إنقطاع المازوت شمالاً يُهدّد بتوقّف القطاعات: الشعب يأكل بعضه بعضاً

أضحى فقدان المازوت مشكلة المشاكل، وتأمينه أصعب المصاعب، ومن دونه لا شيء يشتغل، فهو شغل الناس الشاغل. إنها حرب استنزاف للشعب وحياته وموارده وهي أخطر بكثير من الحرب المعلنة. هذا باختصار وضع الناس والمواطنين في عكار وطرابلس ومناطق الشمال، الذين يقضون أيامهم في البحث عن المازوت، كلٌ في قطاعه؛ ومعظمهم عبثاً يحاولون.

في الشمال كل القِطاعات متوقفة تقريباً عن العمل لأن عملها بالأساس يتوقف على وجود المادة. وقُطّاع الطريق هم الآخرون أعمالهم تنشط مع وصول شحنات المازوت إلى المناطق فيسطون ويستولون عليها لتفريغ أجزاء من حمولتها أو كلها في مناطقهم. ومع أن هذا التفريغ يحصل مقابل تأمين ثمن هذا المازوت، إلا أن الفكرة نفسها لم ترق لعموم الناس لأنها تحرم منطقة من مازوتها لصالح منطقة أخرى، مع أحقية كل المناطق بالحصول على حاجياتها من المادة. وعن عمليات اعتراض الصهاريج التي تحصل جهاراً نهاراً في عكار وطرابلس والمنية ومؤخراً في الكورة فحدّث ولا حرج.

الفوضى ما كانت لتحصل لو أننا نعيش في كنف دولة تحترم نفسها وترعى مصالح شعبها. ففي كنف الدولة لن تكون هناك مولدات خاصة لأن تأمين الكهرباء 24 / 24 من واجبها، وفي كنفها لا يوجد نائب أو مسؤول في بنية النظام ويتاجر بالمازوت وبحقوق شعبها. في كنف الدولة لا تنفيعات ولا تعدّيات ولا مناطق بسمنة ومناطق بزيت. نحن في لبنان وباختصار نعيش في عصفورية مكتملة شروط “العصفرة” والجنون، ومن أراد أن يتأكد فلينزل ويراقب أوضاع محطة تقوم بتعبئة البنزين في الشمال ويرى، أو ينتظر صهريج مازوت يمر من طريق ما شمالاً ويرى، أو ليشاهد ما شاهدناه بالأمس في عكار من “طوبرة” وجمهرة على محطات الغاز وكأنّ القيامة ستقوم في اليوم التالي ويرى.

لقد استأسد الشعب المنهوب والمنكوب على بعضه البعض؛ وبدل أن يستجمع طاقته ويصبّ جام غضبه على المسؤولين لما وصل إليه من تعتير، قلب بندقيته فيما عدوه الحقيقي، هم المسؤولون، يتفرّجون على ما يحصل ويقهقهون ثم يمعنون بشدّ الخناق عليه أكثر فأكثر. فلقد راقت للمسؤول الفكرة كثيراً: هذا الشعب كلما جاع أكل بعضه ولم يأكل حكامه.