تواصل بعض محطات البنزين إقفال أبوابها بسبب نفاد مخزونها. فالشركات المستوردة تقنّن التوزيع تحت وطأة الارتفاع المتواصل لأسعار الدولار في السوق السوداء وعلى منصة صيرفة، ما يصعِّب عملية تحديد الأسعار التي سيتم التسليم والبيع وفقها. هي معضلة تواجهها المحطات أيضاً لأنها ملزمة بتأمين 30 بالمئة من كلفة البنزين بالدولار أو بالليرة وفق سعر السوق المتصاعد. ولذلك، تفضّل الشركات تقنين التوزيع، فتبقى المحطات بلا بنزين ويقف المواطنون أمام أزمة بلا أفق واضح.
ارتفاع أسعار الصرف
صنَعَ مصرف لبنان في 27 تموز، فتيلاً للأزمة، إذ قرَّرَ العودة إلى تقليص تأمين دولارات الاستيراد إلى 85 بالمئة بدل 100 بالمئة. أضاف “كميات من البارود” بقراره عدم دفع الدولارات للشركات المستورِدة إلاّ بعد بيعها كميات البنزين كاملة. وأشعَلَ “الفتيل” بقرار تخفيض نسبة تأمين الدولارات من 85 بالمئة إلى 70 بالمئة. أما الارتفاع المتواصل لسعر الدولار، فصَبَّ الزيت على النار التي ما زالت تشتعل وتنذر بما هو أصعب. وحذَّرَت الشركات والمحطات من تداعيات قرارات مصرف لبنان. وهي في الأصل تنسحب فوراً من السوق عند ظهور بوادر القلق، فما زالت مشاهد الطوابير والإشكالات والتضارب بين المواطنين ورفع السلاح، ماثلة في المخيّلة. وعليه، أفضل حلّ هو الإقفال وعدم التوزيع.
ارتفاع سعر الصرف هو السببب الرئيسي لما تواجهه الشركات والمحطات. ويشرح عضو نقابة أصحاب المحطات جورج البراكس أن “سعر صهريج البنزين ينقسم بين كلفة بالدولار النقدي وأخرى بالليرة. وليس لدى المحطات رأسمال كافٍ لشراء كميات كبيرة تكفي الطلب المتزايد، فتضطر المحطات لشراء كميات أقل، بحسب المبالغ المتوفّرة”. ويلفت البراكس النظر في حديث لـ”المدن”، إلى أن “تسارع ارتفاع أسعار الدولار يكبّد المحطات خسائر، لأنها مضطرة للبيع وفق ما يحدده جدول تركيب الأسعار، والشراء وفق دولار السوق، فيما جدول الأسعار لا يلحظ تغيّر دولار السوق بسرعة، فيبقى هناك فجوة بين قيمة الدولار الذي يصدر الجدول على أساسها، وبين قيمة الدولار الذي تشتري وفقه المحطات”.
ومن ناحية ثانية، تنتظر الشركات المستوردة ما سيحوّله مصرف لبنان، لتوزّع للسوق ما يتناسب مع كمية الدولارات المتوفرة. ويؤكّد البراكس أن “المستودعات فيها كميات كبيرة، لكن لا يمكن للشركات توزيعها ما لم تحصل على دولاراتها من مصرف لبنان”.
توقيت التسليم
انطلاقاً من عدم قدرة الشركات على توزيع كميات تفوق ما يسدّده المصرف المركزي من دولارات، وعدم قدرة المحطات على تأمين دولارات لزيادة الكميات في خزاناتها، تبقى تلك الخزانات قاصرة عن تلبية طلبات الزبائن في الفترة الممتدة بين تفريغ شحنة واستقبال شحنة جديدة. وتلعب عطلة نهاية الأسبوع، يوميّ السبت والأحد، دوراً في ترك فجوة في الكميات المتوفرة.
وتضاعف الأعياد الرسمية تلك الفجوة، خصوصاً إذا تزامنت مع نهاية الأسبوع، قبلها بيوم أو بعدها بيوم، فتشحّ الكميات عند المحطات، وصولاً إلى انقطاعها. ويقول البراكس، أن “الشركات في الغالب لا تسلّم يوميّ السبت والأحد، وعلى المحطات انتظار وصول الشحنة يوم الاثنين. وتصل الشحنة بين فترة الظهر وبعد الظهر. أما في حال تزامن العطلة مع عيد رسمي، فالتوقيت يتمدّد إلى أن تعود الحركة لطبيعتها بين يوميّ الثلاثاء والجمعة”.
هذه الوقائع باتت روتينية. ويزيدها تعقيداً غياب المنهجية التي يسير وفقها مصرف لبنان لتأمين الدولارات كمّاً وسعراً. فضلاً عن عدم تحرّك السلطة السياسية لوضع آلية صحيحة لإدارة الأزمة في البلاد، لأن المشكلة ليست محصورة في قطاع النفط، وإنما مشكلة القطاع هي جزءٌ من المشكلة العامة التي تصيب كل القطاعات. وهذا الغياب، يعني بأن مشكلة البنزين مستمرة، على الأقل بالوتيرة الحالية. فيما تفاقمها يعتمد على ما سيتّخذه المركزي مع السلطة السياسية. وإلى حين إصدار قرارات جديدة، تبقى الأنظار معلّقة على سعر الدولار المتوَقَّع زيادته مع بدء مغادرة المغتربين، فحينها سيقلّ توفّر الدولار في السوق، ما ينذر بارتفاع الأسعار وانسحابها على المحروقات.