ما يطرحه صندوق النقد الدولي من شروط لمساعدة لبنان هي خطيرة جداً وتهدّد بشلّ الاقتصاد اللبناني لفترة طويلة وتدمير أي فرصة لإنعاش القطاع المصرفي .
في طروحاته الأخيرة اصرّ صندوق النقد على اعتبار أنّه يجب ضمان ودائع الـ100 الف دولار، اما الودائع التي تتخطّى ذلك فتخضع للاقتطاع بعد رفع السرّية المصرفية، والتدقيق بشرعية الودائع.
نكرّر التحذير من هذه المفاهيم الخطيرة وانعكاسها على سلامة الاقتصاد اللبناني وفرصة إعادة النمو اليه.
ـ اولاً، كيف يبدأ صندوق النقد الدولي بوضع مطالب حلول قبل الاطلاع على الواقع وحقيقة ما حصل، اي التدقيق بالوضع المالي لكل مصرف ومطابقته مع تقارير المصرف المركزي (الإجابة بالتفصيل عن الاسئلة التي طرحناها مراراً). وخصوصاً انّ الصندوق يملك سلطة واسعة ويملك معلومات، فلماذا لا يسعى إلى الحصول على الحقائق كاملة قبل ان يقترح حلولاً؟ اما إذا كان يملك هذه الحقائق فواجبه ان يصارح اللبنانيين بها. فلا يجوز البدء بالعلاج قبل الحصول على تشخيص دقيق وإعلام المريض او اهل المريض على الاقل. انّ عدم هذه المصارحة يخلق شبهات حول الأهداف الحقيقية لعمل صندوق النقد الدولي.
ـ ثانياً، على لبنان التمسّك بسرّيته المصرفية، وهي ميزة اقتصادية أساسية ستبقى تساهم في منح تفاضلية للقطاع المصرفي اللبناني، وسيستفيد منها لبنان بعدما يستعيد عافيته الاقتصادية مستقبلاً، وأعتقد انّ أعداء لبنان يروّجون لإلغائها لمنع استعادة القطاع المصرفي حيويته الماضية. ونُكرّر: ليست السّرية المصرفية المسؤولة عن الفساد، بل غياب الشفافية عن كل معاملات الدولة وصرفها، أما بالنسبة الى جرائم تبييض الاموال وغيرها، فنستطيع إقرار قوانين اساسية والتعاون مع الجهات الدولية في هذا الشأن من دون ان نُلغي سرّيتنا المصرفية.
ـ ثالثاً، انّ الحديث عن التمييز بين الودائع سيؤدي إلى «تهشيل» الفئة المحرّكة للاستثمارات من لبنان، ووقف المشاريع والتحويلات، مما سيزيد الفقر وتتراجع فرص الإنتاج.. نظرية انّ كل صاحب وديعة كبيرة هو حكماً مستفيد من فساد، هي نظرية خاطئة، ستقضي على ما تبقّى من ثقة بهذا البلد. والسؤال اليوم هو اننا لا نرى استقتالاً لدى المسؤولين والموظفين الكبار في لبنان على حلّ أزمة الودائع، الا يملك هؤلاء حسابات عالقة في لبنان؟ الا يهمّهم مصير ودائعهم؟ ام انّ اموالهم اصبحت في مكان آخر؟
ـ رابعاً، الحديث عن ودائع شرعية وغير شرعية هي بدعة تتخطّى الخيال، هذه جريمة جديدة يتمّ التخطيط لها للاستمرار في احتجاز الودائع، المصارف لا يحق لها التحقيق مع المودعين الذين سرقتهم، مسؤولية المصارف اليوم هي ردّ الودائع التي كانت لديها. وايضاً بعد مرور هذه السنين على وجود هذه الودائع لا يحق لأحد ان يطالب بها فمن له حقوق فيها او اعتراضات فهي سقطت بمرور الزمن. ولو افترضنا انّ هناك وديعة جديدة وتبين انّها غير قانونية، فيجب إعادتها الى مصدرها ومصدرها ليس اصحاب المصارف او المصرف المركزي الذين يقولون «انسوها» لكي يستولوا عليها كما استولوا على جنى عمر الناس. في الإجمال، بدعة «شرعية الودائع» هي باب لسرقة الودائع، ومن يشارك في ذلك نيتّه سرقة الودائع.
ـ خامساً، ملفت جداً حديث البنك الدولي عن الشفافية، ولكن السؤال لماذا لم يطلب الصندوق تطبيق هذه المعايير في السابق حين كان يشيد بعمل الحاكم رياض سلامة؟ لماذا لا يساعد صندوق النقد الدولي لبنان عبر فضح من نهبوا شعبه، وتحديد مصير الاموال المنهوبة، وان يُعلن اسماء ويرفض التعامل مع من قام بتهريب اموال بطريقة غير مشروعة؟ اما ان يستمر الصندوق الدولي في وضع خطط من دون محاسبة من ارتكب فضيحة العصر، فذلك مؤشر إلى انّ هدفه ليس مساعدة الشعب اللبناني بل إغراق البلد بديون اضافية وحماية الفاسدين.
لا نحتاج إلى صندوق النقد الدولي في لبنان، فمن الخطير ان نبحث عن الاستدانة مجدداً من دون ان نسعى الى زيادة الإنتاج. ما نحتاجه اولا ًهو اعادة الودائع حالاً، وحين تُعاد الودائع تُستعاد الثقة، حينها اصحاب الودائع الكبار والمغتربون كفيلون بإعادة النمو الى الاقتصاد اللبناني، وقادرون على ان يحققوا اكثر بكثير مما يمكن ان تقدّمه اي جهة خارجية مثل البنك الدولي او غيره. والخطوة الأساسية لاستعادة الثقة ان نعرف حقيقة ما حصل لوضع قوانين وانظمة تمنع تكرار ذلك مستقبلاً، وبالطبع تحت مظلة الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. وايضاً تغيير الإجراءات الإدارية ومراجعة جدّية للضرائب التي تؤذي الاستثمار وغيره.