الخوف من تفجيرات أجهزة “البيجير” وأجهزة الاتصال اللاسلكي Walkie Talkie بعناصر حزب الله، دفع الناس إلى تداول صُوَرٍ لهواتف خليوية منفجرة وأخرى لبطاريات ليثيوم عائدة لأنظمة الطاقة الشمسية، عبر مجموعات الوتسأب، فضلاً عن انتشار تسجيلات صوتية لأشخاص يَدْعون الناس إلى فصل الأجهزة الإلكترونية عن شبكة الإنترنت، أو حتى فصل الشبكة نفسها بالكامل، وعدم الاتصال بها حتى عبر الهواتف المحمولة، وذلك خوفاً من توسيع العدوّ الاسرائيلي مروحة اختراقاته وصولاً إلى المنازل. فهل يستطيع العدوّ فعلياً الوصول إلى هواتفنا وأجهزتنا الإلكترونية وتفجيرها؟
الاتصال بالانترنت غير آمن
يشبه ما حصل يوميّ الثلاثاء والأربعاء، 17 و18 أيلول، أفلام الخيال العلمي. فبكسبة زرٍّ واحدة، سقطَ الآلاف في مشهد إجرامي يفوق الوصف. التحقيقات مستمرّة وكذلك التكهّنات. وواقع أن أحداً لا يعرف يقيناً كيفية وصول العدوّ إلى تلك الأجهزة وتفجيرها، يثير الرعب ويفتح المجال أمام احتمالات وصول العدوّ لأي جهاز موجود بين أيدينا وفي منازلنا، فيما نحن لا نملك إلاّ القلق وانتظار الخطوة التالية.
إمكانية وصول العدوّ إلى أجهزتنا الإلكترونية وهواتفنا والعَبَث بها، فيه شيء من الواقع وشيء من التهويل. فالمسألة لها أبعادها التقنية والتجارية العالمية في آن.
الثابت حتى الآن، وفق ما يقوله أحد المتخصّصين بتكنولوجيا الاتصالات، أن “تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، لم يتمّ عبر الانترنت، لأنها أجهزة لا تعمل بنظام الانترنت”. ومع ذلك، لا يزال الخطر قائماً. إذ يشير الاختصاصي في حديث لـ”المدن”، إلى أن “أي جهاز يتّصل بالإنترنت هو عرضة للاختراق، من الهواتف النقّالة التي بين أيدينا إلى أجهزة الطاقة الشمسية وأي شيء آخر. وإمكانية الاختراق والوصول تعني وجود احتمال التفجير. لكن لا أحد يعرف إذا كان التفجير ممكناً بالفعل، إلاّ عند وقوعه، وإلى حينه، يبقى موضوع التفجير احتمالاً وتكهّناً ليس إلاّ. لكن في جميع الأحوال، الاتصال بالانترنت غير آمن”.
التوجّس من الاتصال بالإنترنت يعود إلى رفضنا للاختراق والتجسّس، لأنه “عبر الإتصال بالإنترنت يستطيع العدوّ تحديد عدد الأجهزة الإلكترونية والهواتف المحمولة الموجودة في المنزل وموقعها وبُعد الشخص عنها، وارتفاعها هي عن الأرض، ويستطيع اختراق الهواتف النقالة والوصول إلى البيانات الموجودة فيها وفتح الكاميرا. وإذا كان نظام الطاقة الشمسية متّصلاً بالإنترنت عن طريق جهاز الربط بالإنترنت “دونغل” Dongle يمكن التحكّم بهذا النظام. لكن حتى الآن لم يثبت القدرة على تفجيره بواسطة اختراق الدونغل. أما في حال لم يكن نظام الطاقة الشمسية متّصلاً بالإنترنت، فالقدرة على اختراقه غير ممكنة، إلاّ إذا تمّ زرع جسم مسبقاً في ألواح الطاقة أو بطاريات الليثيوم، لكن في هذه الحالة نكون أمام توسيع غير مُبَرَّر لدائرة التكهّنات”.
ولأن الاتصال بالإنترنت غير آمن، لا يجد الاختصاصي ضيراً من “فصل أنظمة الطاقة الشمسية وباقي الأجهزة الإلكترونية عن الإنترنت لتجنّب تضرّرها عن طريق إرسال حزمة بيانات هائلة لا يستطيع الجهاز تحمّلها، فيضطر لصرف “مجهود الكتروني” كبير للتعامل معها، فترتفع حرارته وحرارة بطاريته الليثيوم فتحترق أو تحفّز جهازاً ما، قد يكون مزروعاً داخلها فينفجر”. وفي الوقت نفسه “لا داعي لفصل الهواتف والتوقّف كلياً عن استعمال شبكة الإنترنت، لأن لمسألة الهواتف أبعاداً أخرى”.
خلق حرب اقتصادية عالمية
يستبعد الاختصاصي لجوء العدوّ لعملية تفجير جماعية للهواتف النقّالة، ليس لرقّة قلبه ورأفته باللبنانيين، بل لتداعيات هذه العملية على التجارة الدولية وتأثيرها على علاقاته التجارية مع الشركات الدولية، ومنها الشركات الأميركية الحليفة له “كما أن استهداف هواتف اللبنانيين يعني خسارته باباً لجمع المعلومات. فلماذا يضرب العدوّ وسيلة اتصال يستطيع اختراقها والتنصّت عبرها على مَن يريده ويستطيع من خلالها رسم صورة عن البيئة المحيطة لحامل هذا الهاتف؟. وعلى عكس الهواتف العادية، لأجهزة البيجر واللاسلكي صفة عسكرية، واستهدافها يعني الوصول إلى الأشخاص المعنيين مباشرة”.
بالتوازي، يرى الاختصاصي أن استهداف الهواتف النقالة ينطوي على أزمة تجارية عالمية وإخلالاً بموازين صناعة الهواتف “ولا يمكن للولايات المتحدة الأميركية أو الصين أو كوريا الجنوبية القبول بها”. وعلى سبيل المثال “إذا فجَّرَت إسرائيل بطريقة ما، أجهزة شركة سامسونغ أو هواوي أو آيفون، فإن سوق هذه الأجهزة سيهتزّ. وإذا فجَّرَت أجهزة من نوعٍ محدَّد من دون غيره، فسيختلّ الميزان لصالح الشركات المنافِسة. ولا يمكن الركون في هذا المجال إلى أنظمة الحماية من الاختراق التي تصنعها الشركات لهواتفها، بما في ذلك أنظمة الآيفون”.
الصورة التجارية التي يرسمها الاختصاصي للهواتف الخليوية، لا تتلاءم كثيراً من أجهزة البيجر واللاسلكي “لأنها أجهزة ذات طابع عسكري، ومن المتوَقَّع لدى الشركات المصنِّعة أن يتم التلاعب بتلك الأجهزة أو اختراقها لاستهداف عسكريين وليس مدنيين، وبالتالي لن يؤثِّر استهداف البيجر واللاسلكي على سمعة الشركات المصنِّعة إلاّ إذا ثبت تفخيخ تلك الأجهزة داخل الشركات نفسها وليس خارجها حيث تصبح هي غير مسؤولة”.
وفي السياق، فإن أي شركة عالمية لتصنيع الهواتف الخليوية، لن تقبل باختراق أجهزتها وتفجيرها بأي طريقة كانت، لأن الجمهور قد يذهب باتجاه شراء أجهزة من شركات أخرى يعتبر صناعتها أكثر أماناً. ولمزيد من الطمأنة، يلفت الاختصاصي إلى أن “الحيطة واجبة، لكن التهويل والذعر لا داعي لهما. أما تداول صور وأحاديث عن انفجار بطاريات ليثيوم لأنظمة الطاقة الشمسية، أو انفجار هواتف خليوية، فهو على الأرجح إما عدم معرفة بطبيعة الانفجار، أو هو ترويج مقصود للتغطية على حقيقة الشيء أو الجهاز الذي انفجر فعلياً”.