يتسع النقاش في البلد عن ضرورة استخدام أصول الدولة غير المنتِجة في سبيل ردّ الودائع، في محاولة جديدة من المنظومة السياسية – المصرفية لاعطاء المودعين ابرة مورفين أخرى، تدفعهم الى تصديق الوعود والافكار التي تطرح عليهم بأن أموالهم ستعاد اليهم يوماً ما، بعد الموت السريري لمشروع اعادة هيكلة المصارف الموجود في مجلس الوزراء حالياً. أصحاب الطرح يعرّفون هذه الأصول التي يراد استثمارها بأنها عقارات ومؤسسات عامة تملكها الدولة وامتيازات موجودة أو قابلة للإنشاء يمكن استخدامها، لإطفاء الخسائر التي تزيد على 72 مليار دولار، وهي مختلفة عن الاصول المنتجة التي تدخل أموالاً الى خزينة الدولة ( اتصالات/ مرفأ…).
علماً أنه منذ بداية الازمة صدر العديد من الارقام عن قيمة هذه الاصول، لكن الى الآن لا رقم رسمياً عن عددها ولا أماكن توزعها الجغرافي ولا قيمتها المادية. بل هناك رقم عن عدد من مؤسسات الدولة غير»الفعالة» حالياً بحسب «الدولية للمعلومات»، ويبلغ عددها 13 مؤسسة يمكن اقفالها للتخفيف من التزامات الدولة المالية.
يرى البعض انه من الممكن تحقيق هذا الطرح من دون بيع اصول الدولة بل تشغيلها عبرppp، أي عبر الشراكة بين القطاع الخاص والعام أو عبر bot، لكن تتباين آراء المختصين حول تصنيف أصول الدولة بين منتجة وغير منتجة، فمنهم من يوافق على هذا التصنيف، ومنهم من يعتبره غير علمي.
منعم: ضوابط وشروط أولها إستدامة الدين العام وتأمين التغطية الاجتماعية وتأمين الخدمات الأساسية
توافق المديرة التنفيذية لـ كلنا-إرادة ديانا منعم على أن «هناك أصولاً للدولة غير منتجة ويجب اصلاحها»، وتشرح لـ»نداء الوطن» أن «أول خطوة للاصلاح هو ما يعرف مأسسة هذه الاصول، أي أن يكون لديها مجلس ادارة وهيئات ناظمة قبل عرضها للشراكة مع القطاع الخاص»، مشددة على أن «النقطة الثانية الاساسية هي أن تتحول الدولة الى الناظم للقطاع، وليس ان تخضع هذه الاصول للوزارات وصلاحيات الوزير بحيث يصبح لهم الحق في التحكم في مفاصل هذه المؤسسات. بل يجب أن يكون هناك هيئات ناظمة تضع القوانين التي على اساسها تعمل المؤسسات في كل القطاعات ويكون لديها هامش حركة واسع، والا فنحن أمام مشكلة كبيرة لأنه سيكون هناك ضغط كبير من الوزراء الذين يملكون صلاحيات واسعة على هذه المؤسسات». تؤكد منعم: «إن كل الايرادات التي تأتي من هذه الأصول (بعد تحسينها) هي ايرادات لجميع اللبنانيين، ويجب أن تدخل في الموازنة العامة وأن يستفيد منها كل اللبنانين وليس للمودعين فقط. وآخر خطة طرحت على مجلس الوزراء ولم تناقش كفاية، كانت تتضمن فكرة استخدام بعض موارد الدولة للتعويض عن المودعين، ونحن نرى أن هذا الامر يمكن أن يتحقق لكن بضوابط وشروط وأولها أن يكون الدين العام بمستويات مستدامة، وأن لا تكون هذه المساهمة مؤثرة سلباً على تأمين حاجات أخرى لجميع اللبنانيين، وأهمها التغطية الاجتماعية والخدمات الاساسية»، جازمة بأن «هناك خوفاً حقيقياً من استخدام هذه الاصول للتعويض على جزء قليل من المودعين (10 بالمئة)، لأن الخطة تغطي حوالى 88 بالمئة من المودعين، وأن يتم تكريس واقع استخدام أصول الدولة لفئة من اللبنانيين بدلاً من الشعب بأكمله».
تضيف: «تقنياً نحن مع تحسين هذه المؤسسات والأصول ومأسستها تمهيداً لشراكات مع القطاع الخاص،علماً أن الجردة على عقارات الدولة أظهرت أن غالبية العقارات هي خارج بيروت واسعارها متواضعة، في حين أن العقارات ذات القيمة المالية المرتفعة هي في بيروت وعددها قليل، وكان هناك عدة اقتراحات منها انشاء شركة تدير هذه الاصول وتستثمرها وتؤجرها وعائداتها تعود للخزينة». وتسأل: «هل يجب أن تكون هناك هيئة واحدة لادارة هذه الاصول ام هيئات متعددة بحسب نوعها؟ هذا سؤال يجب ان يطرح لأن القطاعات مختلفة، ومن الأفضل أن تكون هناك ادارة لكل قطاع على حدة، لأن هذا يؤمن وجود اشخاص على دراية في كيفية ادارتها وفي كل ما يتعلق بالمعرفة العقارية». وتختم: «كل طرح متعلق في كيفية تحسين هذه الاصول هو ضروري وواجب، والسؤال هو اين يجب أن تذهب هذه العائدات».
على ضفة المعترضين على التصنيف يشرح الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن» أن «ليس هناك اصولاً للدولة غير منتجة، فالعقارات والمباني يمكن استثمارها وتأجيرها ولذلك لا يمكن اطلاق صفة «غير منتجة» عليها. كما أن لا دراسة رسمية صادرة عن وزارة المالية عن عددها وتوزيعها الجغرافي وقيمتها المادية، بالرغم من كل الارقام التي تطرح عن هذا الموضوع»، لافتاً الى أن «هناك عقارات للدولة غير ممسوحة، وكل وزير مالية يتسلم مهامه يكلف لجنة من وزارة المالية والبلديات، لتحديد عقارات الدولة وتخمين قيمتها ولكن لا نتائج رسمية الى الآن. علماً أن تقييم هذه الاراضي والعقارات يخضع لعدة معايير أبرزها مكانها الجغرافي، وبالتالي لمعرفة قيمة هذه العقارات، ويجب تحديد موقعها وتخمينها كل عقار على حدة».
يضيف: «حتى الآن لا يوجد احصاء بممتلكات الدولة العقارية، حتى اذا ارادوا احصاءها فهذا الامر يستلزم سنوات، لأنه يجب تخمين كل عقار على حدة وليس بشكل اجمالي بعد تحديد موقعه، وكل كلام عن قيمة أصول الدولة هو غير صحيح وغير مسؤول»، مشدداً على أن «هناك فرقاً بين موجودات الدولة أي الاصول والعقارات وبين مؤسسات الدولة غير المنتجة ويجب الفصل بين الامرين. إذ إن هناك 13 مؤسسة للدولة غير منتجة حالياً، ومنها على سبيل المثال المؤسسة العامة للأسواق الاستهلاكية (تضم 20 موظفاً)، وشركة أليسار ومديرية سكك الحديد وهي لا تعمل ولا تنتج، ولكن المدير العام للسكك الحديد يقول إن مهمة موظفيه هو الحفاظ على أملاك الدولة وهي بملايين الدولارات».
يوضح شمس الدين أنه «يمكن اقفال هذه المؤسسات للتخفيف من أعباء الدولة المالية، أما أصول الدولة (أراضي وعقارات) فيمكن استثمارها وبيعها وتأجيرها لتأمين الاموال لسد ودائع المودعين. هناك عقارات يمكن بيعها وأخرى استثمارها لأن أسعارها مرتفعة، وهناك عقارات يمكن استثمارها بالزراعة واخرى يمكن الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص لاستثمارها في قطاع البناء وتأمين مساكن لذوي الدخل المحدود. وايضاً تأمين مداخيل من خلال تأجير قسم من العقارات الاخرى، وبهذه الطريقة لا تتخلى الدولة عن أصولها وتؤمن عائدات مالية بطريقة مستمرة». يجزم شمس الدين أنه «لا بد من احصاء هذه العقارات اولاً إما لتأجيرها أو بيعها أو استثمارها مع شركاء، ومن ايرادات هذه العقارات يمكن انشاء حساب لتسديد الودائع. أما المؤسسات غير المنتجة فيمكن اقفالها واراحة الدولة من مصاريفها، وهناك مستشفيات حكومية ومدارس لا رواد لها يمكن استثمارها بطريقة أو بأخرى (31 مستشفى حكومياً)، وقد تم بناؤها ضمن المحاصصة الطائفية والسياسية».
يجزم الوزير السابق فادي عبود لـ»نداء الوطن»، أن «هناك املاكاً قابلة للاستثمار ويمكن أن تساعد في اعادة أموال المودعين، ومنها على سبيل المثال سكة الحديد والممتدة على طول الشاطئ اللبناني وهي حالياً لا قيمة لها ويجب استثمارها بشكل صحيح وايضاً مرفأ بيروت»، سائلاً: «من قال إن المرفأ يجب أن يكون على البقعة الاغلى سعراً في لبنان، لماذا لا يتم نقله بضعة كيلومترات ويتم استثمار الارض الموجود عليها حالياً (ما يزيد عن مليون متر مربع)، ويمكن ان يتحول الى مرفأ سياحي جميل ومثمر ومنتج؟ وايضاً هذا الامر يمكن أن ينطبق على مطار بيروت بغض النظر عن أموال المودعين، الدول لا تقيم مرافقها على الاراضي الأغلى فيها. وهناك الكثير من المرافق والعقارات التي تملكها الدولة ويمكن استثمارها».
يضيف: «برأيي حصة الدولة في استثمار هذه الاصول لا يجب أن تخولها ادارتها كي لا يتم استخدامها للتنفيعات والتوظيف السياسي، ونعود الى دوامة الاستغلال السياسي للقطاعات على غرار ما حصل في قطاع الخلوي وغيره. بل يجب ان يتم الاستثمار وفقاً لمزايدات ومناقصات عالمية وبشفافية مطلقة وبشكل علني ووفقاً لدفتر شروط واضح المعالم، واعلانات في كل صحف العالم لجذب شركات عالمية»، مشيراً الى أن «حصة الدولة في هذه الشركات لا يجب أن يخولها ادارة هذه الاصول. المهم ايجاد الآلية المناسبة كي لا نقع في نفس الفخ، اي استغلال السياسيين والاستيلاء على مردود هذه الاصول».
يجزم عبود بأن «هناك مسؤولية اساسية على أصحاب المصارف تجاه المودعين، ولكن لا يمكن انكار ان هناك مسؤولية ايضاً على الدولة ويجب توزيع المسؤوليات بشكل عادل، ولذلك حين يكون هناك امكانية للاستفادة من أملاك الدولة بشكل عادل ومستدام، فلا يجب ان نتأخر في ذلك».
يقدّم رئيس جمعية مبادرة سياسات الغد، سامي عطالله لـ»نداء الوطن»، وجهة نظر مختلفة حيال استعمال أصول الدولة غير المنتجة لاعادة أموال المودعين، فيقول: «كل الفكرة خطأ، لأن ليس كل الشعب اللبناني لديه أموال في المصارف يجب استردادها، في المقابل كل اللبنانيين لديهم حصة في هذه الاملاك. ونظرياً هذا يعني استعمال هذه الاملاك لجزء من اللبنانيين أي المودعين. طريقة طرح هذه الفكرة خاطئة وخطيرة لأنه ليس كل مواطن لبناني مودع، بل أن المودعين الذين تحاول الطبقة السياسية اعادة أموالهم هم المودعون الكبار الذين لم يستطيعوا تهريب أموالهم لسبب أو لآخر».
ويسأل: «لماذا يتم الطرح بهذه الطريقة؟ نحن نعرف أن المصارف هي مسؤولة أيضاً عن اعادة أموال المودعين، وبالتالي طرح استخدام اصول الدولة هو ترسيخ ان الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن الازمة وهي من استولى على اموال المودعين وقامت باستخدامها في سياسات خاطئة»، مشدداً على أن «هذه الطروحات هي تشخيص خاطئ للمشكلة، لأن من هي الدولة ومن يمارس احتكاراً على الدولة؟ إنها فعلياً الاحزاب الحاكمة والتي تملك استثمارات في المصارف ونفوذاً سياسياً، والطرح هو أن هناك 3 جهات اساسية اي الدولة ومصرف لبنان والمصارف وكأنها جهات منفصلة عن بعضها، هذا النقاش حول ترتيب المسؤوليات عن الازمة واعادة الاموال خطأ».
يؤكد عطالله أن «الموضوع ليس في تراتبية المسؤولية عن الازمة بل الامر معكوس تماماً، لأن الدولة محتكرة من أصحاب نفوذ سياسيين ومصرفيين وهناك تلاقي مصالح بينهم، وتقرير ألفاريز أند مارسال أظهر أن رياض سلامة هو من اتخذ القرارات المالية من دون ان يحرك اعضاء المجلس المركزي ساكناً، وبالتالي فان مصرف لبنان ليس مؤسسة لنقول انها المسؤولة بل هناك شخص مسؤول عما حصل هو رياض سلامة وعلاقته مع المصارف»، جازماً بأن «تشخيص المشكلة يتم بشكل خطأ، وقبل الكلام عن استخدام اصول الدولة، علينا نقاش من هي الدولة ومن يديرها؟ وهنا يظهر ترابط المصالح. والامر الثاني: حتى لو كانت الدولة مسؤولة، علينا ان نعرف ان المودعين الذين يراد اعادة اموالهم هم كبار المودعين وليس الصغار. هناك محاولة تسلّط على أصول الدولة المنتجة وغير المنتجة لاستعادة اموال مودعين كبار يملكون النفوذ وما يزيد عن 40 مليار دولار». ويختم: «الناس حالياً في حالة ابتزاز عاطفي من قبل هذه الطبقة السياسية الذين يطلقون شعار اموال المودعين مقدسة، علماً انهم سرقوهم ويبيعونهم أوهاماً بأن أموالهم ستعود».