ارتفاع الدولار “طبيعي” وسيتواصل: إنهم يرفضون الحلول

يصل الدولار حالياً إلى مرحلة شهدها في شهر أيار الماضي. لكن مع فارق جوهري في المشهد العام، وهو تسجيل البلاد المزيد من التراجعات الاقتصادية والأزمات السياسية التي تعزّزها السجالات حول مرحلة انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. وهذا الفارق يزيد القلق والتساؤل حول المعدّل الأقصى الذي يمكن للدولار تسجيله في المستقبل القريب، وعمّا إذا كان بالإمكان لجم تقدّم الدولار.

تدخّل المركزي والمغتربين

أعاد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في نهاية أيار الماضي، إنعاش منصة صيرفة والتعميم 161، حين طلب من المصارف “أن تبقي فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً لتبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات. كما دفع معاشات الموظفين في القطاع العام بالدولار أيضاً على سعر صيرفة”. فانخفض الدولار من نحو 38 ألف ليرة إلى نحو 27 ألف ليرة، بفعل ضخ مصرف لبنان كميات إضافية من الدولارات في السوق عبر المصارف.

أيام معدودة بعد القرار، تراجع الضخ عبر المنصة وتخطّى الدولار الـ30 ألف ليرة. وكان من المفترض أن يواصل تقدّمه، لكنّ سلامة الممسك بزمام الضخ عند كل استحقاق سياسي، أيقن وجود مساعدٍ سيخفّف عنه عبء الإفراج عن كميات إضافية من الدولارات، إنه المغتربون، الذين حافظت دولاراتهم خلال فصل الصيف على سعر يتراوح بين 30 و35 ألف ليرة. على أن التدخّل المزدوج بدأ يفقد سطوته مع تقليص المركزي ضخ الدولارات عبر المنصة، ووقف تأمينها بالكامل للشركات المستوردة للنفط، وكذلك مع انحسار موجة المغتربين وبدء عودتهم إلى بلاد الاغتراب.

الارتفاع طبيعي

بغياب العوامل المساعِدة، يعود مسار الدولار إلى طبيعته وسط غياب عامل الاستثمار في السوق وتراجع إيرادات الدولة لتغطّي بها نفقاتها. وهذا الغياب، يضغط على مصرف لبنان الذي لم يعد باستطاعته تحمّل وطأة ضخ الدولار لسحب السيولة التي يطبعها بالليرة لتغطية نفقات الدولة، وتأمين حاجة المصارف لها لإطفاء حسابات المودعين، ثم إعادة شراء الدولار. وهذه الليرة “تتحوّل إلى أداة لطلب الدولار الذي يؤمّنه المركزي من احتياطاته”، وفق ما يقوله الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، في حديث لـ”المدن”.

والمركزي في هذه الحالة، وعند كل استحقاق سياسي “يقوم بإجراء استثنائي يخسّره المزيد من الدولارات”. فهو إذاً، يخلق حالة غير طبيعية لمواجهة مسار طبيعي. أي يفرض تقليص غير طبيعي لسعر الدولار، لمنع ارتفاعه الطبيعي. في حين أن المواجهة السليمة تكون، بنظر مارديني، عن طريق “تقليص نفقات الدولة وتوسيع القاعدة الضريبية وجذب الاستثمارات لتصبح الدولة قادرة على الجباية والصرف. وكذلك على الدولة معالجة الأزمة المصرفية وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منذ 3 سنوات. وبخلاف ذلك، لا تغيير لمسار الانهيار وارتفاع الدولار، فلا عجائب ستحصل لإصلاح الوضع”.

مسار متعمَّد

جملة الخيارات التي اتّخذتها السلطة السياسية لمواجهة الأزمة، ومنها آليات الدعم الفاشلة والتخلّف عن سداد مستحقات حاملي سندات اليوروبوند، والتغاضي عن إجراءات المصارف بحق المودعين، أجّجت ارتفاع أسعار الدولار. وأظهرَ رفض إجراء الإصلاحات حقيقة تعمّد السلطة استكمال الانهيار المعزّز بتزايد عجز الموازنة وارتفاع مستوى التضخّم، الذي يدفع المواطنون ثمنه.

ولتأكيد التعمّد تلجأ السلطة ومصرف لبنان إلى “ضخ الدولارات لتمرير الاستحقاقات السياسية”. وللتذكير، وصل الدولار في شهر تموز 2021، قبل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، إلى نحو 23 ألف ليرة. وبعد التشكيل في شهر أيلول، ضخّ المصرف المركزي دولارات في السوق، فتراجع السعر فوراً إلى نحو 19 ألف ليرة ثم إلى نحو 13 ألف ليرة. وبعد تمرير الاستحقات، عاد السعر للارتفاع، مسجّلاً في تشرين الأول نحو 21 ألف ليرة، ونحو 26 ألف ليرة في نهاية العام، ثم يستقبل العام 2022 بسعر 30 ألف ليرة. وقبل الانتخابات النيابية في أيار 2022 كان الدولار بمحيط الـ24 ألف ليرة، ليرتفع في نهاية أيار إلى نحو 27 ألف ليرة.

وعلى هذا النحو، يُنتَظَر استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية. والمعطيات السياسية المرتبطة بالاستحقاق، لا تبشّر بالخير، وبالتالي لا استعجال حالياً لضخ الدولارات.

عموماً، بين عجز الدولة عن الإصلاح وعجز الأقطاب السياسية المسيطرة على مؤسساتها، عن إعادة النظر في التوظيفات الهائلة داخل الإدارات العامة، والتي تستوجب نفقات مضخَّمة في الرواتب ومستلزمات العمل وفي التعويضات… وغير ذلك، إلى جانب عدم رغبة المصارف في حلّ الأزمة بما لا يتوافق مع مصالحها… يتعرقل الإصلاح ويتواصل ارتفاع سعر الدولار بشكل “طبيعي”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةابو سليمان: قرار إضراب المصارف هو قصاص لجميع المواطنين وسيؤدي لارتفاع وتيرة انهيار الليرة
المقالة القادمةمخالفات دستوريّة كبرى في موازنة 2022