“تصليح السيارة في لبنان بات يحتاج إلى قرضٍ مصرفي”… لسان حال اللبنانيين اليوم عند تعطّل أي قطعة في سياراتهم، وعلى حدّ قولهم، “القرض غير متوفر في المصارف والمال غير موجود لدى المواطنين وودائعهم بالدولار تبخّرت”.
تقول “سينتيا” لـ”العربي الجديد” إنها قصدت مرأباً لتصليح السيارات قبل أسبوع لتغيير قطعة واستبدالها بأخرى مستعملة سعرها 50 دولارا أميركيا أي 75 ألف ليرة وفق سعر الصرف الرسمي 1515 الذي تتقاضى راتبها على أساسه، لكنها دفعت 450 ألف ليرة لأن صاحب المرأب رفض الدفع إلا وفق سعر السوق السوداء (الدولار يساوي 9 آلاف ليرة).
أما تغيير الزيت فكلفته 150 ألف ليرة لبنانية أي مائة دولار وفق السعر الرسمي، ففضلت سينتيا تأجيل إصلاح السيارة، على الرغم من المخاطر التي قد تطاول حياتها، والأعطاب التي قد تصيب سيارتها.
هذه عيّنة من آلاف اللبنانيين الذين يتخوفون من تعطّل سياراتهم، بعدما فقدت رواتبهم بالليرة أكثر من 70% من قيمتها نظراً لارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء والغلاء الفاحش في السلع والمواد الغذائية.
هذا الواقع السوداوي لا يعيش تداعياته المواطن فقط بل انسحب كذلك على أصحاب مصالح تصليح السيارات، الذين يعتمدون في عملهم على بضائع كلها مستوردة من الخارج ويقعون ضحية التجار الذين يحتكرون البضائع ويسعّرونها على أسعار مرتفعة لتحقيق مكاسب وأرباح عالية.
يقول الرئيس التنفيذي لـ”مجموعة بو خاطر للسيارات” وعضو مجلس “جمعية مستوردي السيارات في لبنان” أنطوني بو خاطر لـ”العربي الجديد” إن أزمة الدولار وضعتهم في خسائر تصل إلى تسعين في المائة وباتت تهدد استمراريتهم في السوق في ظلّ الارتفاع المتمادي في سعر الصرف في السوق السوداء وتراجع الطلب على قطع تبديل السيارات المستوردة المسعّرة كلها بالدولار.
ودعا بو خاطر الجهات المعنية الى إيجاد حلّ لهذا القطاع بعدما باتت لقمة عيش مئات العاملين وأصحاب المصالح مهددة، وطالب بشمل قطع السيارات في الدعم الذي يؤمنه مصرف لبنان للمواد الأساسية مثل المحروقات والدواء والطحين والتي أضاف إليها السلة الغذائية.
ويشير بو خاطر أيضاً إلى حجم الضرر على صعيد شركته، بعدما بات بيع السيارات شبه منقطع، في ظل توقف القروض الممنوحة من المصارف وانعدام القدرة الشرائية عند المواطنين.
بدوره، يقول عصام العريّة وكيل إطارات وقطع سيارات في لبنان إنّ جميع القطع والبضائع المرتبطة بهذا القطاع مستوردة من الخارج “ونحن ملزمون بدفع ثمنها بالدولار الأميركي عند شرائها من الشركات والتجار، في حين لا يمكن أن نبيع الزبون سوى بالعملة الوطنية ووفق سعر السوق الذي يتغيّر كلّ يوم”.
ويلفت إلى أنّ التاجر لا يرفع الأسعار عشوائياً بل يريد أن يضمن حماية نفسه من تصاعد سعر الصرف كل يوم في السوق السوداء بهدف تمكينه من إعادة شراء البضائع، حتى غيار الزيت بات يكلف الكثير والأسعار ازدادت إلى الضعف وأكثر علماً أن الكثير من الناس يشترون علب الزيت ويخزنونها تماماً كما يحصل في القطاع الغذائي.
ويشير العريّة إلى أنّ العمل اليوم يقتصر على التصليح وبيع المستعمل الذي انخفض أيضاً في السوق، حيث إن توفر الإطارات المستعملة يستوجب في المقابل شراء الزبون لإطارات جديدة، الأمر الذي بات شبه معدومٍ.
ويضيف أنه “إذا استمرّ الوضع على هذا المنوال فقد نصل إلى نقصٍ حاد في القطع أو الإطارات المستعملة ويصبح الزبون أمام خيار واحد هو البضائع الجديدة، علماً أن سعر الإطارات الأربعة الجديدة للأسف بات يساوي نصف سعر سيارة كاملة”.
من جهته، يقول نديم يونس صاحب مرأب لتصليح السيارات في بيروت لـ”العربي الجديد”، إن الزبون أصبح يقصد الكاراج عند تعطل سيارته بالكامل وتصبح غير صالحة للسير حتى أنه بات يفضّل تركها مركونة واللجوء إلى المواصلات العامة تفادياً لتصليحها، وهذا ما لم نكن نراه في السابق.
ويضيف أن الناس “يظلموننا في كثير من الأحيان عند اطلاعهم على أسعار القطع فيسارعون في حكمهم علينا بحجة أننا نريد تحقيق أرباح طائلة على حسابهم واستغلال الوضع الراهن، لكن صاحب “الكاراج” يتكبّد الكثير بدءاً من الدولار الذي يضطر لشرائه من السوق السوداء بسعر مرتفع جداً بهدف شراء القطع المستوردة إضافة إلى وقوعه ضحية احتكار التجار للسوق”.
ويشرح أن الميكانيكي كأي مواطن لبناني يلجأ إلى السوبرماركت ويعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعليه أقساط يتوجب دفعها وبالتالي يريد تأمين لقمة عيشه التي باتت صعبة جداً مع دخول قطاع تصليح السيارات في العناية الفائقة.
المصدر: العربي الجديد