ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا مع تضارب إشارات روسيا بشأن التدفقات

ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا خلال تعاملات أمس (الأربعاء)، بعد 3 أيام من التراجعات، وسط حالة من عدم اليقين بشأن الإمدادات القادمة من روسيا، أكبر مزود للغاز لدول القارة. وتترقب السوق مؤشرات جديدة حول صادرات البلاد، مع تراجع التدفقات عبر أوكرانيا أمس، بعد ارتفاع كبير في اليوم السابق، وفقاً لوكالة بلومبرغ. كما أن هناك حالة من عدم اليقين بشأن مسار رئيسي آخر، وهو خط أنابيب يامال – أوروبا.وكان تم حجز جزء من سعة الخط لنقل غاز إلى ألمانيا لبضع ساعات مساء أول من أمس، ما أعطى أملاً في إمكانية استئناف التدفقات عبره بعد توقف استمر 43 يوماً.

وارتفعت العقود الآجلة للشهر المقبل للغاز الهولندي، وهو الغاز القياسي للسوق الأوروبية، بـ1.‏3 في المائة، وارتفع بنسبة 2.‏1 في المائة إلى 07.‏77 يورو للميغاواط/الساعة عند الساعة العاشرة و24 دقيقة صباحاً في أمستردام. كما ارتفع العقد البريطاني المكافئ بنسبة 1 في المائة إلى 58.‏182 بنس لكل وحدة حرارية. وشهدت الأيام الماضية تقلباً في الأسعار لأسباب، من بينها التوترات الإقليمية المستمرة حول أوكرانيا. وقبل أسبوع، اجتمع مسؤولون رفيعو المستوى داخل مقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل لوضع تصورات لما لا يمكن تصوره؛ ماذا سيحدث لأوروبا إذا ما أوقفت روسيا تدفق الغاز الطبيعي باتجاه الغرب؟

وتشتري أوروبا كل يوم ما يقرب من 40 في المائة من استهلاكها من الغاز من شركة غازبروم العملاقة المملوكة للدولة الروسية. وفي عام 1968 أصبحت النمسا أول دولة في أوروبا الغربية توقع عقداً لشراء الغاز الروسي. ومنذ ذلك الحين، صمدت تجارة الغاز في وجه مختلف الاضطرابات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي. إلا أن المحلل الاقتصادي خافيير بلاس، لفت في مقال رأي لوكالة بلومبرغ أمس، إلى أن خطر اندلاع صراع عسكري في أوكرانيا حوّل الغاز الطبيعي إلى سلاح للاضطراب الشامل. وقد تراجعت تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل حاد بالمقارنة بما كانت عليه في الماضي، وفي بعض الأحيان وصل التراجع لنحو 30 في المائة من متوسط التدفقات للأعوام الخمسة الماضية.

وتصرّ «غازبروم» على أنها تفي بالعقود طويلة الأجل مع الجهات الأوروبية. وقد جنت الشركة العام الماضي 8.‏1 تريليون روبل (2.‏23 مليار دولار) من مبيعاتها لأوروبا، أي نحو 10 في المائة من إجمالي صادرات روسيا، وفقاً لصندوق النقد الدولي. إلا أن الواقع يقول إن «غازبروم» خرجت عن المعتاد، ولم تملأ منشآت التخزين الأوروبية. كما أنها لم تعد تبيع غازاً إضافياً عبر السوق الفورية. وتراجعت مخزونات الغاز الأوروبية إلى أقل من 40 في المائة من السعة المتاحة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق لمثل هذا الوقت من العام.

وقد نجا الأوروبيون من الوقوع في براثن أزمة حادة للغاز بفضل الطقس المعتدل على غير المعتاد هذا الشتاء حتى الآن. وأشار بلاس إلى أن هناك سيناريوين رئيسيين؛ الأول يمكن احتواؤه؛ بينما الثاني كارثي. فإذا ما غزت روسيا أوكرانيا، قد يتعطل الغاز بسبب الأعمال العسكرية بطريقة أو بأخرى، ربما بطريق الخطأ إذا ما تم ضرب خطوط الأنابيب أو غيرها من البنى التحتية. ولكن إذا ما كانت العملية خاطفة وحققت موسكو أهدافها منها بسرعة، فقد تكون أوروبا قادرة على تحمل الأضرار المادية التي تلحق بخطوط الأنابيب في أوكرانيا.

وفيما يتعلق بهذا السيناريو، لفت الكاتب إلى أن الطرق الجديدة لنقل الغاز أدت إلى تقليل أهمية أوكرانيا. فقبل عقدين من الزمن، كانت أوكرانيا نقطة لعبور نحو 125 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أنحاء أوروبا. إلا أن التدفقات تراجعت في العام الماضي بنسبة 65 في المائة إلى أقل من 42 مليار متر مكعب. وهذه الكمية لا تزال كبيرة بالفعل، إلا أنها لم تعد كما كانت. ولفت بلاس إلى أنه عندما بحثت الجهات التنظيمية في أوروبا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي الاضطرابات المحتملة لإمدادات الغاز، قاموا بتحليل 19 سيناريو مع مختلف الاحتمالات، إلا أنهم لم يفكروا فيما قد يحدث إذا ما توقفت التدفقات الروسية بالكلية. لماذا؟ لأنه ليس سيناريو غير مقبول، وفعلياً، لأنه لا توجد حلول بديلة. وإذا ما حدث ذلك، فإن القارة لن تجد سبيلاً يحميها من تداعيات اقتصادية لا يمكن تصورها، وتعطل واسع للأنشطة.

ولفت بلاس إلى أن أوروبا قد تواجه تحدياً أكثر صعوبة، وهو ضخ هذا الغاز المسال في نظام التوزيع عبر القارة. وتوجد ثُلث القدرة الأوروبية لتغييز الغاز المسال في إسبانيا، التي لا يوجد بها إلا خط أنابيب صغير يربطها ببقية القارة. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد في ألمانيا مصنع واحد لإعادة تغييز الغاز المسال.والغاز يمكن أن يلعب نفس الدور الذي تلعبه الأسلحة النووية في الحروب التقليدية؛ التدمير المتبادل المؤكد. وإذا اختارت روسيا استخدام الغاز كسلاح، فإن أوروبا ستقلب الدنيا رأساً على عقب في السنوات المقبلة لضمان عدم الاعتماد أبداً مرة أخرى على «غازبروم» للحصول على أي غاز. ولهذا سيظل بوتين يلوح باستخدام الغاز بشكل طفيف كسلاح، وسيقيّد الإمدادات، ولن يقطعها.وأضاف: «هذا مصدر نفوذه، وإذا ما ذهب بوتين بعيداً في استغلال الغاز، فسيكون مستقبل روسيا نفسها في خطر. فالغاز سلاح تكمن فعاليته في عدم استخدامه مطلقاً».

مصدرالشرق الأوسط
المادة السابقةواشنطن: الصين فشلت في الوفاء بتعهدات «اتفاق التجارة»
المقالة القادمةالسعودية تزيد من وتيرة تعظيم التقنية وإيجاد البيئة الرقمية المناسبة للابتكار