استجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر: أميركا تواصل العرقلة

إثر التغيير في شكل النظام الحاكم في سوريا، رأت وزارة الطاقة والمياه في لبنان أنّ الموانع الدولية للتعامل مع سوريا انتهت، ولا سيما في ما يتعلق بمشاريع استجرار الطاقة والغاز من الأردن ومصر عبر سوريا والتي كانت ستوفّر للبنان قدرة إنتاجية أكبر للكهرباء بكلفة متدنّية نسبياً. هكذا، بدأ وزير الطاقة وليد فياض يعيد طرح الموضوع على الجهات المعنية في الخارج. فهل أدّى تغيّر السلطة في سوريا إلى تفكيك الموانع الأميركية في التعامل مع هذا البلد الشقيق؟

في السنوات الثلاث الماضية، سعى فياض إلى استجرار الطاقة من الأردن عبر سوريا، والغاز من مصر عبر الأردن وسوريا، وصولاً إلى لبنان. هذا الحلّ سيؤمن 250 ميغاواط إضافية من الأردن، بالإضافة إلى تشغيل معملَي دير عمار والزهراني بالغاز المصري لإنتاج نحو 900 ميغاواط، ما سيزيد القدرة الإنتاجية وتوزيع الكهرباء في لبنان إلى 10 ساعات يومياً بدلاً من ثلاث ساعات في حينه، وسيخفض كلفة الإنتاج بالإضافة إلى تقليص فاتورة استيراد مادة المازوت التي تستعمل لتوليد الطاقة لدى مولدات الأحياء. بعد أكثر من سنتين على متابعة هذين الملفين، أيقن فياض أن أميركا ترفض منح الأردن ومصر ترخيصاً يجيز لهما تجاوز قانون قيصر، وبالتالي يمنعهما ويمنع لبنان من التعاون مع سوريا في مجال استجرار الغاز والطاقة. ومع أخبار فكّ الحصار عن سوريا، قرّر فياض إعادة فتح الملف بكامله، موجّهاً قبل أسبوعين، رسالة إلى وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة لإعادة تفعيل اتفاقية استجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا، لافتاً إلى إمكانات مؤسسة كهرباء لبنان في تغطية ثمن الطاقة من موازنتها، خلافاً لما كان مطروحاً في السابق لجهة تغطية الأكلاف بقرض من البنك الدولي قيمته 300 مليون دولار. بهذا، أخرج فياض البنك الدولي من المعادلة، إذ بات لدى «كهرباء لبنان» ملاءة مالية ودورة جباية بالدولار تتيح لها تسديد ثمن الطاقة المستجرّة من الأردن، وهذا ما ثبّتته مؤسسة كهرباء لبنان في رسالة رسمية وجهتها إلى مؤسسة الكهرباء الوطنية الأردنية «NEPCO».

ما حصل هو أن الولايات المتحدة الأميركية، أعادت التذكير عبر وزارة الخزانة في 6 كانون الثاني الجاري بأن «العقوبات لا تزال فعّالة». وخلال الأسبوع الماضي، قامت سفارتها في لبنان بإبلاغ الوزارات بـ«وجود استثناءات تسمح بالتعامل التجاري مع سوريا، إلا أنّ قانون قيصر لا يزال فعالاً»، وأن ما استثني تطبيقه من العقوبات الأميركية على سوريا هي «التحويلات للمؤسّسات الحاكمة، والأموال المستخدمة لشراء وتخزين النفط والموارد المستخدمة في توليد الطاقة». وشدّدت وزارة الخزانة الأميركية على «استمرار سريان العقوبات على شراء وبيع وتداول النفط السوري وتوابعه». وبالإضافة إلى الموانع الأميركية، تلقى فياض ردّاً من الوزير الأردني صالح الخرابشة يبلغه بوجود «معوّقات تقنية تمنع وصول الكهرباء الأردنية إلى الشبكة العامة اللبنانية»، إذ إنه خلال الفوضى التي سبقت سقوط النظام في سوريا، وبسبب الغارات الصهيونية الكثيفة على الأراضي السورية، تضرّر خطّ الربط بين الأردن وسوريا ولبنان بشكل بالغ، وباتت فرق الصيانة «تحتاج إلى ستة أشهر على الأقل لإعادة تأهيله». ومن المتوقع أن تتأخر عملية إعادة التأهيل أكثر، وفقاً لفياض، بسبب عدم وجود تواصل مباشر مع الجهات الحاكمة في سوريا الآن. يذكر أنّ هذه المرّة الثانية التي يتضرّر فيها هذا الخط. ولكن في المرّة الأولى قامت الدولة السورية بإجراء عمليات الصيانة عليه، وأنهت المطلوب خلال شهرين.

تقنياً، يرتبط الأردن ولبنان وسوريا بالاتفاقية التجارية العامة لدول الربط الكهربائي الثماني، والتي تضم أيضاً مصر والعراق وفلسطين وليبيا وتركيا. وللغاية، استثمر لبنان في هذه الشبكة، وأضاف على خطوط التوتر خطاً رابعاً بقدرة 400 كيلو فولت، ويخصّص لاستجرار الكهرباء من الخارج، وقبل انطلاق الأحداث السورية عام 2010، زوّدت سوريا، لبنان، بالكهرباء عبر هذا الخط. وفيما يتعلق بمشروع الربط بين لبنان والأردن، تنطلق الكهرباء المرسلة إلى لبنان من محطة تحويل شمال عمان في الأردن، وصولاً إلى محطة دير علي في ريف دمشق، فمحطة ديماس، ومن ثمّ تدخل إلى الشبكة اللبنانية عبر محطة كسارة في لبنان.

وبحسب الاتفاقية الموقعة من مؤسسات الكهرباء في لبنان وسوريا والأردن، يلتزم الجانب السوري بتمرير كامل الطاقة المستلمة من الأردن للبنان، وعند الفوترة يخصم منها نسبة «الفقد الكهربائي»، أي الهدر التقني على الشبكة. ولمعرفة كمية الطاقة الواصلة فعلاً إلى لبنان، تتعهد مؤسسات الكهرباء في الدول الثلاث بتبادل القراءات الشهرية للعدادات الكهربائية في محطات التحويل، على أن تصفّر الطاقة المتسربة نهاية كلّ شهر. وبالتالي، يدفع لبنان ثمن الطاقة المسلّمة فقط، وتساوي كمية الطاقة المرسلة من محطة ديماس ناقص كمية الطاقة المستلمة في محطة كسارة. وهكذا تعرف كمية الفقد على خط الربط السوري اللبناني.

وبالنسبة إلى استيراد الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى معمل دير عمار، فإن ما ينطبق على الأردن في مجال استجرار الطاقة الكهربائية، هو نفسه ما ينطبق على الغاز المصري، كون الموانع الأميركية تنطبق عليهما بكل أشكال التعاون، وكون الغاز المصري سيمرّ أيضاً عبر الأردن.

16.2 سنتاً سعر الكيلوواط من الكهرباء الأردنية

وفقاً للاتفاقية الموقّعة بين رئيس مجلس إدارة مؤسّسة كهرباء لبنان، كمال حايك، ومدير شركة الكهرباء الوطنية في الأردن، أمجد الرواشدة، حدّد سلّم لتسعير كل كيلوواط كهرباء مستجرّ من الأردن إلى لبنان ربطاً بتقلبات سعر النفط العالمي. إذ قسّمت درجات السلّم وفقاً للسعر العالمي لبرميل النفط «البرنت». ففي حال كان أقل من 50 دولاراً، يباع الكيلوواط من الكهرباء الأردنية للبنان بـ 10 سنتات، وفي حال ارتفاعه لأكثر من 50 دولاراً، إنّما من دون أن يتجاوز سقف 80 دولاراً، يصبح سعر الكيلوواط 11.2 سنتاً. وإذا زاد سعر برميل النفط عن 80 دولاراً، يصل سعر الكيلوواط إلى 16.2 سنتاً، وهو المعتمد الآن.

 

مصدرجريدة الأخبار - فؤاد بزي
المادة السابقة3 تحدّيات تواجه جهاد البناء
المقالة القادمةالمرشّحون لانتخابات جمعية المصارف