إيراديان: قراءة اقتصادية في موازنة 2022

أمل كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «معهد التمويل الدولي» غربيس إيراديان، في مقابلة مع «الجمهورية»، أن «يضع القادة السياسيون في لبنان خلافاتهم جانبا وأن يوافقوا قريبا على موازنة معدّلة لعام 2022 تراعي اقتراحات وفد صندوق النقد الدولي. لم يتضمن المشروع الرئيسي لموازنة 2022 (أكثر من 1000 صفحة) إطارا ماليا متعدد السنوات، كما هو الحال في العديد من البلدان، بما في ذلك ملخص لمؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية المتوقعة والبرنامج المالي الكلي الشامل للحكومة. إلا أن وزير المالية قام بتعميم مذكرة توضيحية تتعلق بالموازنة، تضمنت بعض افتراضات الاقتصاد الكلي لعام 2022.

كان ينبغي أن تهدف موازنة 2022 إلى عدم الاقتراض من النظام المصرفي أو تحقيق فائض أولي صغير بنسة 0.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتوقعاتي، بدلاً من عجز أولي يبلغ 1.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي المتصور في مشروع الموازنة، بافتراض تخصيص 5240 مليار ليرة لمؤسسة كهرباء لبنان من إجمالي الإنفاق. سيؤدي الاقتراض المحلي المتوقّع والبالغ 10.3 تريليونات ليرة إلى تفاقم الضغوط التضخمية. كان الهدف من تحقيق فائض أولي صغير لعام 2022 أن يرسل إشارة أولية قوية إلى مستثمري القطاع الخاص والمجتمع الدولي بأن السلطات مصمّمة الآن على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، بدءا من تحقيق إيرادات إضافية.

في ظل الظروف الحالية ومحدودية الإيرادات أعتقد أن مشروع الموازنة قد خصص الإنفاق الكافي على القطاعات الاجتماعية لحماية الفقراء. ارتفع المخصص للإنفاق الاجتماعي من 5.7 تريليونات ليرة في عام 2021 إلى 14.0 تريليون ليرة في عام 2022، أي ما يعادل 26 ٪ من إجمالي الإنفاق، وهي أعلى نسبة في سنوات عديدة. كما أن مخصصات الإنفاق على الصحة تضاعفت أكثر من ثلاثة أضعاف في مشروع موازنة 2022، مقارنة بعام 2021. ومن الواضح أن الإنفاق على القطاعات الاجتماعية بحاجة إلى زيادة أكبر إذا توفرت المزيد من الإيرادات. يمكن إنشاء شبكات أمان اجتماعي واسعة النطاق للحد من الفقر بمساعدة المجتمع الدولي في سياق برنامج صندوق النقد الدولي.

إن الزيادة المتوقعة في الإيرادات في عام 2022 تعكس ببساطة استخدام سعر صرف 20000 ليرة لبنانية على جانب الإيرادات، مصحوبة بإجراءات واضحة لمكافحة التهرب الضريبي. يمكن تخصيص جزء من هذه الإيرادات الإضافية لزيادة الإنفاق على السلع والخدمات وعلى القطاعات الاجتماعية. من الواضح أن مجتمع الأعمال أو الطبقة الغنية في لبنان، بدعم من مجموعات المصالح الخاصة في البرلمان، سيستمرون في مقاومة استخدام نفس سعر الصرف لجميع المعاملات على جانبي الإيرادات والنفقات.

يمكن تقليص او تعويض الضغوط التضخمية المتواضعة التي ستنتج عن استخدام سعر صرف 20000 ليرة لبنانية للرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة، من خلال الارتفاع المتوقع لسعر الصرف في النصف الثاني من عام 2022 (على سبيل المثال من 20.000 إلى 15.000 ليرة لبنانية) في سياق برنامج قوي مع صندوق النقد الدولي وتمويل خارجي ملائم. في هذه الحالة، يمكن إصدار موازنة تكميلية خلال العام مع بعض التغييرات في جانب الإيرادات والنفقات بما يتفق مع الافتراضات الاقتصادية الكلية المعدلة أو الجديدة. هذه هي الممارسات في معظم البلدان.

إن الإنفاق الاستثماري ضئيل للغاية في مشروع الموازنة (2.2 تريليون ليرة، أي ما يعادل 0.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي أو 4 ٪ من إجمالي الإنفاق). ومع ذلك، إذا أضفنا النفقات الاستثمارية الممولة من الخارج، وبشكل أساسي من البنك الدولي بمبلغ 270 مليون دولار (أو 5.4 تريليونات ليرة باستخدام سعر صرف 20.000)، فإن إجمالي الإنفاق الاستثماري سيكون 7.6 تريليونات ليرة، أي ما يعادل 12.9 ٪ من الإجمالي.

اعتقد ان فرص التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قد زادت منذ استئناف جلسات مجلس الوزراء. آمل أن توافق الحكومة قريبًا على إدراج تعليقات فريق صندوق النقد الدولي على موازنة 2022. في هذه المرحلة، هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن التوقيت ونوع البرنامج وحجم الحزمة المالية المتوقعة من صندوق النقد الدولي. من المرجح أن يتضمن أي برنامج ناجح وقوي للبنان أكثر من 10 مليارات دولار من التمويل على مدى أربع أو خمس سنوات، في شكل برنامج تمويل ممدد (EFF). هذا اقتراح صعب بالنسبة للبنان بسبب استمرار عدم توفر الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات العاجلة.

تظهر تقديراتنا المعدّلة للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، انكماشًا بنحو 7 ٪ في عام 2021، مدفوعاً بتدهور صافي الصادرات والانكماش الكبير في الاستهلاك العام والاستثمار بالقيمة الحقيقية. من الصعب للغاية تقدير النمو في لبنان نظراً لغياب المؤشرات الاقتصادية والمالية الموثوقة وفي الوقت المناسب. يعتبر الوصول الى الإحصاءات في لبنان الأسوأ بين دول الشرق الأوسط وأفريقيا. من المؤسف أن ادارة الاحصاء المركزي ليس لديها لغاية الآن تقديرات للحسابات القومية للعام 2020. كما أن ميزان المدفوعات والأرقام المالية الفعلية في لبنان يتم إصدارها بفترات متأخرة. في مثل هذه الحالة من توفر الإحصاءات السيئة وغير الكافية، من الصعب صياغة سياسة اقتصادية. إن هامش الخطأ في تقديرات البنك الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى لمعدل النمو لعام 2021 كبير جدًا. مِن الآمِن أن نقول إن الانكماش في الإنتاج في عام 2021 كان بين 3 و 10 ٪. أفترض أيضًا أن النمو في عام 2022 قد يتجاوز 4.5 ٪ إذا تم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الانتخابات البرلمانية.

مصدرالجمهورية - رنى سعرتي
المادة السابقةتجّار وأصحاب سوبرماركت الى السجن بعد أيّام!
المقالة القادمةهكذا ستبتلع أسعار السلع المواطن بعد اقرار الدولار الجمركي…