر ينسحب على المتاجر الكبرى والمراكز التجارية وبعض السوبرماركت، التي تحتسب جميعها سعر الدولار في حال سداد الفاتورة بالدولار عند مستوى 93 ألف ليرة وما دون، ويصل احياناً إلى 90 ألف ليرة.
أما سعر المبيع، فيتم تحديده عند مستويات للدولار شبه ثابتة في محيط 100 ألف ليرة للدولار الواحد. وبذلك يتكبد المواطن عبء الفارق في عمليات التسعير، سواء سدد فاتورته بالليرة أم بالدولار. ففي كلتا الحالتين، لم يحقق المواطن محدود المداخيل أي مكاسب من استقرار سعر الصرف عند مستوات محددة، بخلاف التجار وأصحاب الرساميل والمحظيين من كبار المتعاملين مع المصارف. فهؤلاء يحققون الأرباح من خلال الاستفادة من دولارات صيرفة على أساس 86300 ليرة للدولار، في مقابل بيع الدولار او السلع عند 100 ليرة بالحد الأدنى للدولار.
رواتب الموظفين على حالها
يتحمّل مصرف لبنان الخسائر عبر منصة صيرفة لصالح حفنة من المحظيين، ويُستثنى منهم الموظفون، إذ تقلّصت قيمة الفوارق بين دولار منصة صيرفة ودولار السوق السوداء المعتمد في الشراء من قبل التجار والصرافين، على نحو لم يعد يحقق الموظفون من منصة صيرفة ما يدعم مداخيلهم.
وحسب سعر دولار صيرفة الحالي (86300 ليرة للدولار) يمكن للموظف سحب 100 دولار مقابل 8 مليون و630 ألف ليرة، في حين لا يمكن بيع الـ100 دولار في السوق ولدى الصرافين بأكثر من 93 ألف ليرة للدولار، أي 9 مليون و300 ألف ليرة للمئة دولار. ما يعني أن الموظف بأفضل الأحوال لا يحقق من عملية صيرفة أكثر من 640 ألف ليرة فقط من الـ100 دولار. هذا مع استثناء عمولة المصرف التي قد تخفِّض حجم الاستفادة إلى محيط 600 ألف ليرة فقط من المئة دولار.
التلاعب بأسعار الدولار في السوق يجعل من منصة صيرفة غير ذات منفعة بالنسبة إلى موظفي القطاع العام، ولا تتمكن دولارات منصة صيرفة من تحسين قيمة الرواتب في شتى الاحوال. من هنا نعود إلى السؤال الأول: ما الذي حققه المواطنون، بمن فيهم من موظفين، من مليارات الدولارات التي ضخها مصرف لبنان عبر منصة صيرفة في الأسابيع الماضية، والتي قاربت 2.5 مليار دولار.
وبالأرقام، فقد ضخ مصرف لبنان عبر منصة صيرفة، من 21 آذار الفائت وهو تاريخ قرار تدخّله شارياً لليرة، وحتى يوم أمس الاربعاء 10 أيار ضمناً، ما مجموعه 2 مليار و473 مليون و590 ألف دولار (2.473.590.000 دولار). وفيما لو استمر بضخ الدولارات بالوتيرة نفسها اي ببيع ما يفوق 100 مليون دولار يومياً، فإنه قد يتجاوز 3 مليارات دولار قبل حلول نهاية الشهر الحالي.