بعد هبوط قيمة الريال الإيراني إلى مستويات قياسية، خلال الأسابيع الماضية، ولجوء مواطنين إيرانيين إلى شراء عملات أجنبية للحفاظ على قيمة رؤوس أموالهم، وانتعاش السوق السوداء، أطلقت السلطات الإيرانية، منذ أسبوعين تقريباً، خطتين، الأولى مالية والثانية أمنية، لوقف مسار هبوط العملة الإيرانية، وإعادة الاستقرار إلى سوق العملات، لكن على الأرض لم تُسجل نتائج مرضية، رغم نجاحات نسبية.
في ما يتعلق بالخطة المالية، قام البنك المركزي الإيراني، بضخ مئات الملايين من العملات الصعبة، من الدولار واليورو والدرهم الإماراتي في السوق، خلال الأسبوعين الأخيرين، وتم إجبار المصدرين على إعادة عوائد صادراتهم بالعملة الصعبة إلى سوق “نيما” للعملات الصعبة، والتي أسسها البنك المركزي الإيراني، عام 2018 لتأمين العملات الأجنبية للتجار الإيرانيين.
وتشير بيانات إيرانية إلى أن حجم هذه العوائد التي رفض المصدرون إعادتها إلى السوق يقدر بـ27 مليار دولار. ودفع تأخر المصدرين الإيرانيين في إعادة هذه المبالغ إلى الداخل، الحكومة الإيرانية إلى تحديد مهلة لهم، انتهت يوم 21 من شهر يوليو/تموز الماضي. ودخلت السلطة القضائية الإيرانية على الخط لإجبار المصدرين على إعادة هذه الأموال، إذ هدد المتحدث باسم السلطة، غلام حسين إسماعيلي، أخيراً، بملاحقتهم قضائياً.
وفي السياق، بدا أن الاستجابة لمطلب البنك المركزي الإيراني، لم تكن كبيرة، مما اضطر البنك إلى إصدار بيان تحذيري، الإثنين، هدد فيه المصدرين المخالفين بالملاحقة القضائية، معتبراً أن “عدم إعادة العملات يعد بمثابة تهريب العملات وسيتم التعامل مع المخالفين قضائياً”.
ومدد البنك المركزي الإيراني المهلة لمدة شهر إضافي حتى 21 من الشهر الحالي، مشيراً إلى أنه قدم أسماء 250 مصدراً إلى السلطة القضائية، “لم يرجعوا حتى دولارا واحداً من عائدات صادراتهم رغم المتابعات المتكررة من البنك”، وفق البيان.
وبالإضافة إلى الخطط المالية آنفة الذكر التي اتبعها البنك المركزي الإيراني لإعادة الاستقرار إلى سوق العملات الصعبة، كثف البنك جهوده مع وزارة الخارجية الإيرانية خلال الفترة الماضية لإعادة أموال إيرانية مجمدة في الخارج، حيث أشار المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أواخر الشهر السابق إلى أن دولتين قررتا الإفراج عن موارد إيرانية بالعملة الصعبة من دون تسميتهما، أو الكشف عن حجم الأموال التي ستفرج عنها وموعد ذلك، مضيفاً أنه “بجهود الخارجية والبنك المركزي توفرت ظروف عودة عوائد بالعملة الصعبة من البلدين إلى الداخل”.
العقوبات الأميركية المفروضة على طهران إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، طاولت كافة مفاصلها الاقتصادية في إيران، بما فيها الصادرات النفطية وتعاملاتها المالية والمصرفية مع الخارج، وأصبحت إيران تواجه مشكلات كبيرة في إعادة أموال صادراتها من الخارج، حيث تقدر تقارير أن حجم الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج بلغ أكثر من 100 مليار دولار، من بينها نحو 9 مليارات دولار في كوريا الجنوبية.
وبعد رفض الحكومة الكورية إعادة هذه الأموال، عازية ذلك إلى العقوبات الأميركية، اشتكت طهران لدى الأوساط الدولية القانونية، خلال الشهر الجاري، وهو ما دفع سيول إلى استدعاء السفير الإيراني لديها احتجاجاً على الخطوة.
إلا أن وكالة يونهاب للأنباء الكورية، كشفت، أول من أمس الإثنين، عن اتفاق إيراني كوري جنوبي لتأسيس آلية للتجارة الإنسانية، أي التجارة في سلع غير محظورة أميركياً، مما يعني أن سيول لا تنوي إعادة الأموال الإيرانية، نقداً بالعملات الصعبة، بل تسعى إلى مقايضتها بسلع إنسانية.
أما في ما يرتبط بالخطة الثانية، وهي خطة أمنية، فهي تهدف إلى منع التعامل في العملات الصعبة خارج أطر المحال المرخصة. وقامت الشرطة وأجهزة الاستخبارات في إيران، باعتقال العشرات من المضاربين وتفكيك شبكات المضاربة غير المرخصة.
وفي السياق، تنفيذ الشرطة الإيرانية حملتی اعتقالات خلال الشهر الأخير، قامت بموجبها باعتقال العشرات من المضاربين، فالأولى نفذت يوم 22 يوليو/تموز الماضي، حيث أعلنت شرطة الأمن الاقتصادي بالعاصمة الإيرانية، طهران، عن اعتقال 30 شخصاً من “العناصر الرئيسية ورؤساء شبكات المضاربة في العملة الصعبة والمتسببين الرئيسيين بارتفاع أسعارها”.
وقال رئيس شرطة الأمن الاقتصادي بطهران، العقيد علي ولي بور، وفقاً لما أوردته وكالة “إيسنا” إن الشرطة قامت باعتقال من وصفهم بـ”المضاربين المخالفين في سوق العملات والذين يقومون ببيع وشراء العملات بطرق غير قانونية في بعض مناطق طهران”. وتُحظر أي عملية بيع وشراء للعملات الصعبة خارج البنوك ومحال الصرافة المرخصة بموجب قرارات مجلس أمن الدولة والمجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي.
أما حملة الاعتقالات الثانية، فنفذتها الشرطة الإيرانية، يوم 28 يوليو/تموز، واعتقلت بموجبها 51 مضارباً بتهمة الإخلال بسوق العملات، وفقا لما أوردته وكالة “فارس” الإيرانية، نقلاً عن رئيس شرطة الأمن الاقتصادي بالعاصمة طهران، محمد رضا مقيمي.
إلى ذلك، كشف رئيس شرطة الرقابة على الأماكن العامة في العاصمة الإيرانية، طهران، العقيد نادر مرادي، يوم الإثنين، عن إغلاق 9 محلات صرافة بسبب عمليات بيع وشراء غير قانونية للعملات الأجنبية وبتهمة الإخلال بالنظام الاقتصادي، لافتاً إلى أن الشرطة سلمت مسؤولي 15 محلاً آخرين إنذارات نصية، حذرتهم من تكرار أنشطتهم المخلة بسوق العملات، وفقا لما أوردته وكالة “مهر” الإيرانية.
وفي ذات الشأن، أعلنت وزارة الأمن الإيرانية، عن نجاحها في تفكيك إحدى أكبر شبكات تهريب العملات وغسل الأموال في محافظة أذربيجان الغربية، على الحدود مع تركيا، مشيرة، بحسب التلفزيون الإيراني، إلى أن الشبكة كانت متشكلة من مواطنين إيرانيين وصرافين أجانب.
وذكر التلفزيون الإيراني أن عناصر الشبكة “كانوا يقومون ببيع وشراء العملات الأجنبية بطريقة غير قانونية في داخل إيران، وكانت لهم علاقة مع صرافين ومراكز السياحة في دول مجاورة مثل تركيا والعراق، وقاموا بتحويل كميات كبيرة من العملات إلى الخارج”.
وخلال عملية تفكيك هذه الشبكة، اعتقلت الاستخبارات الإيرانية “7 من العناصر الرئيسية من الشبكة ومن لهم علاقة بها” وفقا للمصدر، الذي أشار إلى أن حجم معاملات الشبكة “غير القانونية” بلغ “300 مليون دولار، و60 مليون يورو، و150 مليون ليرة تركية، و35 مليون درهم، بقيمة إجمالية تصل إلى 70 ألف مليار ريال” إيراني.
إلا أن نتائج الخطتين، متواضعة حتى الآن، حيث لم تستعد العملة الإيرانية من عافيتها، إلا نحو 20 في المائة، وذلك بعدما خسرت نحو 80 في المائة من قيمتها، خلال الشهور الخمسة الأخيرة. وبعدما هبط الريال إلى 260 ألف ريال مقابل الدولار، ارتفع سعر الصرف إلى 190 ألف ريال قبل أسبوعين، إلا أن هذا التحسن لم يستمر إلا أياما، لتعود العملة إلى مسارها التراجعي مجدداً ووصلت قيمتها خلال معاملات الثلاثاء في السوق السوداء إلى 232 ألف ريال مقابل الدولار.
ورغم أن العملة سجلت تحسناً طفيفاً بالمقارنة مع مستوى الهبوط القياسي الذي وصلت إليه عندما تراجعت إلى 260 ألف ريال مقابل الدولار، لكن أسعارها هذه الأيام تمثل تراجعاً قياسياً بالمقارنة مع قيمتها خلال مارس/آذار الماضي.